علي حسن الشيخ حبيب
يروى أن الأرض كانت، قبل خلق آدم (ع)، يسكنها الجن ، وغيرهم من الحيوانات والسباع ، وأنه كان لله فيها حجج وولاة من الجن ، وان الجن طغوا وتمردوا وعصوا أمر ربهم ، فأمر الله سبحانه وتعالى الملائكة
أن ينظروا إلى أهل تلك الأرض، وإلى ما أحدثوا فيها ، إيذاناً باستبدالهم بخلق جديد، حيث قال سبحانه وتعالى لهم: {إني جاعلٌ في الارض خليفة} ، قالوا: سبحانك ربنا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما أفسدت الجن؟ فاجعل الخليفة منا نحن الملائكة، {نسبِّحُ بحمدك ونقدِّسُ لك}، ونطيعك ما تأمرنا. فقال عزّ من قائل: {إنّي أعلمُ مالاتعلمون}...
وبعث اللهُ الملك جبرائيل (ع) ليأتيه بتراب من أديم الأرض، ثم جعله طينا، وصيرهُ بقُدرته كالحمإ المسنون، ونفخ فيه من روحه، فاذا هو بشر سوي، في أحسن تقويم سمى اللهُ سبحانه وتعالى مخلوقه الجديد آدم، لان خلقه من أديم الأرض، ثم إنه عزوجل ، خلق حواء بنفس الطريقة ....
أسكن الله سبحانه آدم وحواء الجنة، بعد تزويجهما: {وإذ قلنا ياآدم أسكن أنت وزوجك الجنة} وأرغد فيها عيشهما، وحذّرهما إبليس وعداوته وكيده، ونهاهما عن أن يأكلا من شجرة كانت في الجنة ،{وكلا منها رغداً حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}....
أعطى الله سبحانه وتعالى إبليس ماطلبه وأحبه من نعيم الدنيا، والسلطة على بني آدم الذين يطيعونه، حتى يوم القيامة، وجعل مجراه في دمائهم، ومقره في صدورهم، إلا الصالحين منهم، فلم يجعل له عليهم سلطانا: {قال: إذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنم جزاؤكم جزاءً موفورا... إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا}...
وما ان اكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، حتى نادى مناد من لدن العرش الإلهي، أن: ياآدم، اخرج من الجنة، فأهبط آدم إلى الأرض، على جبل سرنديب في الهند، وانزلت حواء في الجزيرة العربية ثم أن الله سبحانه وتعالى، أمر آدم أن يتوجه من الهند إلى مكة المكرّمة، حتى التقى بحواء من جديد في عرفة....
وهناك دعا آدم ربه مستغفراً: اللهم بحق محمد وآله والأطهار، أقلني عثرتي، واغفر لي زلتي، وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها ....
و من ثم انجبت له حواء 40 ولدا و 40 بنتا في اربعين حملا لأنها كانت تحمل في كل مرة بولد وانثى وكان حراما على الولد من البطن الواحدة ان يتزوج من اخته التي من نفس البطن و لكن يحل له الزواج ببنت من حمل غير حمله....
ثم كان ما كان من امر قابيل و هابيل و عندما قتل قابيل أخاه هابيل حزن آدم، فأوحى الله إليه أن لا تحزن إني سوف اعطيك خير منه ، وسوف اجعل في ذريته النبوة والرسالة ،يا ادم سأجعل علامته ان يولد وحده في بطن واحدة بدون اخت معه كباقي اخوته، ففرح ادم ونسى حزنه وسمى ابنه شيث بالسريانية و معناها بالعربية هبة الله الحسنة..
ثم كبر شيث النبي و اعطاه الله النبوة مع ابيه أدم وانزل الله على شيث 50 صحيفه و توالت الأيام و كبر آدم و عجز فأوصى لشيث الوصية و اعطاه آثاره من التابوت والصحف المشرفة ، فمات آدم علية السلام فخلفه شيث في قومه يدعو لله بينهم و يقضى بالحق وماتت حواء بعده بسنة....
ويذكر ان ابناء ادم عليه السلام قد ماتوا و انقرض ذكرهم إلا اربع منهم فقط : قابيل و اخته من نفس البطن التي تزوجها عصيانا لله ،وبقى ايضا شيث الذي تزوج بحورية انزلت من الجنة وانجب ذرية طيبة منها...
واصبح لشيث اولاد كثيرون منهم وصيه ابنه انوش، ، ثم مات شيث (ع) و عمره 912 سنة ويذكر انه دفن في الموصل بالعراق...
ومن ثم تزوج انوش و انجب ابناء و كان ابرز ابناءة قينان فاختاره ليكون وصيه .... فمات انوش و اوصى قينان ثم مهلائيل ثم فلـــجـراد، فـإدريس عليه السلام ، وقيل انه ادرك من حياة ادم و شيث وعاشرهم لمدة 308 سنه قبل وفاتهما ..
فجعله الله نبيا و انزل عليه 30 صحيفة فيها شرائع لقومه اضافة الى صحف ادم و شيث و جعلها جميعا في يده يعمل بها و يأمر بها قومه و كان قومه هم بنو قابيل و هم الذين بعثه الله اليهم ليدعوهم فلم يستجب له منهم أحدا ،لكن استجاب له بنو شيث فقط و كانوا قليلون و بنو قابيل اكثر منهم و كان إدريس يمتاز بالشدة والصلابة والبأس في أمره و نهيه...
توالت الآيام واستمر نبي الله إدريس عليه السلام في دعوتهم الى الله فلم يستجيبوا له حتى قرر القضاء على ذرية قابيل جميعا، ولم يبقى إلا ذرية شيث لتطهر الأنساب ، فكل البشر إلى يومنا هذا لا يرجع نسبهم جميعا إلا لواحد فقط من اولاد أدم ومن صلب شيث عليه السلام فقط...
و كان مقر إدريس عليه السلام و بيته في بابل وله مقام و مسجد يسمى مقام إدريس عليه السلام و هو جزء من مسجد السهلة في الكوفة بالعراق ،وهو اول من تعلم الكتابة و الخط بالقلم ، و أول من خاط الثياب و لبسه و كان قومه قبل ذلك يلبسون الجلود ...
وقد ورد في كتاب أبي عيسى المغربي قال:
(ان امة ادريس هي الامة السريانية، وهي أقدم الأمم، وكلام آدم وبنيه بالسرياني وملتهم هي ملة الصابئين ويذكرون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس ولهم كتاب يعزونه إِلى شيث ويسمونه صحف شيث، يذكر فيه محاسن الأخلاق مثل الصدق والشجاعة وما شابه ذلك ويأمر به ويذكر الرذائل ويأمر باجتنابها ولهم عبادات منها سبع صلوات منهن خمس توافق صلوات المسلمين والسادسة صلاة الضحى والسابعة صلاة يكون وقتها في تمام الساعة السادسة من الليل وصلاتهم كصلاة المسلمين من النية وأن لا يخلطها المصلي بشيء من غيرها ،ولهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود ويصومون ثلاثين يوماً ،ولهم أعياد عند نزول الكواكب الخمسة : زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد .
ويعظمون بيت الحرام في مكة ولهم بظاهر حران مكان يحجونه ويعظمون أهرام مصر ويزعمون أن أحدها قبر شيث بن آدم والآخر قبر إِدريس وهو حنوخ والآخر قبر صابي بن إِدريس الذي ينتسبون إِليه ويعظمون يوم دخول الشمس برج الحمل فيتهادون فيه ويلبسون أفخر ملابسهم وهو عندهم من أعظم الأعياد لدخول الشمس برج شرفها) انتهى.
قال ابن حزم: انتحل الصابئة أقدم الأديان إِلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله تعالى إِليهم إبراهيم الخليل عليه السلام بالدين الذي نحن عليه الآن.
وفي تاريخ ابي الفداء:-
كما اختلف العلماء ايضا في وفاة إدريس فقيل رفع للسماء و مات هناك ، وقيل رفع للسماء و لم يمت فهو حي مثل عيسى( ع) في السماء ، و قيل رفع للسماء ثم أهبطه الله للأرض و دفن بها، و قيل إنما كانت رفعته معنوية فقط فقد مات ودفن بالإرض .
هذا وقد اوصى ادريس( ع) قبل وفاته لإبنه متوشالخ ، ومن آثار متوشالخ ما جاء في كتاب المواعظ و الإعتبار في ذكر الخطب و الآثار:-
(ويقال: كانت مصر جرداء لا نبات بها فأقطعها متوشلح بن أخنوخ بن يَازْد بن مهلاييل بن فتيان بن أنوش بن شيث بن آدم لطائفة من أولاده فلما نزلوها وجدوا نيلها قد سدّ ما بين الجبلين فنضب الماء عن أرض زروعها فأخرجت الأرض بركاتها) انتهى .
ثم مات متوشالخ في مصر وقبل وفاته اوصى متوشالخ ابنه، لامك ، الذي كان يمتاز بالصلاح وانجب الكثير من الابناء ومن ابرزهم الذي اوصى له بعد موته ابنه نوح عليه السلام وعندما حصل الطوفان ، أوحى الله سبحانه إلى نوحٍ أن يحمل معه في السفينة جثمان أبيه آدم (ع) إلى النجف الأشرف، حيث دفنه هناك في المكان المعروف بمرقد آدم (ع)...
المصادر:-
1-كتاب آثار البلاد و اخبار العباد.
2- تاريخ ابي الفداء.
3-تفسير الرحمن السيد عبد الاعلى السبزواري
4-تفسير الميزان للسيد الطبطبائي
5-التفسير الكبير للفخر الرازي - 29 / 130
6-تفسير العياشي.
7-جامع البيان في تأويل القرآن - 27 / 87 ، 88
https://telegram.me/buratha