المقالات

الهندسة في العراق.. على مفترق طرق

11291 21:35:00 2010-07-07

بقلم: علي الفحّام

علوم الهندسة كانت ومازالت طريقا خصبا لرقي الأمم وتحضرها وجسورا آمنة نحو الرخاء والاعتماد على النفس، فالهندسة هي العمارة والبناء والرفاهية والحضارة والفن الحقيقي والتكنولوجيا وأم العلوم.. والأمة التي تخلو من المهندسين امة نفد عطاؤها وتوقفت نبضات الحياة فيها ونضبت ينابيع الإبداع منها. ولا تقارن المهن والعلوم الأخرى بالهندسة لان الأخيرة هي القاعدة الأساسية والركيزة التي يجب أن تولى بالاهتمام إذا ما أرادت الأمة مواصلة البقاء على حالها في اقل تقدير. فالطب لا يعدو كونه تشخيصات غيبية وتصورات يشوبها عدم الدقة إذا ما جرد الطب من أجهزته الكشفية الهندسية، والإعلام يصبح عقيم الوصول إلى حواس المتلقي لو لم يتربع على قاعدة من احدث الأجهزة والمستلزمات الهندسية المتطورة، والزراعة يستحيل أن تتغلب على معضلاتها لولا الهندسة وابتكاراتها، ومن المحال أن تستمر الحياة على هذه الوتيرة من الرفاهية والتقدم من غير الهندسة وأهلها.. وقديما كان الحكام يولون المهندس الرعاية والاهتمام ويوفرون له إمكانيات الإبداع، حتى الحكومات الدكتاتورية أولت العلوم الهندسية مساحة شاسعة من الاهتمام وشرعت القوانين التي تمنح المهندس المكانة المرموقة والحقوق المستحقة لإدراكها التام أن الهندسة هي وحدها من يخطو بها وبأوطانها نحو المستقبل والبقاء.. وليس في النية عقد مقارنة بين الوضع الحالي وأوضاع المهندس في زمن النظام الصدامي ولكن من باب الاسترسال في سرد الوقائع وقراءة جميع الأوراق، فأن نظام صدام شرع بعض القوانين التي تعطي المهندس جزءً بسيطا من حقه بين ما هو حافز أو مخصص مهني وبنسب تجاوزت 200% عكس الحكومات الحالية التي لا تريد أن تسلك نفس المسار وإن كان لحساب مصلحة البلد، وربما خوفا من أن يقال أنها تقلد النظام السابق أو أنها تسير على خطاه بغض النظر عن كون بعض تصرفاته وقراراته فيها جانب من الصواب والإنصاف... لذا لم يصبح المهندس وحده ضحية هذه السياسة، إنما البلد أيضا ناله غبن كبير بحرمانه من الطاقات الهندسية لأبنائه، لان المسألة لم تقف عند حد المرتبات أو المخصصات المالية، بل وصلت إلى تغييب الكفاءات الهندسية الشجاعة عن ساحة العمل الحقيقي وإبقائها في دائرة الظل، وتعمد البعض من كبار المسؤولين إتباع سياسة التمييز بين الكوادر الهندسية في وزارات الدولة، ووزارتا الكهرباء والنفط أفضل برهان على سياسة الكيل بمكيالين، فهاتان الوزارتان المتخمتان بالكوادر الهندسية تعتمدان نظام رواتب وحوافز مخالف لما هو موجود في الوزارات والدوائر الأخرى، والسبب يكمن في أن وزارتي النفط والكهرباء توفران الرواتب الضخمة والطاقة الكهربائية لمنازل ومكاتب كبار المسؤولين، أما الوزارات الأخرى فالمهندسون فيها غير ذوي أهمية... وبالالتفات قليلا إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نتذكر أسماء الشركات والمؤسسات الصناعية في العراق ومنها: القادسية، ديالى، الهلال، القيثارة، عشتار ونصر الرائدة في ما خف وما ثقل لمختلف الصناعات، كانت تعمل بامتياز من كبريات الشركات العالمية وطرحت منتجاتها عالية الجودة بالأسواق العراقية وسبقت دول المنطقة جميعا وحققت الاكتفاء النسبي ومنافسة البضائع الأجنبية ذات المنشأ الأصيل. اليوم ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين وفي أسوء تقدير يفترض بنا الحفاظ على هذا المستوى.. تلك المنشآت والشركات الصناعية العراقية نهبت معداتها ومكائنها من قبل عصابات منظمة مرتبطة بكبار المسؤولين الحاليين، نقل البعض منها إلى دول الجوار وبيع هناك، والقسم الآخر هربه المسؤولون الأكراد إلى محافظات الشمال العراقي. والعملية بمجملها لا تعدو كونها أجندة إقليمية تهدف إلى تدمير الصناعة العراقية المشهود لها بالسمعة والجودة على مستوى المنطقة وبعثرة الطاقات الهندسية التي تدير الصناعة الوطنية كي لا تقوم لها قائمة مرة أخرى. واستكمل مخطط نسف الصناعة ومحو التكنولوجيا بتوزير شخصيات اتصفت بالجبن والاسترزاق وسوء الإدارة لهرم الصناعة العراقية ذات الماضي المشرف، مما أتاح الفرصة لان تغزو أسواقنا البضائع الصينية الكارتونية وتحول مسؤولونا كبيرهم وصغيرهم ما بين تاجر وسمسار لبضائع دول الجوار التي كانت تحتضنهم. والقضية ليست تحامل على المسؤولين أو أحزابهم السياسية، لا... بل القضية مترابطة وكما أن هناك من ينفذها بدقة وتخطيط فهناك من ينفذها بغباء وجهل أو طمعا بالمال، فوزارة التعليم العالي والبحث العلمي هي الأخرى تشترك بالمؤامرة الكبرى ضد الصناعة عموما والهندسة بشكل خاص، فهي منحت الموافقات للعديد من الجامعات الأهلية بافتتاح كليات وأقسام هندسية من دون أن تتوفر فيها إمكانيات الدراسة الهندسية: الشهادات العلمية التدريسية والمناهج التخصصية أو الورش والمختبرات الهندسية، ولكن جرى افتتاحها بسبب رضوخ الوزارة لطلبات كبار الشخصيات المتنفذة في الأحزاب السياسية المشتركة بالحكومة، والمصيبة أن هذه الكليات تخرج المئات من المهندسين وتزجهم للعمل في مؤسسات الدولة بشهادات تجارية إن صح التعبير... والأمثلة هنا واضحة ولا تحتمل التحديد لأننا بصدد طرح المشكلة بعيدا عن التسقيط أو الإساءة للآخرين. ومما لا يفوت التنبيه إليه أن النقابات طالها حمى الصراع السياسي لتحزيبها وطلائها بألوان التبعية والانقياد والتنكر للقضايا النقابية، وتعبئتها بالمشاكل السياسية وجعلها مقرات للكسب الحزبي واقتناص الأصوات الانتخابية، ولكننا نترقب من نقابة المهندسين الانتفاض والتحرك بمهنية وبمنهجية لتصحيح الانحراف في مسارات الحركة الهندسية، وننتظر الكثير من النقابة في الدفاع عن حقوق المهندسين وان تقود نهضة تقنية حقيقية ترتقي بأوضاع علوم الهندسة وشؤون أهلها، كونها الممثل الوحيد لحقوق الشريحة الهندسية بالبلد، فمن حق النقابة مشاركة الوزارات المعنية برسم خطط التنمية وإعادة تأهيل الصناعة الوطنية من جديد لمحو صفة الاستهلاك الدخيلة من سلوكيات المجتمع، وندعوها للتدخل الجاد والمستقل في إنصاف الكفاءات الهندسية المبعدة عن خانة المسؤوليات وإطلاق يد خيار المهندسين لإحداث التغيير الايجابي. وعليها واجب رعاية البراعم الهندسية الشابة من أجيال المهندسين الجدد لصقل خبراتهم وتطوير أفكارهم لأنهم أمل الوطن ومستقبل الصناعة الوطنية، وبلا شك فان ذلك يتحقق من خلال التنسيق المشترك مع الجامعات العراقية لتطوير المناهج الهندسية وتأهيل الورش الصناعية والمختبرات العلمية وتنظيم إيفادات دورية بالتعاون مع الكليات والدوائر الحكومية إلى الدول الأوربية الصناعية لاكتساب الفائدة العلمية واغتنام الفرصة للتمتع بجمال الطبيعية التي تزيد من القابليات الذهنية والبراعة العقلية التي يحتاجها المهندس..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
علي الونداوي
2011-12-04
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تعقيبا على تعليق الاخ زيد العراقي هل من المعقول يكون مخصصات الخطورة للمهندس بهذا المستوى المتدني يامسؤولين في نقابة المهندسين والمسؤولين المعنيين يجب دراسة رواتب المهندسين بجدية وازالة هذا الفارق بينهم وبين الاطباء عندما ينقبلون في الكلية لايوجد فرق بين معدلاتهم في السادس العلمي سوى بوينتات ودراستهم لايقل صعوبة عن دراسة الطبية وكذلك عملهم والمسؤوليات اللتي بذمتهم فيرجى من المسؤولين دراسة الامر بجدية وزيادة رواتب المهندسين
نور
2011-01-24
المفروض ميساون بين الطبيب ولا المهندس ولا العلوم كلمن ع درجته يعني الطبيب اعله شىء وراها المهندس وهكذا هاي الحق يقال
العاني
2010-08-13
السلام عليكم شكرا لكاتب الموضوع بس اريد اعرف ليش بالعراق المهندسيين مغبونين بالرواتب والامتيازات.اضافة الى التفاوت بالرواتب بين وزارة واخرى حيث ان المهندس بالنفط او الكهرباء رواتبهم ضعف رواتب المهندسين بباقي الوزاراتليش قابل المهندس اللي بالنفط او الكهرباء درس غير هندسة؟ لو شنو ارجو العداله ياوزارتي الماليه والتخطيط.والله الموفق
ابراهيم
2010-07-08
واللة العظيم ان دوائر الدولة اغلبها بطالة مقنعة ويوجد الكثير من المهندسين واللة عار على الهندسة وكذلك الفنيين والحرفيين عالة على الدائرة بس ياخذون رواتب ومكافئات وحوافز وايفادات وهم لا يقدمون للعمل اشياء تخدم العمل ولكن المسؤلين راضين عليهم ومدلليهم دلال وما تكدر تحجي وياة لو تنقل لو تتهمش وما يذكرك ألا بالشدة ومتى ما انتهت المشكلة عزلوك من جديد اما في وقت المشكلة انت البطل وكل الامور بيدك تحت تصرفك ونحن نقول اللة كريم يأتي يوم وينزاحون ويجون شرفاء شكرا
ابراهيم
2010-07-08
السلام عليك اخي هذة حملة لقتل تقدم الكوادر العراقية لان العراقيين اثبتوا للعالم وعلى مر السنين انهم متفوقين ولكن للاسف الفاشلين والحاقدين يقومون بهذة الاعمال وأنا أحمل وزارتي التربية والتعليم العالي التي استشرى بها الفساد حد النخاع وخيانة الامانة وتمكين الطلبة من الغش في الامتحان والدروس الخصوصية التي تعطي الاسئلة للطالب وألا باللة عليك هل يمكن ان الطالب مهندس ثم يتخرج ولا يفهم مبدأ حفظ الطاقة او لايعرف المصطلحات العلمية الهندسية وروح للمستنصرية شوف مستوى التدريسسن شلون يطلع الطالب
علي
2010-07-08
المشكل الحقيقي هو النظام الاداري اللذي يمضن الفساد ويشجعهة .وكذلك النقابة هي مجرد اسم لا قيمة لة ثم ان العدد المهندسين الحقيقيين ليس كبيرا .فمن 100000 مسجل في النقابة لا تجد الا قلة لهم خبرة كافية ان يكون مهندس . وليغضب من يريد فهذة حقيقة كفلها وضمنها النظام الاداري والسياسي .وعلية يجب ان ينتظم المهندسون في تشكيل لاحياء النقابة واحترام العلم
محمد العراقي
2010-07-08
شكرا للاخ الفحام على هذا المقال الرائع واود ان اشير الى سلم الرواتب فلو نظرت اليه سوف تعرف مدى الحيل التي استخدمت لغبن حق المهندس ويبدو ان الذي وضع الجدول هم اداريون ومحاسبون وزراعيون (مع احترامي الشديد لهم) حيث ان المالية والتخطيط هي التي وضعت الجدول وابحثوا في ملاكاتهم سترون انهم فصلوه(عالدكمة قاط) لانفسهم وكان الدولة يسيرها هاتين الوزارتين وشكرا
army
2010-07-08
في زمن صدام كان العنوان الوظيفي للمهندس ( م. مهندس او مهندس او مهندس اقدم...) يعطى فقط وفقط لخريجي كليات الهندسة حصراً . لكن في الوقت الحاضر بدأ الالتفاف على كثير من القوانين حتى بات خريج كلية التربية لقسم التعليم التكنولوجي (المدرسيين الصناعيين سابقاُ ) يمنح في بعض دوائر الدولة عنوان مهندس عل الرغم من المخالفة الصريحة للقوانين.وغيرها كثير.
كنز
2010-07-08
شكر لكاتب المقال ان كل الاسباب التي كتبتها في مقالك هي صحيحه وواقعيه والسبب الرئيسي هو الواقع السياسي الذي سيطر علئ العراق من ايام الطاغيه ولحد الان حروب دمار ارهاب فساد حراميه مجرمين تهجير تجويع قتل فقر امراض مقابر جماعيه سجون سريه قتل علئ الهويه طائفيه تبذير المال العام فشل في ادارة الدولة فشل في التخطيط تزوير البنيه التحتيه تكاد لا توجد الخدمات في خبر كان لكن الشعب العراقي المجاهد لن ولن يركع وسوف يواصل مسيرته من اجل الازدهار والتقدم
اياد صالح
2010-07-08
صراحة تم غبن المهندس بشكل كبير فعلى سبيل المثال خريج المعهد الطبي يتقاضى راتب قد يصل الى ضعف ما يستلمه المهندس وفي نفس الوقت شتان مابين ساعات العمل اذ يعمل الممرض يوم وثلاث مجاز بينما المهندس خمسة ايام اسبوعيا اين هي العدالة؟؟؟؟؟؟؟
زيد العراقي
2010-07-08
الاخ كابت المقال المحترم..اشكرك ولكن اعتب عليكم جميعا كاعلاميين فرغم ان كلامكم صحيح ولكن اين كنتم فمن يبني العراق ,فهل من المنطقي ان راتب المهندس في النفط او الكهرباء يكون ضعف راتب المهندس في دوائر اخرى؟؟؟؟وهل من المنطقي ان يكون خريج كلية الهندسة يمنح مخصصات شهادة كشهادة خريج كلية زراعة او ادارة واقتصاد (مع كل الاحترام لتكل الشهادات) ولكن معروف فارق الجد واهمية الدور,وهل ان مخصصات خطورة الاطباء منطقيا ان تكون 200% في حين مخصصات مهندس الكهرباء (على سبيل المثال 20%) وهل هناك اخطر من عمل المهندس ؟؟
zito
2010-07-08
احمد اني اراك سلبي لغاية
احمد
2010-07-08
آني وين؟بوكالة براثا لو بمجلة العلوم والتكنولوجيا؟
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك