🖋️🖋️ محمد شرف الدين ||
- قال تعالى
" بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً () الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " النساء / 138-139.
حيث اتفق المفسرون على ان قوله تعالى " الذين يتخذون الكافرين أولياء ...." هو بيان وتعريف ل"المنافقين" التي وردت في الآية الأولى ، ولكي نصل الى النتيجة المرجوة منها ، لابد لنا الخوض في عدة أبحاث :
أ- المراد من " أولياء "
أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو وقوع شيء وراء شيء مع رابطة بينهما.
و الوراء أعمّ من القدّام و الخلف. كما أنّ الشيئين أعمّ من أن يكونا مختلفين وجودا أو بلحاظ المحلّ و الاعتبار. و الرابطة أيضا أعمّ من أن تكون حسنة أو سيّئة.
و أمّا مفاهيم القرب و الحبّ و النصر و المتابعة: فمن آثار الأصل باختلاف الموارد.
فمن مصاديقه: الْوَلَايَةُ بمعنى تدبير امور الغير و القيام بكفاية جريان حياته و معاشه، فانّ الولىّ و المتولّى واقع وراء المتولّى عليه، و الرابطة بينهما تدبير الأمور و القيام به:
. إِنَ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ- 7/ 196.
لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ- 5/ 51.
اللَّهُ وَلِيُ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ- 2/ 257.
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُ وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتى- 42/ 9
فالولىّ هو المتّصف بالولاية و التدبير. و الْمُتَوَلِّي هو الّذى يختار وليّا، كما في الآية الثانية. أو الّذى يختار التَّوْلِيَةَ و الوِلَايَةَ على الغير، كما في الآية الاولى..
وذهب الطبري في تفسيره الى ان المراد هو
" أنصار و أخلاء من دون المؤمنين، يعني: من غير المؤمنين."
وكذلك الطبراني في تفسيره ، بقوله " أي هم الذين يتّخذون اليهود أحبّاء في العون و النّصرة من دون المؤمنين المخلصين الموحّدين."
وقال الشيخ الطوسي في تبيانه " اولياء يعني أنصارا و أحلافا من دون المؤمنين يعني من غيرهم."
ب- دلالة الآية
قال الجصاص في احكام القران
" هذا يدل على أنه غير جائز للمؤمنين الاستنصار بالكفار على غيرهم من الكفار إذ كانوا متى غلبوا كان حكم الكفر هو الغالب و بذلك قال أصحابنا"
ثم ان السيد السبزواري رحمه الله في مواهبه استفاد قاعدة: «عدم جواز اتّخاذ المؤمنين الكافرين أولياء»، و المراد منها عدم متابعة المؤمنين الكافرين و نصرتهم في عقائدهم أو في أعمالهم، الّتي تستلزم ترويج عقائدهم الفاسدة، من بثّها في المجتمع أو تقويتها أو الدفاع عنها. و أمّا الميل القلبي الى أعمالهم أو تعلّم كمالاتهم الدنيويّة دون عقائدهم إن لم تترتّب عليه مفسدة، فلا محذور فيه.
وتنذر الآية المباركة المنافقين الذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين بأن لهم عذابا أليما من النار، و توبّخهم بما يبتغون من أوليائهم من: ثروة و شهرة و سلطة و عزّة، من ان العزّة للّه و لرسوله و للمؤمنين، و أنّ بيد اللّه تعالى كل ذلك، فانه مالك الملك، يعطي الملك من يشاء و ينزع الملك ممّن يشاء، و يعزّ من يشاء، و يذلّ من يشاء بيده الخير و هو على كل شيء قدير.
إنّ هذه الآية- في الحقيقة- تحذير للمسلمين بأن لا يلتمسوا الفخر و العزّة في شؤونهم الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية عن طريق إنشاء علاقات الود و الصداقة مع أعداء الإسلام
ج- بيان الدلالة
عمدة الاستدلال بهذه الاية على النتائج المذكورة هو القاعدة الاصولية التي تنص على ان صيغة النهي تدل على الحرمة ، وهذا ما يدفعنا بالبحث بين علماء الاصول لاثبات هذه القاعدة.
و المقرّر بين الاصوليّين هو القول بأنّ صيغة النهي تدلّ على الحرمة، و يجب أن نفهم هذا القول بصورةٍ مماثلةٍ لفهمنا القول بأنّ صيغة الأمر تدلّ على الوجوب، فإنّ النهي يشكِّل جملةً مفيدةً و يشتمل لأجل ذلك على نسبةٍ تامة، و تعتبر الجملة التي يشكِّلها جملةً إنشائيةً لا إخبارية، فأنت حين تقول: «لا تذهب» لا تريد أن تخبر عن عدم الذهاب، و إنّما تريد أن تمنع المخاطب عن الذهاب و تمسكه عن ذلك، فصيغة الأمر و النهي متّفقتان في كلّ هذا، و لكنّهما تختلفان في الإرسال و الإمساك؛ لأنّ صيغة الأمر تدلّ على نسبةٍ إرساليةٍ كما سبق، و أمّا صيغة النهي فتدلّ على نسبةٍ إمساكية، أي أنّا حين نسمع جملة «اذهب» نتصور نسبةً بين الذهاب و المخاطب، و نتصور أنّ المتكلِّم يرسل المخاطب نحوها و يبعثه الى تحقيقها كما يرسل الصياد كلبه نحو الفريسة، و أمّا حين نسمع جملة «لا تذهب» فنتصور نسبةً بين الذهاب و المخاطب، و نتصور أنّ المتكلِّم يمسك مخاطبه عن تلك النسبة و يزجره عنها، كما لو حاول كلب الصيد أن يطارد الفريسة فأمسك به الصياد، و لهذا نطلق عليها اسم «النسبة الإمساكية».
و تدخل الحرمة في مدلول النهي بالطريقة التي دخل بها الوجوب الى مدلول الأمر، و لنرجع بهذا الصدد الى مثال الصياد، فإنّا نجد أنّ الصياد حين يمسك كلبه عن تتبّع الفريسة قد يكون إمساكه هذا ناتجاً عن كراهة تتبّع الكلب للفريسة بدرجةٍ شديدة، و قد ينتج عن كراهة ذلك بدرجةٍ ضعيفة. و نظير هذا تماماً نتصوره في النسبة الإمساكية التي نتحدّث عنها، فإنّا قد نتصورها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ للمنهيِّ عنه، و قد نتصورها ناتجةً عن كراهةٍ ضعيفة.
و معنى القول بأنّ صيغة النهي تدلّ على الحرمة في هذا الضوء: أنّ الصيغة موضوعة للنسبة الإمساكية بوصفها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ و هي الحرمة، فتدخل الحرمة ضمن الصورة التي نتصور بها المعنى اللغوي لصيغة النهي عند سماعها.
https://telegram.me/buratha