علي حسن الشيخ حبيب
لم يتعرض القرآن الكريم لكيفية تكاثر ذرية آدام (ع) بشكل تفصيلي ، وهل أن أولاد آدم تزوجوا من بعضهم البعض؟؟؟، أم أنهم تزوجوا من حوريات؟؟؟، أو من جن؟؟؟، وماهي كيفية تكاثرهم؟؟؟ مما اثارة الكثير من الاحتمالات
التي برزت لتبرير تناسلهم والتي منها :-
الاحتمال الاول: أن يكون التناسل والتكاثر نتيجة نكاح الولد لأمه!!!...
الاحتمال الثاني: أن يكون التناسل والتكاثر نتيجة نكاح الأخ من أخته!!!...
الاحتمال الثالث: أن يكون التناسل والتكاثر من خلال تزويج كل ذكر وأنثى بحوري او حوراء انزلت من الجنة ...
الا انه الاحتمال الاول باطل بالضرورة، لأنه من الأمور المستقبحة بالفطرة عند الحيوان، فضلاً عن الإنسان.
وعليه يدور الأمر بين الاحتمالين الثاني والثالث، وقد وقع الخلاف بين أعلامنا في تحديد أيهما ، فالسيد عبد الاعلى السبزواري(قده)، بنى على أن التكاثر والتناسل كانت طريقته ما جاء في الاحتمال الثالث، وقد دعاه إلى ذلك بطلان الاحتمال الثاني بنظره، ويستطرد رحمة الله ان الأمور القبيحة أصول ثابتة لا يتدخل فيها الزمان ولا المكان، فيحدثا فيها تغيراً، فالسرقة مثلاً، أو شرب الخمر، وما شابه أمران من الأمور القبيحة التي لا يتصور أن يأتي زمان أو يوجد مكان يحكم بحسنهما، وكذا نكاح الأخت فهو من الأمور القبيحة التي لا يتصور أن يأتي زمان أو يوجد مكان يحكم فيه بجواز نكاح الأخت. وببطلان هذا الاحتمال الثاني، يتعين عندها الاحتمال الثالث وفقاً للقسمة المنطقية ، ثم أشار إلى أن التجسد الروحاني لا ينحصر في خصوص الإناث، بحيث يكون المتجسد هن الإناث للذكور، بل يشمل تجسد الذكور أيضاً للإناث ..
وقد ساق سماحته رحمة الله ما جاء في النصوص الشريفة:-
عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: إن آدم ولد له أربعة ذكور، فأهبط الله إليهم أربعاً من الحور العين، فزوج كل واحد منهم فتوالدوا، ثم إن الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعاً من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم(ع)، وما كان من جمال فمن قبل حور العين، وما كان من قبح وسوء خلق من الجن...
ومنها: ((ما رواه زرارة عن أبي عبد الله(ع): كيف بدأ النسل من ذرية آدم؟ قال: عندنا أناس يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم(ع) أن يزوج بناته من بنيه، وأن هذا الخلق كلهم أصله من الأخوة والأخوات، قال أبو عبد الله(ع): سبحان الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً، من يقول هذا؟ إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال!!وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب، والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته أخرج غرموله، ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خرّ ميتا))
اما ماذهب اليه السيد العلامة الطباطبائي (قده) هو الاحتمال الثاني، ومن خلال قوله تعالى:- (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) لأن المستفاد من الآيات الشريفة أن النسل الموجود من الإنسان إنما ينـتهي إلى آدم وزوجته، من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى، ولم يذكر القرآن للبث إلا إياهما، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال: وبث منهما ومن غيرهما، أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللفظ، ومن المعلوم أن انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواج بينهما .
وأما الإشكال بأن زواج الإخوان بعضهم ببعض محرم في الإسلام، وكذا في الشرائع السابقة ، فإنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد، وليس حكماً تكوينياً لا يقبل التغير، وزمامه بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فمن الجائز أن يبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ، ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة....
اما ما ذهب الية ابن كثيرفي تفسيرة الكبير حول هذه المسألة:-
إن الله تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال وقال ان آدم علية السلام كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر( تفسير ابن كثير سورة المائدة)
اما ما ذهب اليه البعض الى تزويج ابناء او بنات آدم من الجن؟؟
فأن المعروف ان عالم الجن يختلف بطبعه وخصائصه عن عالم الإنس ، ومن ثم كان لكل منهما عالمه الخاص به وقوانينه التي تحكمه ،وأن التجانس بينهما أمر مستبعد ، لكنه ليس بمستحيل عقلا أو واقعا، والظاهر أن التناكح بين الجن والإنس بالرغم مما بينهما من الاختلاف ، أمر ممكن عقلا ، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ، فمنهم من رأى إمكانية ذلك ، ومنهم من رأى المنع ، والراجح إمكانية حدوث ذلك في نطاق محدود ، بل هو نادر الحدوث...
اما ما ذهب اليه ابن تيمية : ( وقد يتناكح الإنس والجن ، وهذا كثير معروف ، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عنه ، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن ) ( مجموع الفتاوى - 19 / 39 )
اما ماذهب الية الطبري في تفسيره معقبا على قوله تعالى : ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ) ( سورة الرحمن - الآية 56 ) وعني بالطمث هنا أنه لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان ( جامع البيان في تأويل القرآن - 27 / 87 )
وذكر الطبري روايات على ذلك فقال في تفسير قوله تعالى : ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ) حيث يقول : لم يدمهن إنس ولا جان ، تدل على إمكان وقوع النكاح بين الجن والإنس وفيها : فإن قال قائل : وهل يجامع النساء الجن ؟ فيقال : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) ( جامع البيان في تأويل القرآن - 27 / 87 ، 88 )
اما الفخر الرازي فقد ذكر في تفسيره :( ان الجن لهم أولاد وذريات ، وإنما الخلاف في أنهم : هل يواقعون الإنس أم لا ؟ والمشهور أنهم يواقعون ، وإلا لما كان في الجنة أحساب ولا أنساب ، فكان مواقعة الإنس إياهن كمواقعة الجن من حيث الإشارة إلى نفيها ) ( التفسير الكبير - 29 / 130 ) ..
وينقل العياشي في تفسيرة عن الامام الصادق عليه السلام (( قال ان آدم ولد له أربعة ذكور فاهبط الله إليه أربعة من الحور فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن)) .
وفي الاحتجاج عن السجاد عليه السلام يقول ان رجلا من قريش سالة فاجاب عليه السلام لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت، إلا في الأرض وذلك بعدما تاب الله عليه قال وكان يعظم البيت وما حوله فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه فإذا جاء الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان اعظاما منه للحرم، ثم يرجع الى فناء البيت قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا وعشرون انثى يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها اقليما، قال وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزاء ،وكانت لوزاء أجمل بنات آدم قال فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه، وقال اريد أن انكحك يا هابيل لوزاء وأنكحك يا قابيل اقليما قال قابيل ما أرضى بهذا أتنكحني اخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل اختي الجميلة؟؟؟
قال فأنا أقرع بينكما فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزاء أو خرج سهمك يا هابيل على اقليما، زوجت كل واحدة منكما التي خرج سهمه عليها قال فرضيا بذلك فاقرعا قال فخرج سهم قابيل على اقليما اخت هابيل وخرج سهم هابيل على لوزاء اخت قابيل قال فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله قال ثم حرم الله تعالى نكاح الاخوات بعد ذلك..
ثم قال: ان آدم ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل فلما قتل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن اتيان النساء فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام ثم تجلى ما به من الجزع فغشي حواء فوهب الله له شيثا وحده وليس معه ثان واسم شيث هبة الله وهو أول وصي أوصى إليه من الآدميين في الأرض.
ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الاخوات ،فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث فزوجها منه ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة، فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله تعالى آدم حين أدركا أن يزوج ابنة يافث من ابن شيث ففعل وولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من أمرتزويج الاخوة بالاخوات..
المصادر :-
1-تفسير الرحمن السيد عبد الاعلى السبزواري .
2-تفسير الميزان للسيد الطبطبائي .
3-( التفسير الكبير للفخر الرازي - 29 / 130 ) .
4- تفسير العياشي
5- جامع البيان في تأويل القرآن - 27 / 87 ، 88
https://telegram.me/buratha