حامد الحامدي كاتب واعلامي عراقي
إن الغموض الذي اكتنف طريقة اغتيال السيد مهدي الحكيم وما فيها من ملابسات تجد المتتبع للموضوع يقف مذهولا لمدى قبح الجريمة التي لا نستغربها من أناس مجرمين فضلوا رضا المخلوق على رضا الخالق( سبحانه وتعالى ) وباؤوا بسخط من الله . جريمة اقل ما نقول عنها أنها اغتيال للفكر والعلم والدين . اغتيال لشخصية كان لها دور في العالم الإسلامي لما تحمله من أفق واسع ولما يمثله من عقلية جبارة سخرت طاقاتها وإمكاناتها للمصلحة الإسلامية بكل جوانبها . لقد استطاع السيد مهدي الحكيم بفكره الوضاء أن يجعل جميع الأصابع تشير اليه وخاصة الحركات الدينية التي كانت في ذلك الوقت . إن الذي دعاني لكتابة هذا الموضوع هو ما ظهر مؤخرا ومن على شاشة التلفزة الانكليزية في حوارها مع المدعو ( حامد السعدون ) السفير السابق للعراق في السودان والمداخلة المهمة التي حدثت أثناء اتصال احد المواطنين واتهامه للسفير السابق بأنه مجرم وقاتل وقد ساهم في عملية اغتيال السيد مهدي الحكيم في السودان وما كان من رد ذلك المدعو على هذا الاتهام بالقول بأنه ليس لديه أي علاقة بالموضوع وانه تولى السفارة بعد عملية الاغتيال ، وأضاف هذا الشخص بأن القتلة لازالوا موجودين ألان في وزارة الخارجية العراقية ..! وأما بالنسبة للشخص المسؤول شخصيا عن الموضوع فهو الان سفير للعراق في إحدى الدول منذ أربع سنوات وقد تسلم هذا المنصب وهو خارج العراق كما انه من أقرباء النائب السابق المجرم ( عدنان الدليمي ) وهو يمارس عمله إلى يومنا هذا ..؟ أي مصيبة هذه . بالله عليكم هل هذا معقول القتلة والعملاء والصداميون لازالوا يمارسون عملهم بحرية ويتسنمون المناصب المهمة وليس لهم من رادع والمصيبة انهم يمثلون العراق دبلوماسيا في الخارج . فأين هيئة المساءلة والعدالة وأين هيئة النزاهة وأين واين وأين ..؟ أم إن عمل هذه الهيئات مقتصر على البعض دون الأخر أم إن هناك صفقات لا يجب لأحد أن يعلم بها . اترك هذا الموضوع بين يديك عزيزي القارئ لتكون أنت القاضي والحكم ولا أقول شيئا سوى رحم الله شهيدنا الغالي والهم الطالبين بدمه الصبر والسلوان . كما اضن ان الكرة لازالت بملعبنا فلنتخلص من كل المجرمين والمفسدين أينما كانوا وفي أي منصب ومكان .. وأخيرا عزيزي القارئ إليك بعض الأسرار عن طريقة اغتيال السيد مهدي الحكيم ..
حضت عملية اغتيال السيد محمد مهدي الحكيم بأهمية، كونه يمثل رقماً مهماً في حسابات الدوائر الدولية والإقليمية ، وعنصراً خطراًً في نظر الحكومة العراقية، وسند للمعارضة العراقية عامة، لذا اخذ اغتياله حيزا كبيراً من الاهتمام، بدأت العملية باستلام السيد الحكيم يوم الجمعة 7/1/1988 من السيد سعيد محمد رئيس تحرير جريدة العالم دعوة لحضور المؤتمر الإسلامي في الخرطوم المنعقد برعاية الجبهة الإسلامية القومية في السودان واستلم هذا الشخص جواز السيد الحكيم لاستحصال تأشيرة الدخول للسودان، بعدها اكتشف السيد مهدي بأنه لم يحصل على تأشير الدخول لفقدان الجواز من القنصلية السودانية في لندن وعلى اثر ذلك أرسل السيد الحكيم السيد عبد الوهاب الحكيم الذي كان يرافقه إلى سعيد محمد للاستفسار عن الجواز وهنالك تعرف على شخص يدعى التيجاني، باعتباره مضيف لهما في السودان وفي يوم الأربعاء 13/1/1988 وهو اليوم المقرر للسفر راجعا القنصلية وحصلاً على الجوازين لكنهما لم يحملا تأشيرة الدخول، الأمر الذي استنكره السيد مهدي الحكيم، وهذا ما دفع القنصلية إلى انجاز ذلك ليسافرا إلى السودان، ألا أنهم غادروا يوم الجمعة 15/1/1988 بتأشيرات الدخول الرسمية، ومع ذلك لم يستطيع السيد الحكيم حضور جلسات المؤتمر لأسباب غير معروفة مما سبب امتعاضه من هذه التصرفات، وفي اليوم نفسه استقبل السيد الحكيم في مقر إقامته في فندق الهيلتون، الكابتن النور زروف ومعه محمد يوسف معتذرين عن ما حصل من ملابسات، وقد حذراه من عناصر حزب البعث السوداني بقولهم "هؤلاء مجرمون قتلة وقد يتعرضون لكم" كما استقبل خلال اليوم الثاني السيد احمد الإمام الذي نقل له رغبة السيد حسن الترابي بلقائه، فلبى السيد الحكيم الدعوة في اليوم التالي، حيث زاره وعقد اجتماع موسع بينهما تم خلاله مناقشة بعضاً القضايا التي تهم العالمين العربي والإسلامي، ومنها دور الحركة الإسلامية في العراق وكيفية إقامة حكومة إسلامية، وعرض السيد الحكيم مبادرة مصالحة بين الترابي والصادق المهدي فرحب بها، واتصل بالصادق المهدي فرحب بها كذلك، واستمر الاجتماع حتى الساعة الثامنة وعشر دقائق، ليعود السيد الحكيم ومرافقه إلى الفندق الذي وصلوه بعد ربع ساعة، وبعد عبورهما بوابة الفندق لاحظا في نهاية البهو شخصين يبدو أنهم عراقيين- يظهر إنهما من جهاز المخابرات التابع للسفارة العراقية في الخرطوم- عندما طلبا من موظف الاستعلامات مفاتيح غرفهما، وما هي إلا لحظات حتى وجهه أولئك أطلاقات نارية لتصيب السيد مهدي الحكيم وقتل على إثرهما، وأصيب مرافقه في ساقه، ألا انه حاول الاقتراب من السيد مهدي بطريقة التدحرج مشاهدا الجناة متوجهين صوب باب الفندق، ورغم ذلك لم يتم إسعافه لمدة ساعتين، فيما شوهد اثنان من الجناة يغادران الفندق بسيارتين الأولى حمراء مرسيدس والأخرى مرسيدس بيضاء مسجلات برقم دبلوماسي وبعد مرور ساعات على الحدث حضر وزير الداخلية السوداني إلى مكان الحادث، وأكد أن السيد مهدي الحكيم ضيف السودان وسوف تأخذ العدالة مجراها. في مساء اليوم نفسه كان كبار المسؤولين السودانيين في مطار الخرطوم لاستقبال وزراء الزراعة العرب وهم (الوزراء الخليجيون ووزير الزراعة العراقي) قادمين على متن طائرة عراقية وبينما كانت الطائرة تتجه إلى نقطة التوقف انتبه بعضهم إلى احد موظفي السفارة العراقية الذي يعمل بصفة الملحق الإعلامي فيها ويدعى (مثنى الحارثي ) جاء مسرعاً وأندفع نحو السفير العراقي في الخرطوم (طارق يحيى) وألقى التحية وهو في حالة من التوتر ودار همسا بينهما لبضع ثواني ثم اتجه مثنى الحارثي إلى الطائرة التي أنزلت الوزراء.وفي طريق الوفد الزائر إلى منطقة أم درمان في العاصمة السودانية الخرطوم، فوجئ الجميع ببعض الحواجز الأمنية وارتباك ملحوظ في أوساط الشرطة التي تطوق مداخل ومخارج فندق الهيلتون، فقد وصلت الأنباء عن عملية اغتيال تمت في بهو الفندق مفادها إفراغ مجهول طلقات مسدس كاتم الصوت في صدر (مهدي الحكيم) وارداه قتيلا وتمكن الجناة من الإفلات.وبعد إجراء التحقيقات الأمنية كشفت ملابسات الحادث، أشارت أصابع الاتهام إلى الموظف في السفارة العراقية (مثنى الحارثي) الذي اعتلى متن الطائرة العراقية بعد دقائق من جريمة الاغتيال حيث استدارت به الطائرة بعد نزول الركاب ليتمكن من الإفلات وقد لعب عنصر الوقت الذي حاكت به المخابرات العراقية العملية دورا هاما في إتمام عملية الاغتيال وإفلات المتهم الرئيسي ليختفي مثنى الحارثي من ساحة الخرطوم.
ولتتوج خاتمة أعمال السيد مهدي الحكيم بأرفع وسام وهي الشهادة وليكون شاهدا حيا امام العالم عن المعاناة التي مرت على الشعب العراقي.لقد كان السيد الشهيد علما بارزا ورمزا عاليا من رموز العراق والحركة الأسلامية وكان من روادها الأوائل في العراق ولاشك ان الحركة الأسلامية مدينة للشهيد مهدي الحكيم لما كان له من دور كبير في تثبيت معالمها ورسم إستراتيجيتها في بداية الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. فقد نذر السيد الشهيد جل حياته بالغربة متنقلا بين بلد إلى أخر مدافعا عن وطنه حاملا معه جراحات وهموم أهله وشعبه وبذل كل ما في وسعه في فضح النظام الآجرامي في العراق الى ان كلفه ذلك حياته.وأينما حل السيد الشهيد كان له أثرا يحتفي به الآخرين من بعده فانجازاته كثيرة, وكان رساليا معطاءا جماهيريا , عشقته الجماهير واحبته ,وكان بليغا متكلما وخطيبا صاحب حجة وبيان, لايعرف الكد و الملل في تحركه.عمل السيد الشهيد كل ما في وسعه لدفع عجلة المعارضة العراقية منذ الثمانينات وكان ذات أفق واسع ومن الداعين الى وحدة المعارضة بكافة أطيافها, وكان يقول ان في الساحة ايجابيات كثيرة وهناك سلبيات وهذه الأيجابيات كافية وحدها لأن تجعل منا مجموعة واحدة مهما اختلفت إيديولوجياتنا أو أطروحاتنا السياسية وعليه فليكن همنا دائما وابداً الاستفادة من ايجابيات الساحة. فسلام عليك أيها الشهيد الخالد وسلام عليك أيها الثائر المهاجر والغريب المحتسب وسلام الى شهداء العراق الذين قدموا أنفسهم من اجل الحرية والإخلاص لهذا الشعب الصابر
https://telegram.me/buratha