قاسم العجرش
(لو كان يدري هالولد من أين أبواب البلد ما حاد عنها وأبتعد) ( من قصيدة لسعدي يوسف)
لقد كان قيام الانتخابات ضرورة لخمسة أسباب رئيسية أولها: إنها استحقاق دستوري ، وثانياً: أنها تنفيذ لتطلعات الشعب بالخروج من نفق المحاصصة المظلم، وثالثاً: إنها استعداد لمرحلة قادمة عنوانها البناء، ورابعاً: أن العراق بحاجة الى حكومة وبرلمان منتخب لتدعيم خروج المحتل وفقا للإتفاقية الأمنية الموقعة مع الأمريكان، وخامساً: إنها تؤكد دخول البلاد فى تحول ديمقراطي مستدام وبتفويض من الشعب، وسادسا أن الأمراض التي أصابت جسد الوطن لابد وأن تنتهي، ولذلك كان لابد من الانتخابات..
وفي حمى إعلان نتائج الانتخابات، وما صاحبها من مستجدات وعنف لفظي، خصوصا من تلك القوى التي لم يكن لديها حصاد، فهي لم تزرع ليكون لديها حصاد، فمالت لتصفية حساباتها بالعنف اللفظي على حساب البرامج، فان الأحزاب السياسية تمارس حراكا غير مسبوق عراقيا، وليس هناك حجر عليها، غير أن بعضها أهترأ وبات في مرحلة ضعف شديد جداً، وهناك الآن انقسامات كثيرة فيها وفقدت كثيراً من قياداتها ،وباتت تراهن وتعول على تدخل خارجي، وتعول على أن يكون هناك طارئ في أي فترة من الزمن حتى تجد لها موطيء قدم مؤثر
إن الأمراض السياسية منتشرة وبائيا في القوى السياسية وفي المشهد السياسي، وأحد الأمراض هذه أنها تبنت عصبيات متعددة، أما لجهة أو لقبيلة أو طائفة، بدليل أن أبناء العراق تفرقوا (شذر مذر) وصاروا يتحدثون باسم القبيلة والجهة، وحتى المطالبات صارت قبلية وجهوية، ولم تعلُ الوطنية على الرغم من أن الوطن يسع الجميع..ومع أن قواعد تلك القوى السياسية الشعبية نتفق ميدانيا في الكثير من القضايا، مما يفترض أن يسهل إتفاق القيادات في الكثير من القضايا الوطنية، على أساس أن المرحلة تقتضى أن نكون متفقين على قضايا وطنية مركزية ، مثل الأمن والتنمية ومحاربة الفساد وأستكمال التشريعات الديمقراطية والبنية السياسية وقضايا الصالح العام كلها ، لكن القوى السياسية فكرت بعقلية التابع والمتبوع ، والكبير والصغير، فاختلفنا في التفاصيل الصغيرة وتركت الهم الوطني. أن بعض الأحزاب السياسية لديها مشاكلها الداخلية، وهي ليست متفهمة لمتطلبات العملية السياسية، وأنعكست إنقساماتها التنظيمية وخلافاتها الداخلية على الشارع السياسي بتشرذم واضح أفقدها ميزات مهمة في نتائج الإنتخابات المعلنة.. وكمثال وبوضوح شديد فإن إنقسامات حزب الدعوة بمتواليات هندسية ـ من يفهم الرياضيات يفهم ما أعني ـ كان من بين أهم مدخلات تشرذم الساحة السياسية الشعبية.وكان من مؤدى ذلك أيضا خروج قيادات سياسية مهمة من العملية السياسية وذلك بنزولها منفردة أو تحت عناوين مستقلة أو مستحدثة لم يستوعبها الناخب جيدا ولم تحز على ما يكفي لأن تنل وجودا معتبرا في برلمان الغد. وهناك نقطة أخرى، وهى أن القوى والأحزاب تتحدث عن أنها ليست لديها أموال لتخوض بها الانتخابات، وبذا ظلت غائبة وعندما دخلت في المرحلة الأخيرة وجدت نفسها لا يمكن أن تحقق فوزاً، لأنها لا تملك عناصر الفوز وهى السبق التأريخي وما يتعلق ذلك بالتجربة ونضجها، والتنظيم، ووحدة الرأي، والإمكانات المالية، فجاءت متأخرة للانتخابات، وبالتالي خرجت بخفي حنين.نعم هناك إئتلافات سياسية من أحزاب سياسية متحالفة مع بعضها البعض وفق فكرة وبرنامج، ولديها مواقف مشتركة في كثير من القضايا، ونحن لا نتحرج في أن تكون مواقفنا متشابهة أو متطابقة لبعضنا البعض، لأن خلافات الساسة في النهاية هي خلافات في الحكم وليست في البرنامج، وأغلب قادة الأحزاب السياسية يتحدثون الآن عن المشروع الوطني، ولكنهم يختلفون لأنهم يريدون الحكم فقط، ولذلك الخلاف الأساسي ليس خلاف أفكار أو برامج بقدر ما هو خلاف مواقع يشغلها البعض.أن الأحزاب السياسية ظلت غائبة وجاءت في المرحلة الأخيرة، فوجدت نفسها لا تملك عناصر الفوز، ومن بينها ديمقراطية الداخلية والتنظيم ووحدة الرأي، ولذا عليها تجهيز صفوفها تمهيداً لخوض العملية السياسية في المرحلة القادمة،لقد صرفت الأحزاب السياسية عن أهدافها، وحولت الأنظار عن برامجها الأساسية، التي من أجلها تخوض الانتخابات، فتفرغت فقط لكيل الشتائم وتصفية حسابات قديمة، مما أثر فى ثقة الناخب احيالها.. ولذا لم تحصل الأحزاب السياسية من هذه الانتخابات على ما تشتهي.على الأحزاب السياسية القبول بنتيجة الانتخابات أياً كانت، لأنها ليست نهاية الدنيا، ولا نهاية الانتخابات بل هي بمثابة تثبيت للديمقراطية المستدامة.وعلى الأحزاب أن تقبل بالنتيجة على علاتها، ، إذ إننا وبعد سبعة أعوام من زوال الصنم أنجزنا مستوى مقبول من انتخابات حرة وبإشراف عالمي، ولذا عليها أن تقبل بهذه النتيجة، ، ثم من بعد تنتقل لمرحلة أخرى وتجهز صفوفها، وتعيد بناء ذاتها، وتسير للديمقراطية من الداخل، وتحل مشاكلها وصراعاتها الداخلية، وتوفر امكانات مالية وتنظيمية وشعبية، تمكنها من الدخول للانتخابات، ، ولتكن بداية لديمقراطية مستدامة، ومن ثم مستقبلاً يمكن أن تتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها وتصححها، لتدخل مرحلة انتخابات أخرى، ويمكن أن يكون حظها أوفر في المرحلة القادمة .
https://telegram.me/buratha