فراس الغضبان الحمداني
استبشرنا خيرا بسقوط النظام ، لان الأمر لا يتعلق بغياب أشخاص وظهور آخرين بدلا عنهم ، وإنما الأمل كان معقودا باستبدال ثقافة دكتاتورية بأخرى ديمقراطية ، وإدارة فاسدة بيروقراطية بأخرى تقودها النخب المثقفة ، ومديات عملها رعاية المبدعين والمفكرين ، وليس المزورين والمنافقين من مستبدلي الأقنعة حسب الظروف .
نقول ذلك استنادا على وقائع مريرة تمخضت عن مسيرة وزارة الثقافة منذ سقوط النظام حتى اليوم ، فأول الإمراض المزمنة التي أصيبت بها هي توزيع المناصب والمواقع من الوزير والوكلاء والمدراء ورؤساء الأقسام وربما حتى عمال الخدمة والحراس ، استنادا إلى المحاصصة المقيتة النقيض للكفاءة والنزاهة .
إما المرض الخطير الثاني هو وقوع المفاصل الإدارية لهذه الوزارة تحت مخالب الفساد ، فتحت ذريعة عودة موظفي وزارة الإعلام المنحلة إلى وظائفهم حدثت كارثة دمرت الوزارة وامتد دمارها ليشمل كل وزارات الدولة العراقية ، لان العناصرعادت بأوراق ومستمسكات مزورة و ملفقة ، وأن المئات منهم إذا لم نقل الآلاف لم يكونوا في الأصل موظفين في هذه الوزارة ، وحتى الذي قام بتزوير درجته الوظيفية وسنوات خدمته ، وأصبح يتولى المسؤولية ويتمتع بالامتيازات ولكن بطرق ملتوية وغير نزيهة .
إن جهل الإدارات العليا في هذه الوزارة وتواطئها سهل هذه العمليات الغير قانونية ، واستطاع عدد من المقامرين إن يحسن أوضاعه الوظيفية بالحصول على كتب رسمية من هذه الوزارة تمنحه سنوات خدمة طويلة بدون أساس قانوني .
كلنا يعلم بان بعض الصحف لم تكن مرتبطة بوزارة الإعلام أصلا وهي غير مشمولة بالضمان الاجتماعي ، أمثال الصحف الأسبوعية ، والعديد من الواجهات الإعلامية .
لكن الوزارة وبغياب دور المفتش العام وبجهل القيادات الإدارية منحت هؤلاء كتب تأييد إلى وزارات مختلفة ، والبعض منهم حصل على سنوات خدمة فيها تثير الشكوك لأنها لا تتطابق مع عمر الموظف وآخرين أقرت لهم الاعتراف بشهادة الدكتوراه وهي غير معترف بها من وزارة التعليم العالي في زمن صدام حسين ، فكيف اعترفت بها وزارة تسمي نفسها وزارة الثقافة .
هذا هو الوجه الأول لفساد هذه الوزارة التي تمنح رواتب لآلاف الموظفين ، ثلاثة أرباعهم موظفين يتقاضون رواتب مزدوجة من دوائر أخرى ، واغلبهم لا ينتظمون بدوام ولا يسألون عن إنتاجية .
إما الوجه الثاني للفساد فهو الشلل التام لمفاصل الثقافة العراقية ، باستثناء بعض المبادرات والفعاليات اليتيمة التي تقف ورائها شخصيات لها ضمير ثقافي ، إما مجمل العملية الثقافية والإبداعية فهي في تراجع خطير ، وبإمكان منظمة بسيطة من مؤسسات المجتمع المدني أو اتحاد محدود الإمكانيات مثل اتحاد الأدباء إن يقوم بنشاطات أكثر تأثيرا وفعالية في الوسط الثقافي وهذا ما يحدث بالفعل من خلال الاصبوحات الشعرية والقصية والفنية .
ياسادة ياكرام إن هذه الوزارة وللأسف الشديد تعتمد على بعض البهلوانات والحاشيات في المكاتب الخاصة ، وهي عاجزة تماما من اختراق الوسط الثقافي وإنقاذه من ثقافة العنف وترسبات الثقافة الشمولية والنزعات الطائفية ، وأصبحت هذه الوزارة اسم يعبر عن عنوانا ورقما بدون دلالة ولا وثقافة ولا وهوية ، وللأسف الشديد باتت وزارة غير سيادية .
إن هذه الوزارة يقودها أشخاص لم نجد في سياساتهم المحاصصية فراغا لتنصيب الجهلة ، وكان هذا الاختصاص طارئ على مجتمع لا قيمة له من ميزان الحضارة شيء يذكر .
فمتى سيدرك البرلمان القادم ومجلس الوزراء الجديد بان التغيير الحقيقي يجب إن يبدأ في مجال الثقافة وتكون معركتها الأولى تطهير وزارة الثقافة من الأميين وغير المثقفين وتحويل مواردها ومواقعها إلى المبدعين .
إننا اليوم على أبواب ثورة يقودها الأدباء والمفكرين والمثقفين والأكاديميين لمحاصرة مبنى الوزارة وإسقاطها وطرد المرتزقة منها وتنصيب وزير يشار إليه والى ثقافته بالبنان ومدراء لم يكونوا سماسرة في ثقافة النظام السابق .
إذن هي دعوة إلى الوزير القادم إن يفتح سجلات جميع موظفي وزارة الثقافة من السابقين واللاحقين وان يفتح تحقيقا موسعا لكل المراسلات التي تخص الشهادات الدراسية ومقدار الخدمة والدرجة الحزبية والدائرة التي نقل خدمته منها ، وكذلك فتح تحقيقا بجميع الذين ادعوا إنهم من المفصولين السياسيين ، فحتما سيرى إن انتشار أنفلونزا الخنازير ارحم من فعلة هؤلاء المحتالين والدجالين .
هل يتحقق هذا الحلم في الحكومة القادمة أم إننا سنقرر استبدال تسمية الثقافة إلى( القفاصة) .
https://telegram.me/buratha