✒️ محمد شرف الدين||
البعثة:
في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب بعد عام الفيل بأربعين سنة . نزل الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بواسطة جبرائيل الأمين (عليه السلام) في غار حراء كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعبد فيه لله على نحو الذي ثبتت له مشروعيته .
وتفيد الروايات إنَّ أول آيات قرأها جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) هي قوله تعالى في سورة العلق :
(( بسم الله الرحمن الرحيم ، إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ... )
وبعد اللقاء الأول مع وحي النبوة أخذت تتدرج الآيات القرآنية بالنزول ، ويبدو أنّه بعد أن نزلت عليه الآيات الأولى من سورة المزمل .
(( يا أيُّها المزمل & قم الليل إلا قليلاً & نصفه أو انقص منه قليلاً & أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً & إنّا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً & ... )
شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) يهيأ نفسه للخطوات التالية في طريق نشر الرسالة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي .
أي كان عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعد العدة لمواجهة الصعاب الكثيرة والمشاكل المتوقعة . وأن يُحكم خطته وأسلوبه في العمل .
فعبر نظرةً سريعةً في حياة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله ) نجده أنّه (صلى الله عليه وآله ) قد عمل على مرحلتين أساسيتين في حياته ومن اجل هدفه وهما :
المرحلة الأولى : الدعوة الهادئة للأفراد .
المرحلة الثانية : الدعوة العامة .
والتفصيل كما يلي :
المرحلة الأولى : الدعوة الهادئة للأفراد
كانت دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) في البداية تتجه نحو آحاد الناس بصورة هادئة بعيداً عن أجواء التحدي وذلك حذراً من وقع المفاجأة على قريش التي كانت متعصبة لشركها ووثنيتها فلم يكن (صلى الله عليه وآله وسلم ) يُظهر الدعوة في المجالس العامة لقريش ، ولم تكن يدعو إلاّ من يغلب على الظن انه سيؤمن به ، فآمن به عدد قليل من الناس تباعاً ، وكان هؤلاء يلتقون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) باستمرار ، وكانوا إذا أرادوا ممارسة العبادة والصلاة تعرضوا للأذى ، فصاروا يذهبون إلى شعاب مكة يستخفون فيها عن أنظار قريش ، فصاروا يلاحقونهم إلى هناك ، أختار النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) لهم دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة ليلتقي بهم فيها ، ولتكون مركزاً يمارسون فيه عبادتهم وصلاتهم بعيداً عن أنظار قريش .
فبقى هنا العمل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) على ما يقارب ثلاث سنين وهو معتمد على محورين في منهجه ضمن هذه الفترة وهما :
1 ـ السرية .
2 ـ تعليم هذه الفئة المؤمنة .
فإنّ هذه المنهجية المحكمة جاءت نتيجة حكمة وحنكة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث إنّه لو دعا الناس جهراً في بداية الدعوة لما صدقه أحد حتى هؤلاء الناس لأنّه يدعو إلى شيء جديد على نظرياتهم وعقائدهم .
ولكنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان ينظر للمستقبل بنظرة ثاقبة فسار على هذه المنهجية فمن خلال النقطة الأولى (( السرية )) فهو يحافظ على نفسه ويختار الأفراد الذين فيهم بذرة التوحيد التي يلاحظها بنظرة الثاقب فيدعوه ويعرض عليه الإسلام ، فترى الناس قد استجابوا إليه الواحد بعد الواحد ، حتى وصل عددهم إلى أربعين أو أكثر.
ومن خلال النقطة الثانية (( تعليم هذه الفئة المؤمنة)) فهو يعلمهم التعاليم والعقائد الإلهية الصحيحة ويبين لهم بطلان ما كانوا يعتقدون به من الأصنام وغيرها من الانحرافات الاجتماعية والاقتصادية . فبيّن إنّ الله هو الواحد والرب الذي ينبغي على الإنسان أن يعبده ويترك بقية الآلهة المزيفة والباطلة.
وبالإضافة إلى التعليم فهو يعدهم للمستقبل القريب . الذي سيكونون فيه هم رسله إلى بقية الأمم في أقطار الأرض .
ولذلك فان هذه المرحلة كانت بمثابة إعداد نفسي وتربية عقيدية وروحية وجهادية لتلك الصفوة التي دخلت في الإسلام ، وكان لا بد منها ليتسنى للنبي القيام بمثل هذه التربية التي تمكن المؤمنين من الصمود في وجه التحديات التي تنتظرهم .
** نستطيع أن نقول إنَّ العنصر الذي اعتمده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم) في كِلا المنهجين هو الصبر فهو الذي جعله (صلى الله عليه وآله وسلم ) الحفاظ على السرية التامة من جهة وعلى الصفوة المؤمنة من جهة أخرى.
فلولا الصبر لنفضح أمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولتعرض هو والعدد القليل المؤمن للهجوم من قبل رؤوس الشرك كبار وصغار قريش.
ولأهمية الصبر في هكذا مرحلة يأمر القرآن الكريم مرتين بالاستعانة في الصبر في سورة البقرة الآية 45 و153 (( استعينوا بالصبر )) .
و يقول السيد القائد الخامنئي " دام ظله"
أهداف البعثة الشريفة
1 ـ التذكر والإيمان بالغيب
الهدف الأول للبعثة الشريفة هو إيجاد باطنية وروحانية ونفسانية في توجيه باطن الإنسان نحو الله، أي الإيمان والتوجّه نحو ربّ العالمين، أو بتعبير الكثير من الآيات القرآنية >الذكر<. فما يهبه الباري تعالى للناس عن طريق البعثة هو الذكر والتذكّر، ولا يتحقق أيّ من أهداف بعثة الأنبياء ما دام هذا الأمر غير متحقّق {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ }( )، فمن يوجد في نفسه حالة التذكّر هذه ويتّبعها فهو مهيّء للإنذار والإصلاح والإرشاد والتكامل والجهاد في سبيل الأهداف الاجتماعية.
ولو غفلت البشرية عن المعنويات أصبحت جميع أبواب الصلاح والإصلاح مغلقة بوجهها كما هو العالم المادي اليوم.
إنّ مفتاح جميع الإصلاحات والسعادات في العالم المادي اليوم هو توجّه الناس إلى أنفسهم والتذكر والبحث عن هدف الخلق وعمّا هو وراء هذه المظاهر المادية للحياة أي الأكل والنوم والشهوات والسلطة وحبّ المال وأمثالها. فجذور الفساد هي عدم التوجّه إلى الباطن الحقيقي للعالم، وهذا رمز ومعنى وجوهر الحياة، أي التوجّه إلى المبدء وإلى التكليف والإصغاء إلى أوامر مبدءٍ حاكم قادر لهُ سلطة غيبية، وبتعبير القرآن الإيمان بالغيب: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}( )، غير غارق في المظاهر المادية للحياة فالحياة ليست الأكل والنوم والشهوات والميولات الإنسانية والسلطة والرئاسة وأمثالها.
وتعدّ هذه أوّل هدية لبعثة الأنبياء إلى الناس وأنزل هدف للنبي ’، أي التذكّر والإيمان بالغيب.
2- أسلوب الدعوة عند النبي (صلى الله عليه وآله)
صعوبة بداية دعوة النبي صلى الله عليه وآله
طرح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) دعوته في مجتمع كانت العوامل فيه تناهض هذهِ الدعوة، فجهل الناس وحميّتهم، وشرف الأشراف المسيطرة على الناس تقف تجاه هذه الدعوة. فأي نجاح يمكن أن تطمح به دعوة كهذه في المجتمع.
قام النبي الأكرم ’ بطرح مثل هذه الدعوة: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}( )، في البداية عمد الأعمام المتكبرون وأصحاب الرؤوس المليئة بالعصبية والغرور والعنجهية وغير المذعنة للحق والساخرة بكل كلام متين في الدنيا، عمدوا إلى الاستهزاء والسخرية، مع أنّه’ كان جزءاً منهم وكانت عندهم عصبية تجاه العِرق، فجميع الناس آنذاك كانوا كذلك، فأحياناً يقتتلون عشر سنوات انتصاراً لقريب لهم.
ولكنه عندما حمل هذا القريب هذا المشعل بيده زوى الجميع أعينهم وصرفوا وجوههم ولم يحتفلوا به وأهانوه وحقرّوه وسخروا منه.....
https://telegram.me/buratha