عماد علي
الظروف الموضوعية و الذاتية للمراحل و العقود الماضية وفي اخرها حكم الدكتاتورية البغيضة، فرضت ارضية خصبة تمكنت مجموعة من الجهات و الاحزاب فيها من السيطرة على الواقع السياسي دون غيرها بعد سقوط الدكتاتورية، و كان لهذه الجهات الدور البارز في مقارعة النظام الجاثم على صدر العراقيين والذي تحكم بهم بالحديد و النار، و الطبيعة الاجتماعية و العلاقات و الروابط و السمات العامة للمجتمع العراقي زكت من صارع و قارع الظالم في تسلم زمام الامور بعد التغيير بشكل مباشر.و من مساويء القدر ان يؤدي ما وصلنا اليه الى التاثيرالسلبي على وضع و موقف الاحزاب و التيارات العلمانية، و اصبح نقطة بدء في مسيرة تراجعهم بشكل ملحوظ بعد الاهتمام بكل ما هو الممنوع في حينه و هو مرغوب طبعا و ان لم يكن مفيدا حتى، و هذا لا يعني عدم بقاء ترسبات سياسات البعث في توجهاته للتدين و التضليل الذي اتبعها من اجل مصالح الدكتاتورية باسم الدين لبقائه على سدة الحكم مهما بلغ تعجرفه و ظلمه و باية وسيلة كانت ، و استغل سذاجة البعض في محاولاته و نجح لمدة ، و اعتقدت مجموعة ليست بقليلة بصحة تلك الادعاءات الباطلة لحزب لم يبق منه الا دكتاتورا و بلادا مدمرا. محاولات النظام في كبت المواطن من كافة النواحي و خاصة في اتباع فكر و عقيدة و فلسفة معينة ، كما فعل البعث في الناحية الدينية و القومية ساعدت العديد من الجهات و صقلت من قوة هذه الاحزاب و التوجهات و دعمت ركائزهم و فتح لهم الطريق الواسع للايغال في ثنايا المجتمع العراقي بكل مكوناته، و منذ اعتلاء البعث سدة الحكم و نُظر اليه و كما ادعى هو ايضا و جحد على انه ممثل العلمانية بطرح اراءه و افكاره و فلسفته و هو لم يمت بصلة يٌذكر بجوهر هذا المفهوم من بعيد او قريب، كما اثبت ذلك بنفسه على الارض الواقع، و الانقلابات و المفاجئات التي احدثها في تكتيكاته اليومية و تقلباته من الادعاء اليسار و ما فيه الى القومية العروبية و من ثم التعلق بالقشة و محاولاته من اجل الخلاص من السقوط و تحويل الانظار عن جرائمه باتخاذه الدين وسيلة و سمى الدكتاتور نفسه امير المؤمنين تضليلا و بهتانا .بعد السقوط تغيرت الاوضاع بشكل مطلق و التفت الاكثرية حول الاحزاب و الايديولوجيات القومية و الدينية و المذهبية، سوى من اجل الخلاص النهائي من الوضع المتردي و الالتفاف حول الروحانيات كان او كرد فعل اني و مرحلي. و هكذا تسلمت احزاب المعارضة السلطة بعد حدوث الفوضى جراء التغيير غير المنظم و ترك البعث بلادا خربا و توارثت هذه الاحزاب و الحكم الجديد مع التحالف واقعا مزريا من البنية التحتية و الفوقية المدمرة و التي كانت السبب في افراز السلبيات، و ازدادت التدخلات الاقليمية و الارهاب من حدة الفوضى و لاسباب معلومة و لمصالح اقليمية مشبوهة التي وقفت ضد ترسيخ المباديء الاساسية للحكم و السلطة الجديدة و المفاهيم الجديدة، و لكن الشعب العراقي من منطلق ولعه بالحداثة و الديموقراطية كما يؤكده في كل تجربة انتخابية افشلت المخططات و الاجندات الخارجية من مهدها.و بعد مرور سبع سنوات و ما شاهدته الساحة السياسية العراقية و المواقف التي برزت من قبل الجهات المختلفة، من عدم الاشتراك في العملية السياسية بشكل مطلق الى معاداة الديموقراطية و محاولة ضرب كل جديد بكل وسيلة و منها الارهاب ، الى المشاركة المشروطة و من ثم الخضوع للامر الواقع و التوجه نحو استخدام الوسيلة ذاتها و الاعتماد على الديموقراطية كمفهوم و الانتخابات كاهم المباديء و كآلية حديثة لنفس الاهداف و هورفض العملية السياسية و الوضع الجديد في العراق، و هو من الاهداف القديمة الحديثة و محاولة العودة الى المربع الاول من حكم العراق و زمن الانقلابات و سلطة المكون الواحد ان تمكنوا، و لم يكن هذا العمل و التوجه اتية من الفراغ بل نتيجة مخططات و اجندات المخابرات الاقليمية و بوجود الامكانيات الكبرى للدول التي تقف ضد كل ما يمت بالديموقراطية بشيء ، ناهيك عن الصراع المذهبي و العداءات التي تصرف من خلالها ومن اجل سقوط الاخر المبالغ و الجهود الهائلة التي لو صرفت على واقع المنطقة لازدادت من التنمية و التطور و ساعدت شعوبهم بها ليتمكنوا من القضاء على التخلف و الجهل و الامية.اليوم، لم يبق امام البعث الذي لم يجد طريقة و لم يتبعها الا الدخول من النافذة مستغلا الديموقراطية و الوضع غير المستقر و الصراعات الداخلية و ملذات السلطة و انعدام الخدمات العامة للمواطنين و الفساد و سيطرة توجهات معينة دون غيرها على زمام الامور و ضئالة التنوع في الفكر و الفلسفة و الايديولوجيا ، بل الكل متقاربون و يصارعون من اجل السلطة ، و دخل البعث الساحة من خلال استغلال نقاط الضعف و اصبح يدعي انه المنفذ لبعض المفاهيم تضليلا كعادته من اجل الوصول الى المبتغاة، و منها التشبث بالعلمانية كصورة و مظهر مستغلا سيطرة الاتجاهات الاخرى البعيدة في خطاباتها عن هذا المسار لبيان تكبير الثغرات ، و لكن العلمانية منه براء.ليعلم الشعب العراقي ان المرحلة متنقلة، و لم نصل الى حال يمكن ان تكون فيها التوجهات و الافكار و الواقع على طبيعته و انما التجربة الفتية و الاحداث السريعة مع قلة التجربةو الخبرة و الممارسة ستولد ما يمكن ان يستغل هذا الواقع لاهداف تضليلية بحتة و باسماءو اشكال و الوان براقة، و استغلال العلمانية كمظهر ليس الا و هو الباب الاسهل للدخول منها من اجل العودة، و هو بمضمون المفهوم ذاته . لذا يتوجب علينا جميعا باحزاب علمانية و دينية و قومية اي كان موقفنا ان نحذر جميعا من تبجح هؤلاء و محاولاتهم المتكررة لضرب التجربة . السلام و الامان و التنافس العلمي الصريح سيولد ما يدفع المضللين الى مزبلة التاريخ، و لم يبق امام المخلصين الا قراءة كافة الاحتمالات من اجل سد الطريق امام الشواذ و التقدم نحو الامام .
https://telegram.me/buratha