المقالات

تفخيخ المجمعات السكنية .. ارهاب من طراز جديد

777 11:48:00 2010-04-15

عادل الجبوري

وقف ابو محمد مشدوها عاجزا عن الكلام، بعد ان عاد من محل عمله مسرعا حينما سمع ان العمارة التي يسكن فيها هو وعائلته قد انهارت بفعل عمل ارهابي منظم، وزوجته واطفاله الصغار كانوا في الشقة ذات الستين مترا مربعا عند وقوع الانفجار، لم يعرف كيف يتصرف وماذا يفعل، وهو يرى بأم عينية المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق وقد تحول الى ركام من الانقاض، وربما كان محظوظا من سيخرج من تحت ذلك الركام وهو على قيد الحياة.صورة ابو محمد الرجل الستيني، كانت واحدة من بين عشرات الصور المماثلة والمشابهة التي حفلت بها العاصمة العراقية بغداد صباح يوم الثلاثاء الماضي، السادس من شهر نيسان-ابريل الجاري. ففي ظرف ساعتين او اقل انهارت سبعة مجمعات سكنية في مناطق مختلفة من الجانب الغربي(الكرخ) للعاصمة بغداد، لتخلف عشرات القتلى والجرحى، من الذين كانوا يقطنون في تلك المجمعات كساكنين، او من اصحاب المحال التجارية فيها.والمناطق التي شهدت وقوع العمليات الارهابية هي الشعلة والسيدية والدورة وحي العامل والشرطة الرابعة وجكوك والبياع والاعلام والعلاوي. ولعل ابرز ما يمكن تسجيله من ملاحظات ومعطيات، لاجل ان تتوضح ابعاد المشهد التراجيدي المأساوي بشكل اكبر هي:-ان العميات الارهابية الاخيرة كانت على قدر كبير من التنظيم والتخطيط منذ فترة زمنية غير قصيرة، واسلوب استهداف المجمعات السكنية وبهذه الطريقة، ربما بدا غريبا على العراقيين الذين اعتادوا خلال الاعوام السبعة الماضية على اساليب وطرق ووسائل متنوعة من الارهاب والعنف الدموي، لكن تفخيخ العمارات والمباني السكنية لم يكن من بين الاساليب المستخدمة من قبل الجماعات الارهابية على هذا النطاق الواسع والمنظم. -المناطق التي استهدفت جميعها تقع في الجانب الغربي من العاصمة، أي جهة الكرخ التي شهدت معظم مناطقها اوضاعا مأساوية خلال عامي 2005 و 2006 بفعل سطوة ونفوذ الجماعات الارهابية فيها.-جاءت العمليات الارهابية قبل يوم واحد من الذكرى السنوية الثالثة والستين لتأسيس حزب البعث المنحل، ولعل الكثيرين يتذكرون ان مثل هذا اليوم من العام الماضي شهد هو الاخر سلسلة عمليات ارهابية مروعة في العاصمة بغداد.-جاءت العمليات الارهابية الاخيرة في يوم الثلاثاء الماضي والعمليات التي سبقتها بفترة زمنية قصيرة، مترافقة مع تحذيرات اطلقتها شخصيات وجهات سياسية عراقية وغير عراقية من عودة العنف والارهاب، وبدت تحذيراتها كما لو انها تهديدات لفرض واقع سياسي معين وتخيير الاخرين بين القبول به، او رفضه لتفتح الابواب لعودة العنف والارهاب الى الشارع العراقي، وبدرجة اكبر مما كان عليه قبل اربعة اعوام. -مثلما اعلن حزب البعث المنحل مسؤوليته عن عمليات العام الماضي، فقد اعلن عبر بيان تداولته وسائل اعلام الكترونية وورقية مسؤوليته عن عمليات يوم الثلاثاء الماضي ، ووعد بالمزيد منها، واعتبرها ايذانا بعودته الى السلطة مجددا.-واستنادا الى اسلوب التخطيط والتنفيذ فأن بصمات حزب البعث المنحل تبدو هي الاكثر وضوحا في مسرح الجريمة، وليس بصمات تنظيم القاعدة، على العكس من العمليات الارهابية التي استهدفت عددا من السفارات العربية والاجنبية في بغداد يوم الاحد الماضي، اذ ذهبت مجمل المؤشرات الى ان تنظيم القاعدة وبالتعاون مع حزب البعث المنحل هو الذي يقف ورائها. -كشفت عمليات الثلاثاء الماضي، من حيث طابعها النوعي والكمي، ضعف وهشاشة المنظومة الاستخباراتية والامنية العراقية الى حد كبير، وفقدان المؤسسات والاجهزة المعنية بالملف الامني زمام المبادرة، وعدم جدوى اجراءاتها التي غالبا ماتكون عبارة عن ردود افعال غير مدروسة ولا محسوبة بدقة، يعكس تكثيف الوجود العسكري في الشارع بعد وقوع كل عملية ارهابية جانبا كبيرا منها، ناهيك عن التصريحات التي يدلي بها بعض المسؤولين عن الشؤون الامنية، والتي تعكس هي الاخرى عدم وجود خطط وسياقات امنية مدروسة، وعدم الاستفادة من الاحداث والوقائع السابقة.-والمفارقة ان المعنيين بالملف الامني حملوا اصحاب المجمعات ومكاتب العقارات مسؤولية ماحصل من كوارث صباح يوم الثلاثاء، ولاشك ان هؤلاء يتحملون جزءا من المسؤولية، اذ ربما البعض منهم مرتبطين بجماعات ارهابية معينة، وربما البعض منهم يفتقر الى الحس الامني المطلوب، وربما البعض الاخر يهتم بالجانب المادي فقط، بحيث انه اذا تلقى عرضا مغريا لاستئجار او شراء عقار معين من قبل شخص ما فأنه لايتوقف ولايتردد في قبول العرض بصرف النظر عن اية قضية اخرى.بيد ان البعد الاخر الاكثر اهمية في الموضوع يقع على عاتق المؤسسات والاجهزة الامنية بالدرجة الاساس التي يفترض بها ان تضع ضوابطا وقيودا على مجمل التعاملات التجارية، وتخضعها للرقابة والتدقيق المستمر بمختلف السبل والوسائل العلمية والعملية.ولايختلف اثنان في ان عمليات يوم الثلاثاء الماضي وقبلها بيومين عمليات الاحد وقبلها عمليات الخالص وكربلاء، واذا اردنا ان نعود مسافة ابعد الى الوراء، فعمليات الاربعاء الدامي والاحد الدامي والثلاثاء الدامي، اشارت ورسخت حقيقة مهمة، ومفجعة ومؤسفة الى حد كبير، الا وهي ان كل ما قيل عن التحسن الامني، وماذكر من معطيات ودلائل ومؤشرات، يحتاج الى اعادة نظر ومراجعة موضوعية، تنأى عن الاجندات والحسابات السياسية المسبقة.وبما ان هناك تداخلا بين الاستحقاقات السياسية والاستحقاقات الامنية، فأن القول بأرتباط التداعيات الخطيرة في الوضع الامني بأستحقاقات مرحلة مابعد الانتخابات، ينطوي على قدر كبير من الواقعية، وهذا ماينبغي ان تدركه وتفهمه وتتفهمه القوى والتيارات والشخصيات السياسية المعنية بترتيب الامور وصياغة معالم وملامح المرحلة المقبلة.وللاسف الشديد فأن المراقب من بعيد لايلمس تعاطيا سياسيا جديا وجادا ومسؤولا يتناسب مع خطورة التداعي الامني، الذي اخذ يفرز حالة من القلق والخوف ويعمق هواجس الشارع العراقي، بدل ان يفتح افقا -او افاقا-للتفاؤل بالغد.وصحيح جدا ماقاله الرئيس العراقي جلال الطالباني من ان التفجيرات التي شهدتها البلاد تشير الى محاولات اعاقة المسيرة الديمقراطية واشاعة جو من التوتر والكراهية"، وصحيح ماقاله ايضا من ان تلك التفجيرات تستهدف اثارة احترابات داخلية على اسس دينية وطائفية وسياسية واعاقة اندماج العراق بمحيطه العربي والاقليمي".ولكن ماذا بعد، فالرجل الستيني ابو محمد الذي فقد سكنه، واغلب الظن فقد عائلته، ومثله الكثيرين، بحاجة الى من يسارع الى الاخذ بأيديهم وكفكفة دموعهم، وتعويضهم عما فقدوه، ليس بمليون او مليوني دينار، وانما قبل ذلك بأشاعة الامن والاستقرار ووضع حد لنزيف دماء العراقيين الطاهرة، فالاسباب والدوافع والاهداف والنتائج والاثار باتت معروفة للجميع، وربما يعرفها ويدركها المواطن العادي اكثر من شخص يشغل موقع رفيع المستوى ويمسك بملفات حساسة وخطيرة في بلد مثل العراق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك