الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن وردة "فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ" ﴿الرحمن 37﴾ وردة اسم، وردة: كالوردة. أو كالفرس الوردة لوناً لتغير حمرة الفرس حسن الفصول بين الفاتح و الداكن. فكانت وردة: كالوردة في الحمرة. فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدِّهَانِ: السماء محمرة إحمرار الأديم الأحمر. فإذا انشقت السماء وتفطرت يوم القيامة، فكانت حمراء كلون الورد، وكالزيت المغلي والرصاص المذاب، من شدة الأمر وهول يوم القيامة.
وعن التبيان للشيخ الطوسي: قوله جل جلاله"فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ" ﴿الرحمن 37﴾ يقول اللّه تعالي"فَإِذَا انشَقَّتِ السَّماءُ" و معناه إن ينفك بعضها عن بعض، فالسماء تنشق يومئذ و تصير حمراء كالوردة. ثم تجري كالدهان قال الفراء: الوردة الفرس الوردة. و قال الزجاج: يتلون کما يتلون الدهان المختلفة أي فكان كلون فرس ورده، و هو الكميت فيتلون في الشتاء لونه بخلاف لونه في الصيف، و كذلك في الفصول فسبحان خالقها و المصرف لها کما يشاء. و الوردة واحدة الورد، و إنما تصير السماء كالوردة في الاحمرار ثم تجري كالدهان، و هو جمع دهن كقولك قرط و قراط عند انقضاء الأمر و تناهي المدة. و قال الحسن: هي كالدهان أي كالدهن ألذي يصب بعضه علي بعض بألوان مختلفة. و قيل: تمور كالدهن صافية. و قال قتادة: لونها حينئذ الحمرة كالدهان في صفاء الدهن و إشراقه. و قال قوم: إن السماء تذوب يوم القيامة من حرّ نار جهنم فتصير حمراء ذائبة كالدهن. قال الجبائي: و روي أن السماء الدنيا من حديد و ليس في الآية ما يدل ما قاله، لاحتمال ذلک ما قاله المفسرون. و الأقوال الّتي ذكرناها. و قال الفراء: الدهان الأديم الأحمر و وجه النعمة في انشقاق السماء.
وفي الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن عبيد المكتب عن إبراهيم قال: ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على اثنين. قيل لعبيد: أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن؟ قال: ذاك مقامه وحيث يصعد عمله. قال: وتدري ما بكاء السماء؟ قال: لا. قال: تحمر وتصير وردة كالدهان. إن يحيى بن زكريا لما قتل احمرت السماء وقطرت دما، وإن الحسين بن علي يوم قتل احمرت السماء. عن محمد بن عبدالله الحمري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبدالله بن عبد الرحمان الاصم، عن أبي يعقوب، عن أبان بن عثمان، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام يا زرارة إن السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت اربعين يوماً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام. (مستدرك الوسائل ج-10 ص313، بحار الأنوار ج-ص14ص183 وج -45 ص 206 -215، مناقب – ابن شهر آشوب ص212، العوالم ص 471، تفسير الصافي ج-4 ص 407، تفسير الآصفي ج-2 ص1154، تفسير نور الثقلين ج-4 ص 628).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ" ﴿الإنشقاق 16﴾ (الشفق): اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس، و (الإشفاق): عنايه مختلطة بخوف، لأنّ (المشفق) يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه. ويقول الفخر الرازي: تركيب لفظ (الشفق) في أصل اللغة لرقّة الشيء، ومنه يقال: ثوب شفق، كأنّه لا تماسك له لرقته، و (الشفقة): رقة القلب. (والظاهر أنّ قول الراغب أقرب للصواب). وعلى أيّة حال، فـ (الشفق) هو وقت الغروب، وقد اُختلف في تعيين وقته ما بين الحمرة التي تظهر في الاُفق الغربي عند بداية الليل، وبين ما يظهر بعد الحمرة من بياض، والمشهور بين العلماء والمفسّرين هو التعيين الأوّل، وهو المستعمل على لسان الاُدباء أيضاً حيث يشبهون دماء الشهداء بالشفق. إلاّ أنّ البعض اختار التعيين الثّاني، على ما يبدو عليه من ضعف، وخصوصاً إذا ما اعتبرنا (الرّقة) هي الأصل اللغوي للكلمة، حيث أنّها ستتناسب مع الحمرة الخفيفة الرقيقة دون الثّاني. وعلى أية حال، فقد جاء القسم بالشفق للفت الأنظار إلى ما في هذه الظاهرة السماوية الجميلة من معان، فمنه تُعلن حالة التحول العام من النهار إلى الليل، إضافة لما يتمتع به من بهاء وجمال، وكونه وقت صلاة المغرب.
عن کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: فيوم تنشق السماء وتتحول حمراء كأنها وردة، أنى يمكن التكذيب بآلاء الرحمن؟"سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)" (الرحمن31- 38) كالدهان: كالدهن، أي عذاب سيّال كالدهن، أحمر كالنار. إن السماء هذا السقف العظيم الذي يحفظ الناس ويظلهم تفقد تماسكها يوم القيامة، ويتبدل لونها من الزرقة إلى الحمرة تشبه في ذلك الوردة الحمراء،"وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَة " (الحاقة 16) ثم تذوب وتسيل"يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ" (المعارج 8)، حتى تُضحى دهانا، وهو ما يستخرج من الورد بعد غليه وعصره."فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ" (الرحمن 37) لعل سبب تشبيهها بالوردة لأنها ليست قطعة واحدة، بل عدة قطع منشقة عن بعضها، ذات صبغة حمراء أو لون آخر، يجمعها الأصل، ولأن السماء (السقف المرفوع) هي رمز الأمن والسلام، فإن انشقاقها يؤذن بالأخطار والخوف، ولهذه الآية اتصال وثيق بالآية "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ" (الرحمن 35) ذلك أن الغلاف الجوي أحد طبقات السماء هو الذي يمنع عنا النيازك والغازات الحارقة، ولو حدث لا سمح الله أن انشق فإن الأرض ستكون عرضة لتلك الأخطار، ويقول العلماء: لو فتحت ثغرة في الغلاف الواقي لنفترض مثلا بمساحة كيلو متر مربع واحد فإن الأرض تحته لا تصلح للحياة أبدا لما ينهال عليها من خلال تلك الثغرة من أشعة ضارة أو نيازك حارقة مدمرة. وهل لنا أن نفهم من هذه الحقيقة العلمية شيئا بسيطا عن طبيعة الحياة حينما تنفطر السماوات السبع وتستحيل لهبا ومهلا؟
جاء في موقع براثا هل للحمرة السماوية التي حصلت مؤخراً علاقة بما ورد في الروايات عن الحمرة التي تجلل السماء؟ للشيخ جلال الدين الصغير: وردتني أسئلة عديدة بشأن الأضواء الحمراء التي شوهدت عقب العاصفة الشمسية التي حدثت مساء يوم الجمعة 5-10-2024، وما إذا كانت لها علاقة بعلامات الظهور الشريف أو أنّها تنبؤ بأحداث خطيرة ستعقبها. وللجواب عن ذلك، أشير أوّلاً إلى أنّ روايات أهل البيت عليهم السلام أشارت إلى حمرة تجلل السماء منها ما رواه ابن عقدة بسنده لأمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: لا تقوم القيامة (في نسخة القائم ولعله هو الصحيح) حتى تفقأ عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء، وتلك دموع حملة العرش على أهل الأرض حتى يظهر فيهم عصابة لا خلاق لهم يدعون لولدي وهم براء من ولدي، تلك عصابة رديئة لا خلاق لهم، على الأشرار مسلطة، وللجبابرة مفتنة، وللملوك مبيرة، تظهر في سواد الكوفة، يقدمهم رجل أسود اللون والقلب، رثّ الدين، لا خلاق له، مهجّن زنيم عتّل (الخبر). (فضائل أمير المؤمنين: 128 ح125، وعنه في غيبة النعمانيّ: 149ــ150 ب10 ح5). وقد روى الشيخ الصدوق فيما رواه عن ابن مهزيار قول الإمام الحجة عليه السلام: وظهرت الحمرة في السماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نوراً. (كمال الدين وتمام النعمة: 497 ب43 ح23) وكذلك روى الشيخ المفيد بسنده لأبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلّل السماء. (الإرشاد 2: 378). وقد ذكر في عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو من كتب العامّة في فصله الرابع خلاصة لأخبار علامات ظهور الإمام (أرواحنا فداه) والكثير منها من مرويات أهل البيت (عليهم السلام) وكان منها قوله: وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في أفقها ولبست كحمرة لشفق المعتاد. (عقد الدرر في أخبار المنتظر: 154ــ155 ف4) وقد أورد نُعيم بن حمّاد (وهو من محدّثي العامّة) خبرين عن كعب الأحبار أشار فيه إلى حمرة تظهر في جوّ السماء في شهر رمضان. (الفتن: 130). هذه هي حصيلة ما لدينا في الروايات عن الحمرة في السماء، وفي الواقع أمامنا حالات عدّة لتشكّل الحمرة في السماء، وهي الحالات المعتادة، فالغبار يمكن أن يشكل نمطاً من الاحمرار في شكل السماء أمام نواظرنا، ويمكن أن نرى الحمرة في السماء أثناء الغروب، ونسميها بالحمرة المشرقية والتي تظهر بالطرف المقابل لغروب الشمس، وفي مقابلها ما يسمّى بالحمرة المغربية، وهو لون الشفق من بعد تحقق الغروب، وهذه الأنماط من الحمرة هي من الأنماط المعتادة المتكررة دائماً، والتي لا تحمل أي دلالة تعريفية غير دلالتها على إثارة الغبار في الأولى والحركة المعتادة للشمس في الأخرى، وكما هو معروف فإنّ العلامة التي تعيّن لأمر معيّن يجب أن تحمل فيها دلالة واضحة ومتميّزة على هذا الأمر، وحيث لا تحمل هذه الحمرة أيّ دلالة ممّا أشرنا إليه، ولذا فلا اعتناء لنا بها.
جاء في موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي الغروب الشرعي عن ضعف بعض الروايات التي لها علاقة بالشفق وردها: ومنها: خبر محمد بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن وقت المغرب؟ فقال: إذا تغيرت الحمرة في الأفق، وذهبت الصفرة، وقبل (أن) تشتبك النجوم. وأجاب عنها بعض الأعاظم رضوان الله عليهم بضعفها سنداً، لجهالة علي بن الحارث، ولعدم توثيق بكار، وبقصورها دلالة، لأن تغير الحمرة إنما يتحقق عند دخول الشمس تحت الأفق، وهو زمان ذهاب الصفرة في قبال اشتباك النجوم، وذهاب الشفق. ومنها: معتبرة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي. وتقريب الاستدلال بها على المدعى يتضح من خلال الإحاطة بإتحاد وقت الإفاضة من عرفات، مع وقت وجوب صلاة المغرب، ووقت الإفطار. وإن شئت فقل، إن المستفاد من المعتبرة تحديد وقت الإفاضة من عرفات بما إذا ذهبت الحمرة المشرقية، فيدل ذلك بالدلالة الالتـزامية على أنه وقت صلاة المغرب، لما عرفت من اتحاد الأوقات الثلاثة.
https://telegram.me/buratha
