علي محمد البهادلي
شهد ملف الانتخابات العراقية عدة عقبات بدءً بنقض قانون الانتخابات وإجراءات هيئة المساءلة والعدالة التي أسفرت عن استبعاد عدد من مرشحي الكيانات السياسية للانتخابات البرلمانية ، مروراً بطلب الهيئة التمييزية لتأجيل تطبيق مقررات قانون المساءلة والعدالة إلى ما بعد الانتخابات ، وانتهاءً بقرار الهيئة باستبعاد أغلب الأسماء التي رفعتها هيئة المساءلة والعدالة ، وبعد التي واللتيا حُسِم الموقف أخيراً ، وبدأت الحملات الانتخابية .
إن من يراقب سير الحملات الدعائية للانتخابات يلاحظ بوضوح حجم الأموال التي صرفتها الكيانات السياسية للترويج عن مرشحيها ، فبعض الكيانات دعاياتها كبيرة جداً ، وهو ما نراه من خلال الملصقات والصور التي لا يمكن رفعها إلا " بشفل كاو سكي " والظهور المكثف في وسائل الإعلام وإقامة الندوات والمؤتمرات التي تروج لهم في قاعات وصالات الفنادق ، فضلاً عن الولائم الدسمة ، والإعانات النقدية والهدايا التي يقدمها المرشحون للمواطنين أثناء تجوالهم في المدن والقصبات العراقية ، لا سيما المدن والقرى الفقيرة التي تقل فيها فرص العمل وتنتشر فيها البطالة ويكون مستوى الدخل فيها متدنياً ، وهذه الأعمال تتطلب من المرشحين وكياناتهم السياسية أموالاً طائلة ، أما بعض الكيانات ومرشحوها ففقر حملتها الانتخابية بادٍ بوضوح ، فتكاد تقتصر حملاتها الانتخابية على قطع من القماش يُكتَب عليها اسم المرشح وقائمته و بعض الملصقات المتواضعة والأوراق المنسوخة ، أما الدعايات في الفضائيات فـ" العين بصيرة واليد قصيرة " .
إن المقارنة الخاطفة بين الطرفين " الأغنياء في حملاتهم والفقراء " يشير إلى وجود بون شاسع في إمكانات الطرفين المالية ، ولا يعني بالضرورة إلى وجود مصدر مالي مشبوه يمول الطرف الأول ؛ لأن بعض الكيانات السياسية يتمتع الكثير من أعضائها بمواقع كبيرة في الدولة ، مما يتيح لهم الحصول على أموال ضخمة ، فكلنا يعلم حجم رواتب المسؤولين في مناصب الدولة والمخصصات والإعانات الاجتماعية التي يتقاضونها ، فلا غرابة في أن تكون حملاتهم كبيرة وقوية وتُصرَف فيها مبالغ ضخمة ، لكن الأمر لا يخلو من شبهة ، فالسياسيون الكبار يمكنهم ـ من خلال تسنمهم مواقع في السلطة ـ أن يستغلوا مواقعهم ومناصبهم تلك وأن يستعملوا المال العام في الحملات الانتخابية في ظل ضعف الشفافية التي يتمتع بها هؤلاء السياسيون ، فعلى الجهات المعنية بهذا الملف أن تكثف جهودها من أجل التأكد من سلامة الدعاية الانتخابية مما يشوبها من فساد سواء باستغلال المال العام أو استغلال مؤسسات الدولة للغرض نفسه ، وما قامت به هيئة النزاهة بتشكيلها فرقاً لمراقبة العملية الدعائية ؛ تجنباً لاستغلال المال العام للترويج عن القوائم والكيانات السياسية ومرشحيها شيءٌ مفرح ، ولا بد من تعاون الجهات الرقابية الأخرى كديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ، فينبغي أن تفعِّل هذه المكاتب هذه الأيام حملتها في دوائر الدولة ومؤسساتها ؛ لأن ابتلاع الأموال واستغلال مؤسسات الدولة في الدعاية الانتخابية سيكون على قدم وساق، أما الرقابة المدنية والشعبية ، فلها نصيب من ذلك العمل ، فيجب على جميع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام فضح الممارسات المشبوهة التي يحتمل أن يقع فيها هذا الكيان السياسي أو ذاك لا سيما تلك التي يُشَم منها رائحة أموال الدولة ومؤسساتها ، وإبلاغ الجهات الرقابية بذلك ؛ لأننا في طور تأسيس دولة تقوم على مبدأ الشفافية والحفاظ على المال العام وبدون تكاتف الجميع من أجل الوصول إلى هذا الهدف ، فالفاسدون سيتسلقون مرة أخرى إلى البرلمان والحكومة ، وسيجعلون من فقر المواطن وسذاجة البعض سلماً للوصول إلى غاياتهم الدنيئة ، ولا ننسى أن نذكر إخواننا الناخبين أن عليهم مسؤولية كبيرة تضاف إلى سلامة الاختيار والإدلاء لهذا المرشح أو ذاك ، وهي عدم الضعف أمام الإغراءات التي يقدمها المرشحون إليهم في هذه الأيام ، فكم من لذة عاجلة أورثت نقمة آجلة.
علي محمد البهادلي
https://telegram.me/buratha