قاسم العجرش
من موبقات الساسة العراقيين تجاهلهم الشعب ورؤيتهم لأنفسهم فقط. ولا يدركون حقيقة انه لا يمكن ممارسة الحكم بأي شكل من الأشكال بدون رضا الشعب. ولعل ذلك ما يشرح العديد من الظواهر السياسية. ويأتي في مقدمة هذه الظواهر حديث ما أصطلح على تسميته بالقوى السياسية عن رغبتها في الحوار، وتأكيدها على ضرورة ممارسته، وإصرارها على القول بانه الطريق الوحيد لمعالجة أزمات البلاد. ومع ذلك فلا وجود لاي حوار على ارض الواقع. فما ان يتم الإعلان عن حوار حتى يتم تأجيله، لان هناك شروطاً لبدئه تستدعي شروطاً مضادة. وهكذا دواليك! ويمكن تفسير ذلك بوجود أجندتين للحوار: الأولى والأكثر أثرا هي أجندة خاصة مضمرة تقوم على التفرد والذاتية. أما الثانية فتمثل الأجندة العامة معلنة. ولان الأجندة العامة ليست صادقة ولا حقيقية، فانها تركز على العموميات والغموض. وذلك يمكن المتحاورين من التهرب من نتائج الحوار اذا لم تكن مطابقة لأجندتهم الخاصة. أما الأجندة الخاصة فهي تلك التي ليست مطروحة على طاولة الحوار! لذلك يصعب على الآخر التعرف عليها. و بما ان لكل الأطراف أجنداتهم الخاصة فان الحوار يصبح حوار الطرشان، ومن المستحيل المبادرة الى تقديم تنازلات. لان كل طرف يخاف ان هو بادر الى تقديم أي تنازلات ان لا يقابله الطرف الآخر بتقديم تنازلات متساوية او مقابلة. إذ ان كل طرف ينتظر ان يبدأ الطرف الآخر بتقديم التنازلات اولا لكي يفكر هو في تقديم أي تنازلات. و لا شك انه قد ترتب على ذلك دخول الحوار بين الكتل السياسية دائرة مفرغة تنتهي من حيث تبدأ.ولكسر الحلقة المفرغة، لابد من إدخال الشعب طرفا في حوار الكتل السياسية. فهو صاحب المصلحة الحقيقية في العملية السياسية. والاعتراف به كأساس في عملية حوار الكتل سيحد من الأجندات الخاصة، وسيوسع من الأجندات العامة. وفي هذه الحالة فان التحاور حول الأجندات العامة يكون صادقا وحقيقيا، مما يمكن من الاتفاق على حد أدنى يشكل قاعدة لإنطلاقة أرحب . ولا شك ان حصول توافق حقيقي على الحد الأدنى يؤدي الى بناء الثقة بين الأطراف المتحاورة. ذلك ان ما يتم الاتفاق عليه من القضايا العامة يكون الشعب شاهدا و عامل ضغط على كل الأطراف للوفاء بما تم الالتزام به من قبل الأطراف. ولان الشعب هو الحكم الضابط لحركة القوى السياسية، فلرأيه دور مهم في تحديد الرؤى المناسبة، خصوصا تلك المتعلقة بهمومه و تطلعاته. وذلك ضروري جدا عندما تتدنى الثقة بين القوى السياسية. فالرجوع الى الشعب و الاستفادة من التغذية الاسترجاعية، يمثل وسيلة لإعادة النظر حول المواقف المختلفة. ويتعين على القوى السياسية التراجع عن المواقف غير المرغوبة من قبل الشعب، اذا ما كانت التغذية الاسترجاعية واضحة حول موقف معين سلبا، و التمسك بتلك التي تدل المؤشرات الموضوعية على رغبة الشعب بها. ومن ناحية أخرى فان اعتبار الشعب طرفا أساسيا في الحوارات بين القوى السياسية ضروري من اجل بناء النظام السياسي و تطوره. والنظام السياسي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب، نظام فاشل وآيل الى السقوط. عندما يفقد الشعب ثقته بالقوى السياسية المنتجة للنظام، فانه سوف لن يتعامل معها، و بالتالي فان هذا النظام لا بد و ان يموت.. والشعب لا يهمه اسم من يحكمه او أسرته او منطقته او حتى حزبه. و لكن الذي يهمه هو ان يسعى من يحكمه الى مساعدته على حل مشاكله و على تنمية الفرص المتاح له. أي ان ما يهمه هو تحسين مستوى معيشته.ولذلك فانه يمكن القول بأن كل أجندات الحوار المطروحة لا تهم الشعب بالتفصيل. و المهم لديه هو من هو قادر على مساعدته على حل مشاكله بتكاليف اقل و على استغلال الفرص المتاحة له بكفاءة أعلى. فاذا كانت الانتخابات ونتائجها لن تغير من ذلك فلا فائدة منها. انها بالحقيقة ستحدد فقط من سيحكمه و ليس كيف سيتم حكمه. و لذلك فانه لن يهتم بأي حوار حولها لا من قريب و لا بعيد. وللأسف الشديد فان الجدل بين القوى السياسية الآن، لاعلاقة للشعب به لانه لن يترتب عليه الاهتمام بمشاكل الشعب و بمصالحه. وحتى الدعوة للتداول السلمي للسلطة بين القوى السياسية لا تهم الشعب لأنها تخص الساسة فقط. فليس الهدف منها تمكين الشعب من حقوقه و انما هدفها تمكين بعض الساسة من الحكم. و ذلك هدف لا يهم الشعب. ان ما يهم الشعب هو ان يعمل التداول السلمي للسلطة على إيجاد تنافس ايجابي بين القوى السياسية على خدمة الشعب و الاهتمام به.و هكذا فإن الدعوة للمشاركة السياسية أوالشراكة السياسية ، لا تعني عند رجل الشارع الا تقاسم لمغانم السلطة بينها. فذلك أمر يهمها اكثر من الشعب. و انما الذي يهم الشعب هو اذا كانت المشاركة الواسعة للقوى السياسية ستعمل على تحقيق الاستقرار والأمن و التعاون في تحقيق الانجازات الكبيرة التي تحتاج الى اكبر قدر من الجهود. ولتحقيق حوار فعال مع الشعب، فلا بد ان تكون معاناة وطموحاته على طاولة الحوار بين القوى السياسية. و لاشك ان التنمية الاقتصادية تمثل أهم معاناته و طموحاته.. فالشعب من حقه و بإمكانه ان تتحسن أحواله من سنة الى اخرى فتكون مثل أحوال بقية شعوب الأرض. ومن حقه ان يحلم بالتحسن و ان يلمسه. ومن حقه ان يتأكد من ان مستقبله سيكون أفضل من حاضره و ان مستقبل أبنائه و أحفاده أفضل مما كان عليه حال أبائه و أجداده او حتى من حاله الحالي. فاذا لم تكن هذه القضايا أساس الحوار بين القوى السياسية، فإن هذا الحوار سيظل يراوح مكانه حول مصالح هذه القوى متجاهلا مصالح الشعب. و في هذه الحالة فان الاتفاق بين هذه القوى السياسية من الممكن ان يحل مشاكلها، و لكنه بكل تأكيد لن يحل مشاكل الشعب. و ستزداد معاناة الشعب وأنينه، مما قد يهدد الاستقرار السياسي و الذي لن تكون القوى السياسية قادرة على المحافظة عليه.
https://telegram.me/buratha