حميد الشاكر
بعد وفاة شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي في السعودية بازمة قلبيةتبادر الى ذهني سؤال حول : من هي الشخصية المصرية العلمية القادمة لمشيخة الازهر ؟.
طبعا هناك الكثير ممن اشار ، للعالم المجتهد علي جمعة ، باعتباره مفتي الديار المصرية ،ورجل ذو كفاءة وحنكة وتصوّف وكاريزما اجتماعية عالية القيمة شعبيا وجماهيريا مصريا داخليا !!.
لكن ولسبب وآخر لم يكن واردا في ذهني صلاح المفتي علي جمعة لمنصب مشيخة الازهر لاسيما في هذا الظرف المصري السياسي العصيب الذي يعيشه هذا البلدولعلّ بعض الدوافع والمبررات التي دفعتني لليقين ان المفتي علي جمعة غير مهيئ لمنصب المشيخة الازهرية كثيرة ، ومن اهمها :
اولا :من مميزات الشيخ العالم علي جمعة الشخصيةانه صاحب ذكاء حاد جدابالاضافة الى ان في شخصيته الفردية والمعنوية غلبة واضحة لسمة التقوى والتدين على صفة الشيطنة السياسية والميل الى المصالح الدنيوية ، وبما ان منصب مشيخة الازهر اصبحت منصبا سياسيا تماما في العهد الجمهوري المصري ، وبالخصوص في عهد الرئيس مبارك ، اعني بان المشيخة اصبحت خاضعة تماما لتوجهات السياسة في هذا البلد ، فمن المتعذر منطقيا ان يصلح مجتهد وعالم وورع ، كالشيخ علي جمعة لمثل هذه المناصب السياسية ،التي هي بالفعل بحاجة الى خضوع مطلق لرغبات السياسة بدلا من رغبات الدين وممانعته ، وعلى هذا كان لدّي شعور قوي بتعذرتنصيب الحكومة المصرية المفتي جمعة شيخا للازهر ، باعتباره من اصحاب الشخصيات الصعبة الانقياد ، لمطالب وتقلبات السياسة المصرية الضعيفة امام مطارق الخارج الثقيلة لاسيما منها الصهيونية !!.
ثانيا:الشيخ علي جمعة نفسه لااعتقد انه راغبا شخصيا بهذه المشيخة التي جلبت الوبال على شيخها الاسبق محمد سيد طنطاوي الذي عانا الكثير من ضغوطات السلطة السياسية عليه باتخاذ مواقف هزّت من سمعته وسمعة الازهر بصورة عامة ، كمصافحته لقادة الصهاينة ، وافتاءه في بعض القضايا السياسية باحكام مناقضة للحجاب في الدول الاوربية ومساندته لمواقف الحكومة المصرية ببناء جدار فولاذي يحاصر المقاومة الاسلامية في غزة .........الخ وغير ذالك الكثير من المواقف التي ان اردنا إستشفاف رأي الشيخ علي جمعة نفسه فيها فانه من الصعب تصديق قبول شخصية الشيخ المفتي علي جمعة باتخاذ مواقف من هذا القبيل ،ومن هنا فشيخ الازهر الجديد يجب ان يكون على شاكلة الشيخ القديم ، وبسعة قبوله لمثل هذه المواقف ، وبنفس مواصفاته الشخصية القابلة للثني على حساب الراي والقناعة وشدّة التقوى والمفتي المصري علي جمعه كما هو معروف لم يرغب حتى في رؤية قادة الصهاينة في احد الاجتماعات العالمية التي حضرها مع شيخ الازهر القديم بدلا من مصافحتهم واحتضانهم والضحك معه !!. ثالثا:للمجتهد علي جمعة مواقف مشرّفة بالفعل امام المدّ التكفيري السلفي الوهابي الذي غزى مصر منذ الثمانينات وحتى يوم المصريين هذا ، فهو المفتي الذي ناهض التكفير الوهابي بكل اشكاله ، وجلس في ندواته وثقافاته لدفع شبه التكفيريين ، واعلن حربه على الوهابية السعودية بالذات باعتبارها من الافكار المنحرفة والضلالات الخطيرة داخل الفكر الاسلامي وهذا يعني من الجانب الاخر للموضوع ان الشيخ علي جمعة لايتمتع بودّ دافئ لدى السعودية الوهابية ، التي ترى فيها حكومة مصر القائمة ،انها من ضمن الحكومات المشكلة للجبهة الامريكية الصهيونية في منطقتنا العربية والتي تضم بالاضافة لمصر والسعودية والاردن ، كذالك المغرب وباقي الدول المعروفة بموالاتها للسياسة الامريمكية في منطقتنا العربية والاسلامية !!.وعليه فصعود مثل الشيخ علي جمعة، وبمواصفاته الفكرية المناهضة ، للتكفير الوهابي السعودي ، لمنصة مشيخة الازهرلابد ان يكون مثار سخط من قبل حكومة السعودية الوهابية من جهة والخط السلفي التكفيري التابع للوهابية السعودية في مصر اليوم من جانب اخروهو خط يملك المصالح والتأثير في القرارات السياسية المصرية اليوم!.
نعم أصدر الرئيس المصري حسني مبارك قراراً جمهورياً ينصّ على تعيين الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب شيخاً للأزهر، خلفاً للشيخ محمد سيد طنطاوي الذي توفي الأسبوع الماضي، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية ،ومثل هذا القرار ليس مستغربا تماما ، وبحسب ماذكرناه من ضرورة وجود بعض المواصفات السياسية للحكومة المصرية لشيخ الازهر القادم ، فلابد ان يكون الاستاذ الطيّب ، او غيره صالحا للمرحلة المقبلة ، لسياسة مشيخة الازهر ، أما علي جمعه فمن الصعب تصوره في حيز مشيخة الازهر للايام المقبلة ، وخصوصا اذا ادركنا ان الايام القادمة حبلى بالتجاذبات السياسية المصرية الداخلية والخارجيةالتي ستنعكس على مشيخة الازهر بصورة كبيرة جدا ، مما يضطر مشيختها الكبرى للخضوع اكثر واكثر لمتطلبات السياسة المصرية القائمة !!.
ان احدى الاعباء الثقيلة التي ربما ستلقى على عاتق مشيخة الازهر الشريف في القادم من الايام ، هو عبئ الزج بمشيخة الازهر رغما عن انفها في المعترك السياسي الخارجي ، والداخلي لمصر اليوم ، فهناك اشكالية التوريث وانتقال السلطة في مصر ، وحتما ستكون لمشيخة الازهر الدور الفعّال فيها ، وهناك عملية السلام ، مع الصهاينة في فلسطين ، وضرورة خلق عدو وهمي مثل النووي الايراني او خطر التمدد الشيعي في المنطقة ، وايضا حتما سيكون في المستقبل القريب دور كبيرلمشيخة الازهر في هذه المعركةالسياسيةالتي يحاول النظام المصري افتعالها خدمة لمصالح استعمارية كبرى من جهة ، واعتبار النظام المصري نفسه ان احد مؤسساته السياسية هي الازهر ، ولاضير ان اخضعت هذه المؤسسة لاجندات المصالح السياسية المصرية كما هو المعتاد فيها !!.
والحقيقةان الازهر حاول في بعض فتراته التملص قدر المستطاع من هذه الهيمنه السياسية على مقدراته ومواقفه وتطلعاته الحقيقية ،كمؤسسة اسلامية كبيرة ومحترمة في العالم ، ولعبت قوّة شخصية شيخ الازهر وضعفها الدور البارز في هذا الاطار وكانت على مدى سني عمرها (( مشيخة الازهر )) تمانع مرّة وتخضع مرّات عديدة لرغبات السياسة المصرية ،حتى اصبحت القناعة لدى قادة مصر السياسيين بضرورة ان يكون شيخ الازهر الشريف ضعيفا امام الاملاءات السياسية ، او فاقدا لقوّة شخصيته المعنوية والسياسية امام اركان السلطة الحاكمةحتى وصل الحال الى الشيخ المتوفى محمد سيد طنطاوي الذي لعب دور العرّاب المطلق للسياسة المصرية بلا اي تحفظ ، ودفع من ثم المشيخة من بعده ان تكون اطارا يبحث عن النوعية المرنة جدا امام رغبات ومخططات الساسة في هذا البلد ، وكيفما يخططون لمستقبل هذه الامة سياسيا !!.
نعم في اجتماع مجلس ادارة الافتاء الازهري الاخير ، وقبل ان يغادر شيخ الازهر مصر متوجها للسعودية وبقيادة الشيخ محمد سيد طنطاوي كان متوقعا اصدار فتوى خطيرة جدا على استقرار كيان الامة الاسلامية ، ونمو ادراكها الفكري ، وحرية بحثها في التاريخ الاسلامي وهي فتوى كان يعدّ لها سيد طنطاوي بعناية وبمباركة سعودية سلفية تكفيرية في مصر والسعودية تسمى بفتوى (( كفر من قدح باحد الصحابة )) ، وكان من المتوقع ان تصدر الفتوى هذه والمعروفة غاياتها واهدافها ومقاصدها بالتمام ،وانها موجهة لمذهب من المذاهب الاسلامية ( الشيعة بالتحديد ) ليتم بعد ذالك اخراج هذه الطائفة بالكامل من حيز الاسلام ورميهم بالكفر لما عرف عن بحثهم التاريخي بالحرية ونقد بعض الصحابة ، ولكن وبتدخل ملك الموت السماوي العادل قصفت روح الشيخ سيد طنطاوي بالسعودية قبل ان يعود ، لتموت معه فتنة فتوى الازهر السياسية التي كان يعد لها لفيف من الحاقدين على الاسلام الشيعي في مصر ومنهم الدكتور محمد عمارة وغيره !!.
الحقيقة انها سابقة خطيرة للازهر الشريف ان يكون طرفا بتكفير مسلم في هذه الارض الاسلامية الشاسعة وسابقة مريبة ايضا ، ان يتحوّل الازهر بفعل العامل السياسي من كونه مؤسسة دينية تدعوا لوحدة المسلمين ، وهذا ماقام به بالفعل الازهر الشريف في تاريخه من خلال فتواه الشهيرة بانصاف الاسلام الشيعي انه مذهب لاضير من التعبد به اسلاميا لجميع المسلمين كفتوى الشيخ شلتوت رحمه الله التي وحدت الامة ووهبتها القوّة والاقتداروبين مشيخة ازهرية تفكر باصدار فتوى تُخرج اكثر من اربعمائة مليون مسلم من حضيرة الاسلام لا لسبب الا بسبب ان البحث العلمي التاريخي قاد لحقيقة ، :ان صحابة الرسول ليسوا معصومين ولاهم ملائكة منزهين من فعل الاجرام والقبيح والذنوب والارتداد ....، كما كان ينتويه شيخ الازهر السابق محمد سيد طنطاوي رحمه الله !!.
الان سؤال :هل مازالت مشيخة الازهر القادمة عليها وظيفة صناعة العدو الوهمي للامة الاسلامية حسب ما ارتأته السياسة المصرية القائمة اليوم من داخلها ليكون التشيّع هو الضحيةوتبرئة الصهاية من عدائها للعرب والمسلمين بحيث سيتمم شيخ الازهر الجديد احمد الطيّب ، ماكان يفكر به الشيخ القديم ، من اصدار فتوى (( كفر كل من قدح بصحابيا ومهما كان شكله ولونه )) ؟.ام ان شيخ الازهر الجديد سيكون صوفيّ التوجه ورع المنحى قوي الشخصية صادق الخدمة للاسلام اولا ، فيفشل المخطط قبل ان تحل الكارثة !!.
لو كان المفتي علي جمعة شيخاللازهر الجديد لقلت وبجزم كامل ان الازهر ليس في خطروانه سيبقى منارة لتوحيد المسلمين جميعا ، والوقوف امامهم على صعيد واحد !!.ولكن مازال الازهر الشريف خاضعا للمرسوم الجمهوري وتابعا لسياسة السلاطين وفاقدا للحرية في القرار وللقائد الكفوء ، والصوفيّ الشجاع .... ، فحتما سنبقى بقلق على هذه المؤسسة الاسلامية العريقة من اختراق السياسة من جهة والمال والسلفية الوهابية التكفيرية من جانب اخر !!!!!.
https://telegram.me/buratha