ميثم الثوري
في السابع عشر من كانون الثاني 1988 كانت عصابات الغدر والجريمة البعثية تتربص وصول العلامة المجاهد السيد مهدي الحكيم نجل الامام اية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) الى العاصمة الخرطوم للمشاركة في مؤتمر لجبهة الوطنية الإسلامية الذي عقده الشيخ حسن الترابي ، فاقدمت المخابرات العراقية بمساهمة السفارة العراقية في الخرطوم لتنفيذ جريمة اغتيال مروعة ضد هذا المجاهد العظيم الذي انتهز فرصة حضوره في المؤتمرات والمحافل الدولية ليدافع عن مظلومية شعبه ويفضح عصابات البعث الاجرامية.وقد نكون قد اسهمنا جميعاً في مظلومية الشهيد العلامة المجاهد السيد مهدي الحكيم لقصورنا او تقصيرنا لتعريف العراقيين والمسلمين جميعاً بهذه الشخصية الفذة التي كان لها الدور التغييري المبكر في العراق في وقت لم يجرؤ احد على مواجهة هذه السلطة ولو همساً او تلميحاً.وربما يشعر الباحثون بتأنيب الضمير لعدم ايفائهم حق هذه الشخصية الاسلامية المجاهدة التي اعطت كل شىء من اجل الاسلام والوطن وقد يتعذر بعضهم بان الغموض الاجمالي الذي اكتنف الحديث عن هذا الشهيد العظيم بسبب قلة المصادر والمعلومات الموثقة عنه بسبب التعتيم السابق والعمل السري الذي رافق حركة الشهيد العلامة المجاهد السيد مهدي الحكيم في مواجهته مع النظام السابق.ويقابل هذا الظلم في التعتيم او شهادة الحق ظلم اخر اشد وطأة وبشاعة وهو ظلم حزب البعث لهذه الشخصية العلمية الوطنية الكبيرة فقد ظلمته السلطات البعثية وحاولت تشويه حركته المبكرة عندما جاء الى بغداد ممثلاً للمرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف كمحاولة استباقية لاعاقة مسيرته ونشاطاته وتخصيب الاجواء لاعتقاله واعدامه بسبب ما شعرت هذه السلطات من تنامي شعبية وحركة الشهيد العلامة المجاهد السيد مهدي الحكيم في الاوساط العراقية وفي بغداد تحديداً ومحاولاته الذكية في بلورة موقف شعبي لتغيير النظام بوقت مبكر وانقاذ الشعب العراقي من شروره واثامه.ولما شعرت السلطات البعثية بتنامي الوعي الاسلامي في العاصمة بغداد خاصة بعد حضور الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم الفاعل وتحركاته المتسارعة على كافة طبقات الشعب العراقي ولم يستثن منهم الضباط والسياسيين والجامعيين حاولت توجيه ضربة استباقية له عبر اذاعة بيان باذاعة بغداد في السابع من حزيران 1969 يتهم الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم بالجاسوسية مع طلب القاء القبض عليه في اخطر تصعيد حكومي ضد المرجعية الدينية وطلائعها من رواد الوعي الاسلامي الحركي وفي مقدمتهم الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم.مارس النظام ابشع اساليب الاغتيال السياسي والحسدي ضد هذه الشخصية الاسلامية العلمية الكبيرة التي استطاعت بوقت مبكر من تشخيص معالم التغيير واستشراف عوامل التأثير في وقت كانت الحوزات العلمية في كل العالم مترددة في الدخول في العمل السياسي او تعتبره من المحرمات الكبيرة لرجالات الفقه والحوزة والعلم.ولما فشل النظام البعثي من اغتياله سياسياً ومعنوياً عبر الاتهام الباطل بالتجسس من اجل محاصرته واحراجه واشغاله بالدفاع عن نفسه ورد الشبهات ودفع الاتهامات ابتكر النظام وسيلة اخرى لاغتياله جسدياً والانتظار فرصة اكبر تتوفر لمحابراته الاجرامية لتنفيذ عملية اغتيال منظمة ومبيتة وهو ما حصل فعلاً في الخرطوم.والسؤال الجدير بالاجابة والتذكير هو لماذا استهدفت الحكومة البعثية العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم بمثل هذه الاتهامات الخطيرة التي لا تليق بشخصية كبيرة من آل العلم والفقاهة كخطوة استباقية لاعتقاله واعدامه؟قد ترى هذه السلطات بان حركة العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم تمثل خطراً فعلياً او مستقبلياً على وجودها خاصة وانه اختار بغداد ليكون ممثلاً للمرجعية الدينية في النجف الاشرف بالاضافة الى حركته المتسارعة لجذب وكسب كل الطاقات العلمية والسياسية والجامعية وذوي المهن الحرة والتجاريين ووجهاء العشائر.شعور النظام البعثي بان العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم قد تجاوز الخطوط الحمر وبدأ اداؤه يخالف كل السياقات التقليدية لوكلاء وممثلي المرجعيات الدينية التي ساد عليها الطابع التقليدي الرتيب كجمع الحقوق والاجابة على استفسارات المكلفين وامامة الناس في المساجد وهي لا تشكل غالباً هاجساً لدى السلطات الحاكمة.كان الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم من اوائل رواد التحرك الاسلامي في العراق وكان يفكر بشكل مميز قد يكون سابقاً لزمانه واقرانه وهو ما يلفت انتباه السلطات البعثية الى خطورة تحركاته في العاصمة بغداد وتكريس الوعي التغييري لدى الجماهير.لم يكتف العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم بالدور التغييري الحركي في الامة بل تحرك باتجاه التخطيط للتغيير الفعلي عبر ايجاد قنوات تأثير ونفوذ سواء في حركته باتجاه الشخصيات السياسية او العسكرية او العشائرية لوضع اول خطوات التغيير التدريجي كمحاولة لتغيير النظام في بداياته قبل ان يستحكم وتترسخ جذوره واداوته القمعية والبوليسية.وربما الخطوة الاخطر التي اقلقت النظام البعثي آنذاك شعورها بان العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم بدأ يتحرك ويخطط فعلياً لايجاد دولة مدنية على انقاض الحكم العسكري وهي خطوة استشرافية تشخص خطر الحكم العسكري وتداعياته على مستقبل العراق.ويقول العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم في مذكراته "عندنا في الواقع عمل سياسي دؤوب.. همنا حينذاك أن يأتي حكم مدني نتخلص به من الحكم العسكري، وهذه خطوة كنا نعتقدها ضرورية، وأن الحكم المدني يعطي شيئا من الحريات للناس.."والملفت في هذا السياق ان العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم قد تنبه بوقت مبكر الى خطر الطائفية وخطورتها على النسيج العراقي وهو ما يعكس رؤية المرجعية الدينية العليا والمتابعة الدقيقة للواقع العراقي والحرص على تكريس التوجه الوطني بديلاً عن الطائفية التي تنخر البلاد والعباد وتمزق اوصال الوطن وتشظي ابناءه الى شظايا غير متآخية.وفي هذا السياق ينقل العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم عن والده الامام آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) قوله لرئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي " إن الحكومة التي تتشكل من الشيعة، من الشرطي حتى الملك، ولكنها تميز بين الناس على أساس الشيعة والسُنَّة فإنها حكومة طائفية، وإنني أرفضها، ولو أن الحكم كله سُنَّي من الشرطي حتى الملك، ولا يفرق بين الناس فإنني أعتبره حكما طبيعيا.. إني أرى الناس الآن يصنفون على أساس مذهبي، وليس على أساس الكفاءات"ولعله استشرف الخطر الطائفي منذ أمد بعيد وخطورته على النسيج الاجتماعي والمذهبي في العراق بل وكان التحذير مبكراً من خطر الطائفية ونبهت مرجعية الامام الحكيم الى ذلك بحسب ما اشار اليه الشهيد العلامة السيد مهدي الحكيم في مذكراته نقلاً عن والده الامام محسن الحكيم "ان الامام الحكيم لا يفهم الطائفي بمذهب الحاكمين ، بل بممارسة الطائفية ،فلعل أقطاب الحكم كافة من السنة ولم يمارسوا الطائفية افضل لديه من حكم شيعة كافة ويمارسون الطائفية"وما يمكن الاشارة اليه في هذا السياق العابر هو اهمية افكار وتصورات هذا الشهيد العظيم في وقتنا المعاصر وظرفنا الراهن ونحن نواجه ابشع حملة طائفية يراهن عليها اعداء العراق لتمزيق الوطن واجهاض التجربة الديمقراطية في العراق والتي أستشرفها العلامة المجاهد الشهيد السيد مهدي الحكيم وسعى الى تحقيقها منذ اربعة عقود من الزمن.
https://telegram.me/buratha