حسن الهاشمي
من المعلوم إن الفساد الإداري والمالي ظاهره قديمة أصابت الجهاز الإداري في العراق منذ نشأة الدولة العراقية في بداية عشرينيات القرن الماضي واستفحلت بعد انقلاب 1968م، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا أضحى العراق بعد التغيير الديمقراطي ممثلاً المركز 129 في الدول الأنظف في سلم الفساد (في تقرير لمنظمة الشفافية العالمية) أو كما جاء (في تقرير مستقل آخر) باعتباره ثالث بلد (بعد الصومال وميانمار) من بين 180 بلداً في الفساد. وعندما يراجع أحدنا أية دائرة حكومية يجد إن الكثير من عقبات الفساد المالي والإداري تنتظره وإذا لم يتعاطى معها فإن معاملته ستطالها الإهمال ويبقى يراجع ويراجع في حر الصيف وبرد الشتاء خلف الأبواب والشبابيك المغلقة، ولا أحد ينقذه من حظه العاثر سوى مقدار ما يدفعه للموظف الفاسد لانجاز معاملته، وإنني أعرف الكثير من أصدقائي عندما تكون له معاملة في دائرة من الدوائر فإن وجهه يسود وهو كئيب، إذ باتت المعاملة في الظرف الراهن مساوقة للتعب وحرق الأعصاب والانتظار الممل، وكأن الموظف الفاسد ينتقم من كل من لا يتعاطى مع استغلاله وجشعه وأكله للسحت والحرام، ويبقى المواطن الفقير أو النزيه هو الذي يدفع الثمن إزاء ما هو مستشري فعلا في معظم دوائرنا، فهو في دوامة ثنائية للحصول على ضالته من دوائر الدولة، إما الشقاء وإما الدفع، وكلاهما مرفوض في عراق ما بعد التغيير، حيث إن احترام كرامة المواطن وعدم ابتزازه تعد من أوليات النظام الديمقراطي.قبل الإجابة عن التساؤلات المتقاطرة في أذهان معظم المتابعين، لابد من معرفة إن ظاهره الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان وعلى الأخص الدول النامية حيث أخذت تنخر في جسم مجتمعاتها وبدأت بالأمن وما تبعه من شلل في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والتي تنطوي على تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية وبالتالي عجز الدولة على مواجهة تحديات البناء والتطوير أو إعادة بناء البنى التحتيه اللازمة لنموها. ولا يتوهم واهم إن استفحال الفساد من لوازم الديمقراطية، بل العكس صحيح إذ إن إنضاج الديمقراطية ستلغي المركزية والفساد الناتج عنها، وبما إننا نمتلك إرثا عقائديا ضخما من الأخلاق والقيم القائمة على أساس الصدق والأمانة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، فإن النظام الديمقراطي ولترسيخ قيمه وأسسه الحضارية التي لا تتعارض مع عاداتنا وقيمنا الأصيلة، عليه أن يعالج تلك الحالات الشاذة قبل استفحال الأمر، والنكوص على كل ما هو جميل في تلك الصفحة الناصعة عبر التركيز على المقومات التالية:1. على المهتمين والباحثين ضرورة إعداد الدراسات والبحوث لتشخيص ومتابعة ومن ثم معالجة ظواهر الفساد المختلفة وأهمها الفساد الإداري الذي يتبعه الفساد المالي حتماً. 2. القضاء على تشريع القوانين الممهدة للسلب والنهب والاحتيال في وضح النهار وبأساليب ملتوية والقضاء على المحاصصة وتمرير قوانين مقابل تمرير أخرى التي باتت تحمل مسوغاً قانونياً، وإلغاء الحصانة الممنوحة سواء كان للمشرع أو للموظف القيادي الكبير للذي ارتكب مخالفات مالية تمهيدا لمحاكمته. 3. التخلص من النخب السياسية المختلفة الأطياف التي أضحت اهتماماتها بالدرجة الأولى توزيع حصص القيادات العليا أو الحقائب الوزارية أو الإدارات العامة، دون النظر إلى الكفاءة والنزاهة والتفاني والإخلاص.4 . إصدار قوانين صارمة لمنع الفساد الإداري والمالي وإنزال أقسى العقوبات بحق من ثبت بالدليل تعاطيه الرشوة وعرقلته العمدية لمعاملات المواطنين لأي جهة ينتمي ولأي حزب يميل.5 . الاختيار الصحيح للأشخاص النزيهين من هيئات الرقابة والمفتشين والنزاهة، وكلما كان المسؤول مهنيا ونزيها كلما كان قوياً ويكون صريحاً مع الشعب بشكل واضح.6 . خلق رأي عام يرفض الفساد دينياً وأخلاقياً لأثاره السلبية في التنمية الاقتصادية الشاملة والعلاقات الاجتماعية الواعدة. 7. تحفيز الموظف الذي يقوم بواجبه خير قيام والحيلولة في عدم ارتكاب المخالفات عن طريق الترغيب والترهيب لأي أحد يحاول استغلال نفوذه الوظيفي لأغراض شخصية. 8. المسؤول في النظام الديمقراطي ينبغي أن يخدم الشعب ويلبي حاجة الناس، وان يدرس معاناة المواطن ويلتقي به ويشخص إستراتيجية واضحة لتفادي الأخطاء والاستزادة من الإيجابيات.
https://telegram.me/buratha