بقلم : الشيخ أحمد السليطي
يحاول البعض من الحاقدين والمأجورين بين الفينة والأخرى تشويه الحقائق والتشويش على الناس من خلال التصوير بأن مواقف المرجعية السابقة حيال العملية السياسية كانت آنية وارتجالية وغير محسوبة وبعد أن أدركت المرجعية خطأها رفعت يدها عن دعم العملية السياسية وما إلى ذلك من الأراجيف ، إلا أن المرجعية ومن خلال استمرارها في تصويب وترشيد المسار لبناء العراق الجديد وفقا لأسس العدالة والمساواة بين جميع أبنائه في الحقوق والواجبات تؤكد دائما وأبدا أن مواقفها مبدئية نابعة من التكليف الشرعي الملقى على عاتقها وهي وبغض النظر عن النتائج التي تحققت لايصدها عن ذلك افتراء المفترين ولا أباطيل المرجفين (1) .
وعلى العراقيين الذين من الله تعالى عليهم بهذه القيادة الربانية العظيمة التي تدافع عن حقوقهم وترشدهم إلى صلاحهم في الدنيا والآخرة أن يتفهموا مواقف مرجعيتهم الرشيدة ويقرؤوا بياناتها بتدبر وتأمل ويلتزموا بها ، فبها ومن خلال تطبيقها تتحق الآمال ، فلو نظرنا بشكل خاطف إلى البيان الأخير لوجدناه كسابقاته يتضمن نقاط عديدة مهمة تتلخص بما يلي :
(1) الانتخابات التشريعية عموما والقادمة على وجه التحديد لها أهمية كبرى بنظر المرجعية العليا وقد ذكرت سببين لذلك هما : (أ) كون العراق العزيز يمر بظروف عصيبة ، (ب) لكون الانتخابات بنظر المرجعية العليا هي المدخل الوحيد لتحقيق ما يطمح إليه الجميع من تحسين أداء السلطتين التشريعية (مجلس النواب ) والتنفيذية (الحكومة) .
(2) المرجعية الدينية العليا لاتتبنى أي جهة سياسية مشاركة في الانتخابات .
(3) المرجعية الدينية العليا تؤكد أن المعيار المطلوب في اختيار القائمة هو أن تكون أفضل القوائم وأحرصها على مصالح العراق في حاضره ومستقبله ، وأقدرها على تحقيق ما يطمح إليه شعبه الكريم من الاستقرار والتقدم .
(4) بعد أن يختار الناخب القائمة الصالحة على أساس المعايير المتقدمة عليه أن يختار المرشح الصالح فيها وفقا للمعيار الآتي ( أن يتصف المرشح بالكفاءة والأمانة والالتزام بثوابت الشعب العراقي (2) وقيمه الأصيلة ) .
ولو أردنا التعمق أكثر في مفردات بيان المرجعية العليا وأعدنا قراءته بشيء من التدبر والتأمل مع ملاحظة ما ورد في بياناتها خلال الفترة السابقة حول الانتخابات والعملية السياسية عموما فإننا وبلا أدنى شك سنقف على النقاط المهمة التالية :
أولا : تبني المرجعية الدينية العليا لمبدأ الانتخابات (3) كوسيلة للوصول إلى السلطة واعتبار هذه الوسيلة الطريق الوحيد لتحقيق ذلك من جانب ، وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع العراقيين في الحقوق والواجبات من جانب آخر ، كما أن الانتخابات هي مصدر إضفاء الشرعية على السلطات التي تحكم البلاد ، وهذا المنهج يدحض كل الأباطيل التي يطلقها أعداء العراق بين الحين والآخر من خلال اتهام المرجعية الدينية العليا والمؤسسة الدينية والأحزاب الدينية عموما بأنها تسعى لإقامة حكومات دينية تدار من قبل الفقهاء ورجال الدين وما إلى ذلك ، فالمرجعية العليا في النجف الأشرف والتي تتبعها معظم الأحزاب الدينية وتهتدي بتوجيهاتها ونصائحها وإرشاداتها هي من أسس للانتخابات (4) ودعت إلى وجوب المشاركة فيها في أكثر من موقف ، فلماذا يتغنى البعض بالانتخابات عندما تنادي بها أميركا مثلا ويرفضها إذا نادت بها المرجعية الدينية ، بل إن أمريكا لاتقبل بالانتخابات إلا عندما تحقق مصالحها وترفضها عندما لاتكون كذلك كما حصل في محاولاتها المستمرة للقفز على نتائج الانتخابات في العراق ورفضها لنتائج الانتخابات في فلسطين ولبنان في حين أنها تبارك انتخابات مصر وهي تعلم علم اليقين بأنها زائفة وغير حقيقية كما أن لها صلات وثيقة بحكومات ديكتاتورية وتتحالف معها وتطري عليها صباح مساء مثل حكومة السعودية وكثير من الدول العربية وغيرها . وفيما يلي بعض النصوص حول أهمية الانتخابات في نظر المرجعية العليا مقتبسة من بعض بياناتها :
(1) (( إن سماحة السيد ــ دام ظله ــ سبق أن أكد مرارا على ضرورة أن تكون الحكومة العراقية ذات السيادة منبثقة من انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها أبناء الشعب العراقي بصورة عامة ))(5) .
(2) (( إن المرجعية الدينية قد أكدت دوما على أهمية الانتخابات ودورها الأساس في تقرير مستقبل البلد وحفظ حقوق أبنائه من مختلف الأطياف والمكونات )) (6) .
(3) (( إن الانتخابات النيابية تحظى بأهمية كبرى )) (7) .
(4) ((إن الانتخابات هي الطريقة المثلى لتمكين الشعب العراقي من تشكيل حكومة ترعى مصالحه ، وفي بلد مثل العراق متنوع الأعراق والطوائف لا يمكن تجاوز المحاصصات العرقية والطائفية في أية تشكيلة حكومية إلا بالرجوع إلى صناديق الاقتراع)) (8) .
(ثانيا) : إن عدم تبني المرجعية العليا لأي قائمة من القوائم المشاركة لايعني بالضرورة أنها تتبنى الجميع ، وكونها على مسافة واحدة من القوائم المشاركة لايعني أن المواطن سيفي بواجبه تجاه وطنه باختيار أي قائمة شاء وإنما يتحقق الوفاء بالواجب إذا أختار مرشحه وفقا للمعايير العقلائية والشرعية والوطنية التي بينتها المرجعية العليا في البيان الذي نحن بصدده وفي أكثر من موقف ومناسبة وهذه المعايير تنقسم إلى قسمين : (أ) معايير اختيار القائمة . (2) ومعايير اختيار المرشح . هذا بالنسبة للقائمة المفتوحة ، ولنسلط الضوء على هذه المعايير فيما يلي :
معايير اختيار القائمة :
(1) أن تكون القائمة هي الأفضل من بين القوائم المشاركة ؛ والأفضل هنا نسبي وليس مطلقا ، أي بمعنى أنها الأفضل من بين القوائم المطروحة ، فليس من الممكن الحصول على قائمة أنبياء أو ملائكة ، ولايمكن أن يجتمع في قائمة واحدة مرشحون جيدون بأجمعهم ، وإنما ينبغي أن تكون الأفضل من حيث المجموع ومن حيث الفكر والبرنامج وما إلى ذلك ، ولا أقل أن الناخب بين خيارين عبرت عنه المرجعية في مرحلة سابقة بتعبير رائع وهو (( أن الناخب بين خيارين أحدهما سيء والآخر أسوأ )) ، والعاقل يدرك أن الانتخاب أفضل من عدمه لأنه إن حصل بالانتخاب على نسبة 10% مثلا من طموحه فلن يحصل على شيء عند ترك الانتخاب ، وعندما يقرر الانتخاب فلن يجد قائمة جيدة على الإطلاق وإنما سيجد صنفين من القوائم سيء وأسوأ واختيار السيء أولى من اختيار الأسوأ ، وهذا ما لايختلف عليه اثنان .
(2) أن تكون القائمة حريصة على مصالح العراق في حاضره ومستقبله ، وهذا المعيار يتداخل مع الأول وهو أحد مصاديق الأفضلية وهو من باب التوضيح والتأكيد على توفر هذه الصفة .
(3) أن تكون القائمة أقدر القوائم على تحقيق ما يطمح إليه شعب العراق الكريم من الاستقرار والتقدم ؛ وهذا شرط مهم للغاية لأن بعض القوائم قد تكون جيدة أو أقل سوءا من غيرها ولكنها لاتملك شعبية كبيرة ولا يتوقع فوزها بمقاعد كثيرة ، وهذه القائمة لاتستطيع تحقيق الأهداف والطموحات التي يسعى الناخب لتحقيقها ، ففي مجلس النواب القادم ستكون الأغلبية المطلقة للمقاعد (168) مقعدا ، كما أن رئيس الوزراء يسمى من القائمة التي تفوز بأكثر المقاعد وإن لم تحصل على الأغلبية المطلقة ، وبالتالي فإن القوائم الصغيرة لن يكون لها تأثير كبير لا في مجلس النواب ولا في الحكومة ، ومن هنا فاختيار القائمة التي يتوقع فوزها بأكثر المقاعد بعد كونها الأفضل والأحرص كما مر هو المتعين على جميع الناخبين بحسب رأي المرجعية المبارك.
وهذا ما أشارت إليه المرجعية العليا أيضا في بيانها حول انتخاب مجلس النواب المنتهية ولايته حيث ذكرت هناك أنه (( لابد أيضا من التجنب عن تشتيت الأصوات وتعريضها للضياع )) .
معايير اختيار المرشح من القائمة:
بعد تحديد القائمة الصالحة لابد من الفحص والتمحيص عن المرشح الصالح من بين مرشحيها ، وقد حددت المرجعية المباركة معايير الاختيار العقلائية والشرعية والوطنية أيضا وهي : (أ) الكفاءة (ب) الأمانة (ج) الالتزام بثوابت الشعب العراقي وقيمه الأصلية ، ومن الواضح أن الكفاءة شرط أساسي فماذا سيقدم من لايستطيع تشخيص مشكلة ما ولايستطيع تشخيص الحل أو على الأقل لايعرف كيف يحصل على الحل ولا يفهم النصوص الدستورية والقانونية ولايستطيع التمييز بين ما هو نافع وما هو ضار كما هو حال الكثيرين من أعضاء مجلس النواب المنتهية ولايته أو من أعضاء مجالس المحافظات ، أما الأمانة فهي ضرورية أيضا فما قيمة الكفاءة إذا كان صاحبها يستثمرها لمصالحه الشخصية بعيدا عن المصالح العليا ، وكم رأينا من شخصيات قد تملك كفاءة على المستوى المهني والفني في مجال عملها لكنها سرقت أموال الشعب العراقي وضيعت الكثير من إمكاناته أو أنه دخل في مشاريع مشبوهة لتعطيل عجلة التقدم في البلاد ، وبالنسبة للشرط الثالث فهو مهم أيضا حيث أنه من الممكن أن تجد كفؤءا وأمينا إلا انه يتنكر لثوابت شعبه وقيمه الأصيلة ومبادئه النبيلة بل ويسخر منها أحيانا ، ومن أعظم هذه الثوابت الدين الإسلامي ومنظومته العقائدية والتشريعية والأخلاقية باعتباره دين الأغلبية ، والتي من بينها الشعائر الحسينية التي يكفي للدلالة على كونها من ثوابت الشعب العراقي التأمل في ما يجري في أيام عاشوراء والزيارة الأربعينية وغير ذلك ، مضافا إلى الكثير من الأعراف والتقاليد الاجتماعية الصحيحة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
() إن سماحة السيد ــ دام ظله ــ على الرغم من اهتمامه البالغ ومتابعته المستمرة للشأن العراقي في جميع جوانبه إلاّ أنه قد دأب على عدم التدخل في تفاصيل العمل السياسي وفسح المجال لمن يثق بهم الشعب العراقي من السياسيين لممارسة هذه المهمة ، ويكتفي سماحته بإبداء النصح والإرشاد لمن يزوره ويلتقي به من أعضاء مجلس الحكم والوزراء وزعماء الأحزاب وغيرهم . والمؤسف أن بعضاً من وسائل الإعلام تستغل هذا الموقف وتنشر بين الحين والآخر بعض الأخبار المكذوبة وتروج الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة . (ج3 على أسئلة مراسل وكالة أنباء اسوشيتدبريس الأمريكية بتاريخ 21/ شعبان /1424) .
(2) مبدأ الشورى والتعددية والتداول السلمي للسلطة في جنب مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء البلد في الحقوق والواجبات ، وحيث أن أغلبية الشعب العراقي من المسلمين فمن المؤكد أنهم سيختارون نظاما ً يحترم ثوابت الشريعة الإسلامية مع حماية الأقليات الدينية . (ج6 على أسئلة مراسل صحيفة دير شبيجل الألمانية بتاريخ 24/ ذي الحجة/1424) .
(3) إن القوى السياسية والاجتماعية الرئيسة في العراق لا تدعو إلى قيام حكومة دينية ، بل إلى قيام نظام يحترم الثوابت الدينية للعراقيين ويعتمد مبدأ التعددية والعدالة والمساواة كما مرّ ، وقد سبق للمرجعية الدينية أن أوضحت أنها ليست معنية بتصدي الحوزة العلمية لممارسة العمل السياسي وأنها ترتأي لعلماء الدين أن ينأوا بأنفسهم عن تسلّم المناصب الحكومية . (ج7 على أسئلة مراسل صحيفة دير شبيجل الألمانية بتاريخ 24/ ذي الحجة/1424) .
(4) س7: هل ترغبون بوجود حكومة إسلامية في بلدكم العراق بيدها مقاليد الحكم ؟ ج7: نرغب فيما ترغب فيه أكثرية الشعب العراقي فليفسح المجال لهم ليختاروا . (أجوبة أسئلة مجلة بولندا الأسبوعية بتاريخ 29/رجب/1424) .
(5) بيان للمرجعية صدر بتاريخ (14/ ربيع2/1425) .
(6) بيان للمرجعية حول انتخابات مجالس المحافظات صدر بتاريخ (18/1/2009) .
(7) البيان الذي نحن بصدده والصادر بتاريخ (2/ ربيع1/1431) .
(8) الجواب الثاني على أسئلة مراسل مجلة دير اشبيجل الألمانية بتاريخ (24/ ذي الحجة / 1424) .
http://www.alsolaiti.com/Visions/2010/2/2010-02-19-1.htm
https://telegram.me/buratha