الدكتور منذر الفضل
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
1-3قصور نص المادة 132 من الدستوربين عامي 2001-2002 وضمن اطار جهود المعارضة العراقية ضد النظام الدكتاتوري , جرت حوارات ومن ثم توصيات في لجنة بناء الديمقراطية التي سميت ب :( Report on : The transition to democracy in Iraq ) لمرحلة ما بعد سقوط النظام مباشرة وكان من بين هذه التوصيات والاقتراحات التي طرحناها حينذاك ما يلي : سحب جميع قطع السلاح من يد المواطنين لقاء مغريات مادية , وإصدار قوانين تعوض ضحايا النظام الذين تعرضوا للحروب والجرائم من النظام السابق ولاسيما الكورد والشيعة بأعتبارهم من اكثر المتضررين من سياسات النظام الاجرامية , وكذلك ضبط الحدود الدولية لكي لا يعطى اي مجال لتسلل الافراد وتجار السلاح ومنع التدخل الاقليمي وتخريب النظام الجديد . ومن الطبيعي إن هذا الامور تقع في البداية على كاهل سلطة التحالف CPA التي تشكلت من الادارة الامريكية .غير إن مثل هذا لم يحصل , ولم تصغ سلطة التحالف ولا الحاكم المدني بريمر لمثل هذه التوصيات المهمة التي كان من الممكن أن تجنب العراقيين الكثير من المشكلات التي عرقلت بناء السلم الاهلي والاستقرار والأمن , وفسحت المجال للنهب والسلب والسرقات والفساد و للارهاب أن ينشط في العراق بسبب إهمال هذه التوصيات ولأسباب كثيرة قادت الى الفوضى والارتباك .ومن بين هذه التوصيات المهمة ايضا محاكمة المسؤولين العراقيين عن الجرائم الدولية والحروب العبثية , وكجزاء لقيام المسؤولية القانونية وجوب تعويض الكورد جراء حروب وجرائم النظام البائد ضدهم , وكذلك العراقيين من أبناء الوسط والجنوب الذين تضرروا كثيرا من سياسات النظام العدوانية , ولاسيما عقب الانتفاضة الباسلة التي وقعت في اذار عام 1991 وما اعقبها من قتل وتعذيب وقبور جماعية لمئات الآلاف من الابرياء ومن الذين ساهموا في الانتفاضة ضد نظام البعث - صدام وحروبه وجرائمه وممارساته القمعية التي فاقت حدود التصور .ولذلك اقترحت في مسودة مشروعي للدستور الذي قدمته الى لجنة الخبراء العراقيين في عام 2002 والذي أقر فيما بعد في مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في ديسمبر عام 2002 مايلي :
(( المادة الثامنة والأربعون: يؤسس صندوق لتعويض جميع العراقيين المتضررين من النظام السابق لتعويض كل من تضرر في ماله أو جسده أو كيانه الاعتباري سواء ممن كان عراقيا و أسقطت عنه الجنسية العراقية أو العراقي الذي اكتسب جنسية أخرى أو من المهجرين والمهاجرين أو ورثة الضحايا أو غيرهم وفقا لقانون خاص.)).
والغاية من هذا النص هو تعويض جميع العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد من خلال تخصيص نسبة من عائدات النفط توضع في صندوق خاص يسمى صندوق التعويضات للعراقيين , لأن هذا التعويض سيؤدي الى تخفيف الاحتقان ومنع الثأر والانتقام داخل المجتمع ووقف الاعمال العشوائية في الاقتصاص من اتباع النظام السابق ممن ارتكب الجرائم او ساهم وشارك فيها , وترسيخ السلم الاهلي وانعاش الوضع الاقتصادي للمواطنين الذين تضرروا من العمليات الحربية ومن الحروب السابقة ومن جرائم النظام , اذ لا يجوز ان يبقى الضحايا بلا تعويض عن الاذى الذي تعرضوا له بينما المتهمون يسرحون ويمرحون داخل العراق وخارجه بلا جزاء قانوني .
يضاف الى ذلك ان صرف هذه التعويضات من الصندوق المذكور سيسهم في تنظيف البيئة من اثار الحروب سواء من ملايين الالغام المزروعة ام من اليورانيوم المنضب الذي يسبب في موت المئات من العراقيين بمرض السرطان , وكذلك سيسهم في تأمين الحقوق الاساسية للمتضررين من ضحايا النظام واثار حروبه من ناحية توفير حق السكن والحق في الخدمات الصحية والحق في التعليم والخدمات الاساسية الاخرى التي يعاني منها كثيرا أبناء الوسط والجنوب , وكذلك كوردستان . فضلا عن ان من المهام الجوهرية لأي نظام سياسي جديد في العراق ان يسعى لتنفيذ البرامج التي تخدم الانسان وحقوقه بعد عقود من الحكم الدموي الاسود لحزب البعث وصدام , وهما من أسوأ الفترات السياسية التي مرت على تاريخ العراق منذ إنشاء الدولة العراقية عام 1921.
وفي عام 2005 طرحت رؤيتي القانونية ومقترحي مرة ثانية في اللجنة الدستورية أثناء كتابة الدستور العراقي , ولكن هذا المقترح لم يلق حماسا من أغلب الاعضاء , بحجة ان هذا المقترح سوف يحمل خزينة الدولة مبالغ كبيرة , وكأن تعويض الضحايا ليس من الواجبات الاساسية والدستورية للدولة , وليس انتصارا للعدالة ! وكأن المليارات التي نهبت بعد سقوط النظام بسبب الفساد المالي والاداري والاخلاقي ليست هي السبب الاول في هدر خزينة الدولة ! .. وهذه احدى المشكلات التي واجهناها في اللجنة الدستورية بسبب وجود اعضاء يجهلون أبسط قواعد علم القانون والثقافة القانونية , وجاءت بهم المحاصصات الطائفية والحزبية الكارثية . ومن الغريب إن هؤلاء الاعضاء الذين وقفوا ضد فكرة تعويض المتضررين أو إلتزموا الصمت حيالها كانوا هم من المنتمين الى تلك الشريحة المتضررة من الوسط والجنوب ! ولهذا فقد استعيض عن مقترحنا المذكور والمنصف لحقوق الضحايا بنص (المادة 132) التي استقرت في الدستور العراقي الحالي , وهي ( كما سنوضح ) مادة ناقصة لا تعالج جميع حقوق الضحايا التي انتهكت جراء حروب وجرائم النظام السابق .ونظرا لأهمية الموضوع سنذكر النص الحالي في الدستور وملاحظاتنا عليه :
المادة 132 من الدستور العراقي لعام 2005 :
(( اولا : تكفل الدولة رعاية ذوي الشهداء و السجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الدكتاتوري المباد . ثانيا : تكفل الدولة تعويض اسر الشهداء والمصابين نتيجة الاعمال الارهابية . ثالثا : ينظم ما ورد في البندين (اولاً) و(ثانياً) من هذه المادة بقانون .)) .
الملاحظات القانونية على النص المذكور :
اولا- ورد في النص عبارة عامة مرنة ليست وافية بالغرض وهي ( رعاية الدوية لذوي الشهداء والسجناء السياسيين من الممارسات التعسفية للنظام الدكتاتوري المباد ) . والسؤال هنا : هل إن ضحايا النظام المذكور من حروبه وجرائمة تكفي لهم ( الرعاية ) فقط ؟ ثم ما هو المقصود بهذه الرعاية دستوريا وقانونيا وما هي حدودها ؟ .وهل إن ما ارتكبه النظام المقبور هي مجرد ممارسات ( تعسفية ) كما ورد في النص الدستوري المذكور اعلاه ؟ أم هي ( جرائم دولية خطيرة , كجرائم الحرب والجرائم ضد السلم والجرائم ضد الانسانية ) ؟ وهل إن ضحايا النظام هم فقط من الفئة المحصورة في الفقرة اولا , أي ذوي الشهداء و السجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية ؟ .
ثانيا - جاء في النص المذكور بأن الدولة تكفل تعويض أسر الشهداء والمصابين نتيجة (الاعمال الارهابية ) . وهذا النص كما هو واضح يخص ضحايا الاعمال الارهابية بعد نفاذ الدستور , وهي فقرة وإن كانت جيدة , إلا انها لا علاقة لها بحقوق ضحايا النظام البائد من الكورد وأبناء الوسط والجنوب وغيرهم من العراقيين , وهم مئات الآلاف من الذين تعرضوا الى حروب وجرائم ذلك النظام .
ثالثا - ان هذه المادة (132) فيها نقص وقصور دستوري واضح , فهي لم تعالج مشكلات جوهرية سواء في كوردستان أو في الوسط والجنوب . ويتمثل هذا النقص في اغفال الاضرار البليغة الناجمة عن حروب وجرائم النظام السابق واعماله العدوانية داخل العراق وضد العراقيين كافة والمتمثلة في : الأنفالات , والقبور الجماعية التي مازالت تكتشف الى هذا اليوم , والتلوث البيئي , وملايين الالغام المزروعة , وبقايا اليورانيوم المنضب من جراء جرائم وحروب نظام صدام , وتجفيف الاهوار , وتدمير البساتين وملايين الاشجار المثمرة والنخيل , فضلا عن الاضرار الناجمة عن استعمال الاسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا , وقصف العتبات المقدسة .
وسؤالنا هنا هو : ألا يستحق ضحايا هذه الجرائم البشعة والحروب الكارثية تخصيص نسبة من ميزانية الدولة ( المهدورة ) لجبر الاضرار وتعويض المتضررين تعويضا منصفا يطفئ نار الثأر والانتقام ويحقق العدالة ويفتح الابواب أمام السلم والاستقرار في العراق الاتحادي ؟
لكل ذلك نقترح تعديل المادة 132 من الدستور باضافة فقرتين جديدتين احداهما تخص تعويض اقليم كوردستان , والاخرى تتعلق بتعوض ضحايا حروب النظام البائد وجرائمة ضد أبناء الوسط والجنوب , وكما سنفصله في القسمين التاليين من البحث :
2-3التعويض عن أضرار كوردستان تعرضت كوردستان الى سلسلة من الجرائم الخطيرة من النظام البائد , ودارت عليها معارك ضارية لقمع الثورة الكوردية التي انطلقت بقيادة البارزاني الخالد منذ عام 1961 وتكللت بالنصر بفعل تضحيات البيشمركة الابطال . وقد لاحظت إن كثيرا من الدول والشخصيات المعنوية والطبيعية التي تضررت بسبب غزو نظام صدام لدولة الكويت حصلت , كليا او جزئيا , على تعويضات عن هذه الاضرار طبقا لقرارات مجلس الامن الدولي ( قرار مجلس الامن الدولي رقم (692) صدر في 20 مايو 1991 و قرار رقم (705) صدر في 15 أغسطس 1991 وقرار رقم (778) صدر في 2 أكتوبر 1992 و آلية صرف مبالغ التعويضات وارتباطها بقرار مجلس الأمن رقم 986) .فعلى سبيل المثال فان دولة الكويت وعشرات الالاف من الشركات والافراد ( من الفلسطينيين والاردنيين وغيرهم ) الذين إدعوا بحصول الضرر لهم بسبب العدوان على دولة الكويت قد حصلوا على تعويضات سخية , وما تزال دولة الكويت تستلم التعويضات حتى اليوم .وفيما يخص المتضررين من الحرب العراقية - الايرانية فانها تحتاج الى سلسلة من الاجراءات القانونية تقوم بها جهات دولية محايدة وبتكليف من الأمم المتحدة لتحديد الطرف الذي بدأ العدوان والحرب اولا وتسبب في ادامتها لثمان سنوات , ومن ثم يصدر قرار من مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن بعد ان تقدم اللجنة القانونية والفنية المحايدة التي تشكل لهذا الغرض تقريرها الى الجهة المختصة في المجلس المذكور , لأن قرار ايقاف الحرب رقم 598 لسنة 1988 لم يتضمن هذا الموضوع (من بدأ الحرب والتعويضات ) , وانما يتعلق هذا القرار بترسيم الحدود ووقف الحرب ومسائل فنية اخرى لا علاقة لها بموضوع التعويضات للطرف المعتدى عليه وللمتضررين من هذه الحرب من الشخصيات المعنوية والطبيعية .وهنا لابد ان نؤكد بكل وضوح بان الحرب العراقية -الايرانية تركت أثارا كارثية ومأساوية بليغة على الطرفين معا , ولا يجوز مطلقا للمسؤولين الايرانيين إطلاق التصريحات العدائية والاستفزازية للمطالبة بالتعويضات عن الحرب المذكورة من طرف واحد , لأن هذا الموقف يخالف قواعد القانون الدولي ويضر بالعلاقات بين البلدين الجارين ويثير الفتن ويحرض على نبش الاحقاد وهو يؤذي الجميع , كما انه ليس من حق أي مسؤول عراقي ان يصرح بحق إيران في التعويضات لأنه موقف باطل ينتهك الدستور والقانون ولأن الفيصل في هذا الموضوع المعقد والمتشابك هو مجلس الأمن الدولي. أما إقليم كوردستان , فبالرغم من إنه لا يحتاج الى قرار من مجلس الامن الدولي للحصول على التعويضات عن الاضرار التي لحقت به , إذ يكفي فقط النص في الدستور العراقي ( ضمن التعديلات الدستورية الجديدة ) على حق الاقليم في التعويضات أو صدور قانون من مجلس النواب العراقي بهذا الخصوص لكونه اقليما ضمن الدولة العراقية الاتحادية , فلم يحصل حتى الآن على هذه الحقوق المشروعة عن جرائم النظام البائد التي ارتكبت ضد شعبه , وتمثلت في أنفلة مئات الالاف من السكان المدنيين الكورد وبضمنهم 8 آلاف من البارزانيين , والآلاف من الكورد الفيليين , وفي تديمر 4500 قرية , واستعمال السلاح المحرم دوليا في مناطق متعددة من كوردستان ومنها في حلبجة , فضلا عن زراعة ملايين الالغام التي تسببت في اضرار جسدية واقتصادية بالغة , وهذه الالغام مازال العدد الاكبر منها موجودا حتى الآن وتتطلب جهودا وخبرات وأموالا طائلة لغرض ازالتها من أرض كوردستان .كما إن نظام البعث البائد استعمل سياسة الارض المحروقة في كوردستان , وقام بالاغتيالات والاخفاء القسري ضد كثيرين من الكورد الساكنين داخل وخارج اقليم كوردستان , كما حصل في بغداد ومناطق اخرى من العراق وخاصة ضد الكورد الفيليين , مما يستوجب تعويض المتضررين عن الاضرار في الارواح والممتلكات .من الناحية القانونية , تكون هناك مسؤولية قانونية اذا توفرت اركانها , الخطأ والضرر والعلاقة السببية , وبالتالي يستوجب التعويض للمتضرر كجزاء على قيام المسؤولية , وان الاضرار الكبيرة والخطيرة التي حصلت لكوردستان , شعبا وأرضا , لا تسقط بمرور الزمان لأنها جرائم إبادة (( The crimes of genocide )) وجرائم حرب وكذلك جرائم ضد الانسانية , وجميعها تسمى قانونا ب( الجرائم الدولية ) ضد شعب كوردستان . وقد اعترف بذلك صراحة كل من المحكمة الجنائية العراقية العليا ومجلس النواب ومجلس الرئاسة . ولذلك كله , ولضمان كامل التعويضات عن الاضرار التي وقعت على الاشخاص , وعلى الممتلكات المنقولة وغير المنقولة , وعلى الثروة الحيوانية , وعلى البيئة التي تشمل الارض والنبات والمياه وما لحق بها من تلوث ودمار , وجب تحقيق العدالة وتعويض المتضررين من هذه الجرائم .أما بالنسبة لأحكام المادة 132 من الدستور العراقي الحالي فهي لم تنص على التعويضات عن جرائم النظام السابق وآثار الحروب في كوردستان وباقي مناطق العراق وأغفلتها , وانما نصت فقط على كفالة الدولة لرعاية ذوي الشهداء والسجناء السياسيين والمتضررين من( الممارسات التعسفية ) للنظام الدكتاتوري البائد, وعن الاعمال الارهابية التي حصلت وتحصل بعد سقوط النظام كما اشرنا سابقا .إن عبارة الممارسات التعسفية في المادة الدستورية أعلاه غير دقيقة من الناحية القانونية وقد تؤدي الى ضياع حقوق المتضررين , لأن معنى (التعسف) يختلف عن مفهوم ( الجريمة ) في علم القانون . والممارسات التعسفية الواردة في النص تعني ان نظام البعث وحكم صدام كان له الحق في ممارسة القمع وارتكاب اي فعل ضار ضد المواطنين لكنه تجاوز الحدود المسموح بها ..!!؟ والحال ان هذا النظام الفاشي الدموي لم يتصرف كذلك وارتكب جرائم عمدية خطيرة جدا واشعل الحروب الداخلية والخارجية فاقت حدود التصور وتجاوزت كل المقاييس والاعراف واعتبرت من ابشع الجرائم ولهذا جرى تصنيفها ضمن الجرائم الدولية .وبالرجوع الى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وقانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005 والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بتنظيم أحكام الجرائم الدولية وعدم تقادم هذه الجرائم ومنها اتفاقية منع جريمة ابادة الاجناس والمعاقبة عليها لسنة 1948 واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية النافذة في 11-11 من عام 1970 وقواعد القانون الجنائي الدولي , يمكن تحديد مفهوم الجريمة العادية والجريمة السياسية وتمييزها عن الجريمة الدولية .والسؤال المطروح هنا هو : أين النص الدستوري الذي يعطي الحق للمتضررين بالتعويضات عن جرائم النظام السابق وآثار حروبه على العراقيين ؟ .وبالنظر لصدور بعض أحكام المحكمة الجنائية العراقية العليا في بعض القضايا المرفوعة أمامها بهذا الشأن ولوجود عشرات الآلاف من المتضررين الآخرين الذين لم تعرض قضاياهم أمام المحكمة , ولإقرار مجلس النواب العراقي ومجلس الرئاسة بحصول جرائم الابادة ضد الكورد وكوردستان , وبسبب الاضرار الجسيمة التي لحقت كوردستان , شعبا وأرضا , ولغرض اصلاح الاضرار , فأنه وجب تعويض المتضررين ماديا ومعنويا لتحقيق العدالة ورفع الحيف والظلم عنهم .كما نعتقد بجواز الجمع بين حق المتضرر في التعويض عن الضرر من جرائم النظام السابق وحقه في التعويض عن الضرر طبقا لقانون ( تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الارهابية ) النافذ , أو أي قانون آخر. وعلى سبيل المثال ان المتضرر من جرائم النظام السابق قد يتعرض الى عمل إرهابي فيكون من حقه الجمع بين الاثنين لأن لكل منها اساس قانوني يختلف عن آخر .
3-3تعويض المتضررين في الوسط والجنوبمن المعلوم للجميع , إن مناطق الوسط والجنوب من العراق والتي تضم في غالبيتها العظمى العرب الشيعة , تعرضت طيلة اربعة عقود من حكم نظام صدام المباد الى الاهمال والتهميش والى سياسة التمييز الطائفي . وقد برزت هذه السياسة الظالمة بكل وضوح منذ صعود الطاغية صدام الى الموقع الاول في الحكم عام 1979 ومن ثم خلال الحرب العراقية - الايرانية وما تبعها من العدوان على دولة الكويت وعقب قمع الانتفاضة ورفع شعارات ( لا شيعة بعد اليوم ) ولغاية سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان 2003 .وتتمثل جرائم النظام المقبور وحروبه الكارثية في مناطق الوسط والجنوب في المقابر الجماعية التي اكتشفت وصارت تظهر للعيان يوما بعد يوم سواء التي ضمت رفاة المعارضين لهذه الحروب , أو ممن شاركوا في الانتفاضة الباسلة عقب وقف اطلاق النار في عاصفة الصحراء عام 1991 , أو من ضحايا سياسة الاخفاء القسري والتعذيب والاعدامات العشوائية . وتكفي الاشارة هنا الى قيام فرق الموت التابعة للمقبور قصي باعدام 2000 من أبناء الوسط والجنوب في سجن أبو غريب في يوم واحد ممن شاركوا في هذه الانتفاضة , وذلك ضمن الحملة المعروفة بتنظيف السجون دون مبرر قانوني ولا وازع اخلاقي او انساني . وقام نظام البعث بضرب العتبات المقدسة بالصواريخ وقمع الثوار وقصف الاهداف المدنية والسكان كما حصل في كربلا والنجف ومناطق أخرى .كما عانت مناطق الوسط والجنوب من مخلفات الحروب الخطرة المشبعة باليورانيوم المنضب الذي أدى الى اضرار كبيرة على البيئة وعلى الانسان . ومن جرائم نظام صدام في هذه المناطق هي تجفيف الاهوار وتدمير البيئة وحرق البساتين وإتلاف ملايين النخيل والاشجار وبخاصة في محافظة البصرة , اضافة الى وجود ملايين الالغام من بقايا هذه الحروب في مناطق حدودية من محافظتي البصرة والعمارة والناصرية والسماوة وغيرها . وهذه كلها هي اضرار تعرضت لها مناطق الوسط والجنوب من العراق بسبب الحروب وجرائم النظام البائد . وهؤلاء المتضررين وإن قام البعض القليل منهم لحد الآن برفع الدعاوى أمام القضاء فأن حجم الاضرار وكثرة عدد المصابين بالضرر وتنوع الاضرار هي فوق طاقات وامكانيات القضاء العراقي . فلا يزال هناك مئات الالاف من المتضررين لم يحركوا الدعاوى للمطالبة بحقوقهم لاسباب كثيرة , كما إن هناك قضايا اخرى مهمة لم تنظر من القضاء العراقي وخاصة ما يتعلق منها بتطهير البيئة من الالغام واليورانيوم المنضب وتجفيف الاهوار وغيرها , فضلا عن إن القضاء العراقي استقر في أحكامه على مبدأ الحكم بتعويضات زهيدة لمن أصابه الضرر لا تتناسب مع حجم وعمق هذه الاضرار. إن هذه الاضرار باقية حتى الآن دون خطوات جدية لإصلاحها , اذ ما يزال مئات الآلاف من الضحايا وذويهم , بلا تعويض أو حصلوا على تعويض زهيد , رغم مرور سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري , ويجب أن تتحمل خزينة الدولة العراقية نفقات التعويضات عن جرائم النظام السابق وعن الحروب وآثارها في هذه المناطق .وفيما يخص حقوق الكورد الفيليين المقيمين في الوسط والجنوب قبل تهجيرهم , فيجب النص صراحة على حقوقهم في التعويض عن الاضرار التي لحقت بهم , وهم يستحقون التعويض عن الضرر كل حسب محل إقامته السابقة قبل تهجيره , لأن هناك من المتضررين ممن لم يكن من مواطني اقليم كوردستان فيكون حقه في التعويض من صندوق التعويضات المخصص لأبناء الوسط والجنوب , كما هو الحال لمن كان ساكنا في بغداد او ديالى او الكوت مثلا . وبلاشك فأن هذه الاعمال التي ارتكبها النظام السابق لا يمكن اعتبارها بأي حال من الاحوال من الممارسات التعسفية وفقا لما جاء في نص المادة 132 من الدستور , بل هي من صنف الجرائم الدولية العمدية الخطيرة التي توجب العقاب على كل شخص ارتكب او ساهم او شارك او مهد او حرض على هذه الجرائم , والحكم بالتعويض العادل للمتضرر .بناء عليه فاننا نعتقد أن قواعد العدالة توجب انصاف الضحايا في الوسط والجنوب ومعالجة الاضرار الناتجة هذه الجرائم والحروب من خلال اضافة فقرة الى المادة 132 من الدستور ( الى جانب الفقرة الخاصة بكوردستان ) تنص على تخصيص نسبة 5 % من العائدات النفطية تصرف طبقا لقانون يصدر عن مجلس النواب يتولى عملية تعويض الاضرار والتفاصيل الاخرى المتعلقة بالموضوع .ونحن هنا وإن ذكرنا الكورد والشيعة من المتضررين تحديدا باعتبارهم من أكثر العراقيين الذين تعرضوا للأذى طيلة أربعة عقود منصرمة , إلا ان هذا الصندوق المقترح يجب ان يشمل بالتعويض ايضا كل عراقي متضرر من ابناء كوردستان و الوسط والجنوب وبضمنهم ( الكورد الفيليون والتركمان والكلدان والاشوريون والسريان والصابئة المندائيون والايزيديون وغيرهم ) على نحو ما سيفصلة القانون الخاص الذي يجب أن يصدر من مجلس النواب وفقا للمادة 132 من الدستور بعد تعديل فقراتها .وفي ضوء كل ما تقدم نقترح أن يكون نص المادة 132 من الدستور على الشكل التالي :النص الدستوري المقترح :المادة (132): اولا: تكفل الدولة رعاية ذوي الشهداء و السجناء السياسيين والمتضررين من جرائم النظام الدكتاتوري المباد . ثانيا: تكفل الدولة تعويض أسر الشهداء والمصابين نتيجة الاعمال الارهابية . ثالثا: أ- تخصص نسبة من عائدات النفط لا تزيد عن 5% منها الى صندوق تعويضات كوردستان , وذلك عن جرائم وآثار حروب النظام البائد , ولمدة 30 عاما . وهذه النسبة لا تدخل ضمن نسبة ال 17% من حصة اقليم كوردستان المقررة حاليا . ب- تخصص نسبة من عائدات النفط لا تزيد عن 5% منها الى صندوق تعويضات المتضررين في الوسط والجنوب , وذلك عن جرائم وآثار حروب النظام البائد ولمدة 30 عاما .رابعا: ينظم ما ورد في البنود (اولاً) و(ثانياً) و( ثالثا ) من هذه المادة بقانون خاص لكل منها. ونتوقف هنا عند عبارة بليغة جاءت في ديباجة الأعلان العالمي لحقوق الانسان تؤكد على أن من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الانسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر الى التمرد على الإستبداد والظلم .
الأربعاء، 26 أيار، 2010
https://telegram.me/buratha