محمود الربيعي
وصف المجتمعات والأفراد في تصور الرسول والإمامالجوانب السلوكية للناس آخر الزمان وفق رؤية إسلاميةالحلقة الأولى محمود الربيعيالمقدمة في موضوع علامات آخر الزمان يهمنا تصوير الجانب الإجتماعي والثقافي وماستؤول إليه العلاقات بين الناس داخل الأسر والأحزاب والمجتمعات، ومدى أهتمام تلك المؤسسات بالثقافة على نوعيها البناءة التي فيها صلاح المجتمع، والهدامة التي فيها فساده.وسنهتم بالآثار النبوية من روايات النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه، وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ليكون لنا تصور حقيقي عن صفات المجتمع العالمي آخر الزمان وثقافتة التي سيكون عليها لنكون على بيّنةٍ من حقيقة ذلك الزمان ومدى التطابق مع تلك الآثار.وهنا سنورد النص التأريخي وسنضع هذا النص موضع التحليل والتفريق ثم نعلق عليه بإختصار ليكون هذا النص أكثر ملائمة لفهم ثقافة عصر الظهور وعلامات آخر الزمان، وسيكون حديثنا على شكل حلقات نبسط فيها المساحة الواسعة من الحديث النبوي الواسع والكبير في شرح وفهم أبعاد عملية التغير الإجتماعي والثقافي الذي تتعرض له المجتمعات آخر الزمان والتي جرى الحديث عنها قبل وقوعها بقرون عديدة حيث تعرضت للإمتحان بعد طول المدة فصارت ضمن دائرة الإحتمال، والتي تجاوزت حقيقة ومصداقية التطبيق في الزمن الذي تلى تلك الخطبة وهو زمن طويل يعد بمئات السنين وتجاوز الألف سنة حيث تناولت هذه الخطب أوسع تفاصيل التغيّر الذي يطال المجتمع فيما يتعلق بشؤون الناس على مختلف طبقاتهم كالحكام والوزراء والناس بصورة عامة سواء كانوا رجالاً أو نساءً، وسواء كان ذلك الرجل هو الأب أوالزوج والأخ والإبن وسواء كانت الإمرأة هي الأم أوالزوجة والأخت والإبنة ليتسنى النظر في الطبائع الإجتماعية والثقافية التي تتعلق بالسلوك والتفكير والعلاقات العامة في ذلك الزمان. وفي غيبة الطوسي ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: حججت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة الوداع، فلما قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما افترض عليه من الحج أتى مودع الكعبة فلزم حلقة الباب ونادى برفيع صوته: أيها الناس، فاجتمع أهل المسجد وأهل السوق فقال: اسمعوا أني قائل ما هو بعدي كائن فليبلغ شاهدكم غائبكم، ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بكى لبكائه الناس أجمعين، فلما سكت من بكائه قال: أعلموا - رحمكم الله - أن مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلى أربعين ومائة سنة ( 140 سنة ) ثم يأتي من بعد ذلك شوك وورق إلى مائتي سنة ( 200 سنة ) ثم يأتي من بعد ذلك شوك لا ورق فيه حتى لا يرى فيه إلا سلطان جائر أو غني بخيل أو عالم راغب في المال أو فقير كذاب أو شيخ فاجر أو صبي وقح أو امرأة رعناء، ثم بكى رسول الله، فقام إليه سلمان الفارسي (رحمه الله) وقال: يا رسول الله أخبرنا متى يكون ذلك؟
صفات الناس والأشخاص آخر الزمانوسنأتي على بعض المفردات التي وردت في نص الحديث لنتبين مدى التغير العام الذي سيصيب الجانب الإجتماعي والثقافي بالشكل الذي يعطي تصوراً عن مدى الفترة الزمنية التي قطعا التأريخ للتقرب من ذلك الزمن الذي أطلق عليه الرسول الكرم صلى الله عليه وآله وسلم بآخر الزمان ومنها ماأشار اليه الرسول من كثرة مايراه الناس من:أولاً: سلطان جائر: ولابأس بتقييم الحالة في الزمن الذي نعيش فيه لنتبين نسبة الجور عند الحكام للتوصل الى حكم ظرفي يتناسب مع الحقائق العالمية ؟ثانياً: أو غني بخيل: ولاضير من إلقاء نظرة إحصائية الى نسبة البخل بين الأغنياء، ودرجة حرصهم على الأموال وهل أن لهم إهتمامات تذكر بالفقراء.ثالثاً: أو فقير كذاب: وفي جو يكون فيه الأغنياء بخلاء يكون الفقراء فيه كذبة، وبالخصوص عندما لاتتوفر في المجتمع حصانة دينية أو أخلاقية بل تسوده قيم المصالح والمنافع على حساب المبادئ والقانون والشريعة.رابعاً: أو شيخ فاجر: وماأقبح أن يخرج الفجور من الشيوخ وهو تعبير عن دناءة النفوس وأهتزاز القيم الدينية والإجتماعية.خامساً: أو صبي وقح: وعندما تهتز القيم العامة التي تسود المجتمعات ويفجر فيه الكبار ويتشاجر فيه الإخوان لابد أن يكون فيه الصبيان في وضع لايحسدون عليه مع تدني مستوى التعليم والثقافة. سادساً: أو إمرأة رعناء: إن خروج النساء عن المألوف وتخطي حواجز الحياء لايؤدي إلاّ الى خراب المجتمع فالمرأة هي العنصر الأهم في التربية والتعليم، وهي حجر الأساس لصيانة المجتمع من الفساد.وفي غيبة الطوسيوفي هذا الجزء من الخطبة وهي تكملة للنص إجابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسمان جاء فيها:فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا سلمان إذا قلت علماؤكم وذهبت قراؤكم وقطعتم زكاتكم وأظهرتم منكراتكم وعلت أصواتكم في مساجدكم وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم والعلم تحت أقدامكم والكذب حديثكم والغيبة فاكهتكم والحرام غنيمتكم ولا يرحم كبيركم صغيركم ولا يوقر صغيركم كبيركم، فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم ويجعل بأسكم بينكم، وبقي الدين لفظا بألسنتكم، فإذا أوتيتم هذه الخصال توقعوا الريح الحمراء أو مسخا أو قذفا بالحجارة، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل *(قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون)( سورة الأنعام: 65) فقام إليه جماعة من الصحابة فقالوا: يا رسول الله أخبرنا متى يكون ذلك؟فمن أعمال الأمة آخر الزمان التي ورد ذكرها في هذا النص:أولاً: إذا قلت علماؤكم: ونعتقد أن إشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه العلامة الى قلة النخبة الصالحة في صفوف الأمة في الوقت الذي تكون فيه الكثرة جاهلة.ثانياً: وذهبت قراؤكم: ويحتمل أن يكون المقصود هنا هجران قراءة القرآن الكريم وضعف التفاعل مع أدب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الشريفة، وهجران العلوم المفيدة التي التي تقوّم الإنسان.ثالثا: وقطعتم زكاتكم: ويظهر أن ذلك يكون بسبب الحرص على الدنيا وضعف الإرتباط بالله وبالدين.
رابعاً: وأظهرتم منكراتكم: وهي حالة متقدمة من الإنجراف في الفساد بحيث يكون فيها الشخص قد تجاوز حدود الحياء.خامساً: وعلت أصواتكم في مساجدكم: وهو إشارة الى أن هذه الأصوات غير معبرة عن صدق الحالة العبادية التي يفترض أن يكون عليها الناس من التوجه الى الله دون أن يكون لهم منافع دنيوية. سادساً: وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم: فعندما يتغير إتجاه البوصلة التي يتحرك بها الإنسان ويتجه الى حب الدنيا بنسيان الآخرة فإن ذلك يعد إنحرافاً واضحاً في أساسيات الحركة الإنسانية تجاه الله سبحانه وتعالى. سابعاً: والعلم تحت أقدامكم: والإشارة في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تشير الى العلوم النافعة في المجالات التي تخدم الإنسانية، وذلك بسبب إهتمامات الإنسان بالمجالات التي لاتنفع غير مصالحه وأهواءه وغرائزه.ثامناً: والكذب حديثكم: إن من أرفع القيم والمبادئ في حياة الناس والإنسان هو الصدق فإذا أفتقدت المجتمعات تلك الموازين ساد الكذب الجانب الأكبر من حياتها وشكل العامل الأكبر في أنتشار الفساد.تاسعاً: والغيبة فاكهتكم: وعندما ينسى ذكر الله ويبتعدون عن الإسلام والقيم الأخلاقية على وجه العموم عند ذاك لن يفكر الإنسان في آخرته ولن يتوانى عن إرتكاب المعاصي، ومن أعظمها خوضه في أعراض الناس.عاشراً: والحرام غنيمتكم: إن الثقافة التي يكون عليها المجتمع آخر الزمان هي على العكس تماماً عن الصورة التي حملها الناس عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل وحتى بعد عدة قرون من ذلك العصر فحين كان الناس ينظرون الى الحرام خط أحمر يعاقب عليه الإنسان لكن مايحدثنا عنه النبي هو إنقلاب الصورة بحيث يصبح الحرام غنيمة بعد أن كان جريمة.أحد عشر: ولا يرحم كبيركم صغيركم ولا يوقر صغيركم كبيركم: ويعني ذلك أنه لاتوجد قيم إجتماعية سليمة، فالمجتمعات ستكون مفككة ليس فيها إنسجام، لا في داخل الأسرة ولاحتى بين الناس عموماً.. فبعد أن تعارف الناس على إهتمام الكبير بالصغير ورعايته، وإحترام الصغير للكبير فإننا سوف لانرى من ذلك شئ نتيجة لتدخل الحكام في شؤون المجتمع وتغيير طريقة نمط الحياة الإجتماعية بالشكل الذي تفرض فيها قوانين تؤدي بالنتيجة إلى تغيير جذري في حياة الناس وعلاقتهم ببعض.وهذا السلوك العام للمجتمع سيقود الى جملة من الأمور منها:أولاً: نزول اللعنة: وهو غضب الله سبحانه وتعالى.. وتتخذ اللعنة صور عديدة على الوجه الذي ذكرته لنا المصادر التاريخية وتكلم عنها القرآن الكريم.ثانياً: ويجعل الله بأسكم بينكم: وهي إشارة مهمة، ونتيجة حتمية لمجتمع تنتشر فيه عوامل الضعف والفساد وتحكم فيه الأهواء والمصالح.ثالثاً: الدين فقط باللفظ: ولن يبقى من الدين إلاّ اللفظ كرمز تأريخي موروث تتشدق به الحكومات وتستخدمه القوى الحاكمة كورقة ترفع فيها الشعارات الجميلة وتخالفها في التطبيق وتحاربها على أرض الواقع.التوقعات التي يمكن أن تحدث
أولاً: الريح الحمراء: وهي نوع من أنواع الرياح التي تحمل نوعا من أنواع التراب الصحراوي الذي يطلق عليه الأحمر.ثانياً: المسخ: وقد مر في الأزمنة السابقة انواعاً من المسخ الذي أصاب العصاة منها المسخ على هيئة الخنازير أو القردة أو غير ذلك من أنواع وصور الحيوانات.ثالثاً: القذف بالحجارة: وقد مر هذا النوع من القذف بأقوام منها قوم لوط لما عصوا ربهم وأصروا وأستكبروا إستكبارا، غضب الله عليهم وأصابهم ماأصابهم من القذف بالحجارة مما أدى الى هلاكهم.وهناك جملة من التصديقات القرآنية منها الآية الكريمة التي تشير الى حلول العذاب بالعصاة قال تعالى: ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون )( سورة الأنعام: 65خاتمة إن مايهمنا من هذه الرؤية الإجتماعية والثقافية التي جاء ذكرها في الأحاديث النبوية الشريفة هي تنبيه الأمة الى دورها في الإلتزام بثوابتها الدينية والإخلاقية لتكون في طريق حركة الإمام المهدي عليه السلام ولتلتحق بالنخبة من مجموعته الصابرة الممتحنة التي ستقف إلى جانبه وهم يشكلون القواعد المهمة في تلك الحركة الإصلاحية العالمية.
https://telegram.me/buratha