د.طالب الصراف
من يريد الدفاع عن حرية التعبير والنضال في سبيلها عليه ان يتخذ من وسائل الاعلام وبجميع اشكالها سبيلا ووسيلة لتحقيق هذا الهدف السامي لاننا اليوم في عصر ما بعد العولمة الذي اصبحت فيه وسائل الاعلام توصل الخبر الى من يهمه الخبر في جميع اجزاء العالم. لذا اصبحت وسيلة الاعلام اكثر مضاء من الاحتجاجات السلمية بل وحتى من السيف الذي كان اصدق انباء من الكتب كوسيلة مقاومة ضد الذين يريدون قمع الحريات التي دافعت عنها الشعوب والمنظمات الانسانية منذ ظهور الديانات السماوية وبزوغ الحضارات الانسانية. لقد ذكر الله في كتابه العزيز:(يؤمنون بالله واليوم الاخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) ويتكرر قول الله سبحانه(كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر...) ثم يعيد ويذكر سبحانه وتعالى(ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون) الايات:,114 , 110 , 104 ,من سورة ال عمران, هذه الايات وغيرها في القرآن الكريم سبقت القوانين الاوربية باكثر من 1400 سنة في تبني قوانين الدفاع عن حقوق الانسان بواسطة كل وسائل الاعلام المتاحة في ذلك الزمن.
واذا كان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض له اهمية بمنزلة الصلاة والصوم والحج والجهاد فان وسيلة تنفيذه الاساسية هي حرية التعبير, وقد اكد ذلك نبي الاسلام محمد(ص) والامام علي (ع) في عهد كتبه الى الاشتر النخعي لما ولاه على مصر مرشدا وامرا اياه ان يحترم اراء الناس ويشجعهم وخاصة" الطبقة السفلى من الذين لاحيلة لهم والمساكين والمحتاجين واهل البؤسى والزمنى فان في هذه الطبقة قانعا ومعترّ"ا كما يقول الامام (ع). وهنا نرى ان امام المتقين يحث الولاة والفقهاء على تشجيع الناس على التعبير بحرية كاملة وبطرق حضارية ارقى مما في اورباحيث يحث الوالي على الجلوس مع الرعية وتدريبهم على ذلك كما يقول:" وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك, وتقعد عنهم جندك واعوانك من احراسك وشرطك,حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع, فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: لن تقدس امة لايؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع". فبي الاسلام (ص) وامام المتقين(ع) يجعلان من التعبير الحر الذي يهدف الى تربية وتقويم المجتمع فريضة على الناس, فالجهاد اليوم باللسان امضى من الجهاد في السلاح,ويستمر الامام (ع) بتوجيه النصح والارشاد للولاة واصحاب الامر ان لايتكبروا على الناس ولايشعرونهم بانهم اعلى منزلة منهم لانهم اصحاب امر ونهي لان هذا ادغال في القلب ومنهكة للدين واذلال الناس.
وحين يربط المتتبع لمسيرة التأريخ بين الماضي والحاضر فانه لايرى ان طبيعة الانسان قد تحولت من الاسوء نحو الاحسن بل يرى احداثا ووقائع قد تكون امرّ من الماضي, فقد شاهدت امرأة وابناءها على شاشة تلفزيون الفرات يوم 03-12-2009 قائلة: انها من اهالي البصرة انهزمت من ظلم صدام الى كربلاء قبل عشرين سنة وهي اليوم وابنائها واحفادها يتضورون الجوع وشغف العيش وتخيم عليهم الامراض رغم انهم كانوا من المجاهدين لنظام صدام ولكن لاعطف عليهم من الذين وصلوا الى مناصب رفيعة في الدولة وكانوا ينظرون الى الطاغية ويقولون فيه كما كان هؤلاء الفقراء المجاهدين . هذا النوع من الاعلام يجب ان يتكرر يوميا لاظهار صوت لمن لاصوت لهم دون الاقتصار على الدعاية للمسؤولين وبطانتهم. ولكن الذي يبدو ان الصوت المسموع للسياسيين فقط واصحاب المال ووعاظهم وترك الحديث عن المصالح العليا للشعب الذي يعيش الكثير من ابناءه تحت خط الفقر.
والمشاهد المتابع متأكد ان امثال هذا المشهد يذكر في وسائل الاعلام الاخرى واتمنى الاكثار منه لأنني اتابع يوميا محطة الراديو اللندنيه LBC التي تتحدث عن مشاكل المجتمع البريطاني وخاصة اللندني واستطيع القول ان هذه البرنامج يستمر مدة 14 ساعة او اكثر يوميا اذ يتحدث الناس فيه عن امورهم المعاشية والاجتماعية وحقوقهم القانونية والسياسية بل حتى عن العراق رغم انها محطة اعلام محلية, فمنذ عدة ايام انشغلت محطةLBC باستقراء اراء الناس عن اشتراك بريطانيا بتغيير نظام صدام وهي تحاول حتى اليوم استطلاع الاراء والنقاش مع عامة طبقات الناس في ابداء الرأي عن صحة او عدم صحة اشتراك بريطانيا مع امريكا في الاطاحة بصدام وغيرها من الامثلة التي توسع الذهن وتشجع المواطن في معرفة حقوقه وابداء الرأي.
وحين نستشهد بايات قرآنية واعلام عراقي واخر بريطاني وبالامكان سياق امثلة لاحصر لها, نريد ان نقول لماذا لايقف الاعلام العراقي الذي يتمتع بالحرية وقفة شجاعة بالرد على قرار ماردوخ السعودية الوليد بن طلال الذي حجب قناة العالم عن القمرعربسات وكذلك نايلسات, فهل يريد الاعلاميون والسياسيون العراقيون ان يكون مثلهم مثل قصة الثور الابيض والاسود والاحمر. نعم تحثنا الايات القرآنية على( الامر بالمعوف والنهي عن المنكر) ولكن كيف نجسد هذا؟ هل نفعل بمثل ما قام به التكفيريون من قتل وسلب وهتك للاعراض؟ ابدا لا والف لا. نحن نريد التمسك بحرية التعبير التي يدافع عنها الاعلام النزيه, الاعلام الذي لايمسه المال السحت كاموال السعودية التي تحمل في طياتها المتفجرات والاغتيالات والاختطاف.
ان ديننا الاسلامي يحثنا على نصرت المظلوم على الظالم ونحن اخترنا أضعف الايمان بالقلم والكلام وبكل ما تحت كلمة الاعلام وقوانيه Media Law وعولمتة الانسانية لاالتكفيرية ولا الطاغوتية. نريد اعلاما يقف بكلمته المهذبة القوية وبلسانه الذي يرتفع فيه صوت الحق, اوجه هذا الى الاعلام العراقي المسؤول لانني كعراقي اعيش في المملكة المتحدة ارى وبشكل موضوعي ان حرية التعبير في الاعلام العراقي هي ارقى واكثر واسمى مما يمارسه اغلب اعلام الدول العربية, ولربما يقل في مساحات تقنية كاستخدام الوقت الذي هو اهم شيئ في مزامنة الاحداث في الاعلام المتحضر, فلا نريد من اعلامنا ان يصبح نسخة من البرلمان العراقي الذي يمكن ان يفقده قيمته الوطنية وسلطته الشرعية شخص واحد لنصبح اليوم مهزلة امام العالم المتحضر وهذا ما نقرأه ونتابعه في الصحف الامريكية والاوربية في تصوير الانتخابات العراقية المؤجلة نتيجة تحصيل حاصل لما انتجه تصرف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي, واصبحت نتائج هذا الفعل تخجل المواطن العراقي عن الحديث والافتخار بدستوره الهش الذي يمكن ان يعطل بارادة شخص واحد كما كان في عهد دكتاتورية صدام الا انها اليوم دكتاتورية مشرعنة يدعمها دستور لامثيل له بالعالم في طمس وسحق حقوق الاكثرية التي تعني الديمقراطية بالمعنى الحرفي لها,اما من حيث الضعف والثغرات فقد صرح بذلك رئيس جمهورية العراق السيد الطالباني في الرد علي سؤال صحفي يوم 04-12-2009حين قال: هنالك الكثير من الثغرات ونقاط الضعف في الدستور العراقي وكان نائبه (الرئيس "الثالث")واقفا بجانبه. هذه الغام مؤقتة زرعت في الدستور العراقي لكي تفجر متى شاءت الدول الكبرى وعملاءها في المنطقة خلق ازمة واهانة للشعب العراقي. وهنا لابد من القول ان المواطن العراقي في المهجر يخجل من التحدث عن دستوره وديمقراطيته نتيجة هذا التصرف المشين من قبل السيد طارق الهاشمي. لذا نريد اعلاما يدافع عن حقوق المواطنين ولاتلومه في الحق لومة لائم وفي نفس الوقت يدافع عن الحق وحرية الاعلام ولايبقى متفرجا على ما حدث لقناة العالم بينما نرى مواقف اعلام الدول الاخرى ورجالاتها كتركيا وبعض الاقطار العربية بل والاجنبية ينتقدون التصرف المشين للدولتين السعودية ومصر في حجب قناة العالم وكبح حرية التعبير.
ان صمت الاعلام العراقي الذي لايندد بماردوخ السعودية (الوليد ابن طلال) الذي له علاقة حميمة ومصالح مشتركة مع المليونير اليهودي Rupert Murdoch صاحب اكبر شبكة لوسائل الاعلام في العالم لما قام به وبالايعاز من حكومته في حجب قناة العالم من الظهور في القمرين عربسات ونايلسات. الصمت الذي يخيم على الاعلام العراقي لايفسر الا بوجود حذر وتخوفات من مصادر لاتزال بقايا الدكتاتورية تؤثر على حرية التعبير رغم سقوط الدكتاتور سنة2003. لقد شاهدنا على شاشات التلفزيون وطالعنا الصحف العربية والاجنبية وهي تنتقد ماردوخ السعودية وحكومته والحكومة المصرية لتصرفهم الغير قانوني في حجب قناة العالم ولكبت اصوات الحرية التي يحميها قانون المحكمة الاوربية لحقوق الانسان حسب الفقرة(2) الثانية من المادة (10) التي تقول:" ان حرية التعبير تقوم ببناء اهم مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ومن شروطها الاولية هو الاخذ بكل فرد من افراد المجتمع نحو التطور والتقدم. وان هذا الكلام ليس مجرد معلومات او افكار اوتفهم على انها اطراء او استرضاء, ولكن هذا المادة تقاوم ايضا الاعتداء على حرية التعبير التي تسبب الى الدولة او اي قطاع من قطاعات المجتمع المدني التشويش والصدمة. وكذلك المطالبة بالتعددية والتسامح وتقبل الاخر ولا ديمقراطية دون ذلك".
ان قمري عربسات ونايلسات يفرغان حيزا كبيرا للقنوات الخلاعية والمنافية للاخلاق والمبادئ الاسلامية والعربية ولكنهما يحاربان وسائل الاعلام التي تدفع المجتمع للسير نحو الديمقراطية وبناء الاخلاق الاسلامية وحرية التعبير.ولكن كان جزاء ذلك ان يجتمع وزير الاعلام المصري مع السعودي في المملكة السعودية لاصدار قرار الحجب لقناة العالم الاخبارية التي تنوء بهموم الامة والتي لاتتغافل عن عمل يمس مقدرات الامة الاسلامية الا وكشفته, كما تفضح اليوم المجازر والابادة التي تقوم بها السعودية وشبيه صدام علي عبد الله صالح باليمنيين اصل العروبة التي يتبجحون بها. بالاضافة الى ذلك فان القناة كشفت تدخلات السعودية في شأن دول الجوار ومن بينها العراق الذي صدرت الآف الارهابيين اليه ودفعت ملايين الدولارات لبعض قادة الكتل الانتخابية للتأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية.
صحيح ان الحضارة الغربية تدافع عن حرية التعبير بكل وسائلها المرئية والمكتوبة والمسموعة وتفتخر بها كانتاج لحضارتها, الا ان حكومات الدول الغربية حين ترى ان هنالك حبس وكتم لاصوات الحرية في مكان غير الجغرافية الاوربية تفضل السكوت حتى تنطلق صرخات وسائل الاعلام الشريفة فتصبح تلك الحكومات في موقع مساوم وبراكماتي حيث لاتريد ان تفقد مصالحها الاقتصادية والستراتيجية مع تلك الحكومات الدكتاتورية من جهة ولافقدان مصداقيتها دفاعها عن الديمقراطية وغضب شعوبها من جهة اخرى, وهنا لابد من الاشارة الى اجتماع دعيت اليه وكان المتحدث الرئيسي في الجلسة رئيس حزب الاحرار البريطاني السيد Nick Clegg الذي ولد في بريطانيا كالكثير من ابناء العراقيين والمسلمين والجنسيات الاخرى وجده من الاب من اصل روسي وامه من اصل هولندي وزوجته اسبانية وسياق الامثلة كثيرة على الاختلاط في النسب للقيادات السياسية الاوربية والامريكية, ومن بين السطور المهمة في كلمته بعد ان تحدث عن نسبه ان شعوره ومشاعر حزبه بوقوع الظلم على الاخريين وحب الديمقراطية وحرية التعبير والدفاع عنهما هو شعور عالمي غير مقتصر على ابناء بريطانيا وذكر المستمعين بموقف حزبه اثناء الحرب على غزة. اما ابناء الامة العربية الاسلامية ان صح هذا الوصف فاطلقوا على الشيعة في العراق القابا شتا فمرة يكتشفهم صدام بان اصولهم هندية ومرة تصفهم حثالته بالصفويين امثال صالح المطلك ومثال الالوسي وطارق الهاشمي مسؤول الصداميين في الكويت حتى فترة الغزو سنة 1991 وغيرهم من الذين ينعقون مع كل ناعق اذ لايهمهم ان يخدموا تحت صدام او بريمر او السعودية وهم يعرفون ان اصل الشيعة اكثر اصالة من اصولهم.
فعلى العراقيين الذين يشعرون بالحياة الديمقراطية عليهم ان يطبقوا بعض مفرداتها وان يشعروا بشعور الاخرين وان يدافعوا عن حرية التعبير اين ما وجدت فكم من ادعى الدفاع عن المراسل العراقي الزيدي واقيمت الدنيا ولم تقعد والمدافعون يعرفون مصيره جيدا اذ لاضرر ولاضرار عليه بعد سقوط صدام. فلماذا السكوت عن كلمة الحق ياقادة الاعلام العراقي لماذا هذا الصمت وكأن على رؤوسكم طير ابابيل لاتسنطيعون نصرت اعلام القيم والاخلاق اعلام قناة الاعلام. لقد انتهت ايام الدكتاتورية وكونوا احرارا, دافعوا عن الاعلام الحر لانكم سوف تحتاجونه يوما للدفاع عنكم وعن مثلكم العليا. ومن يسكت عن صوت الحق كالشيطان الاخرس, انتفضوا باقلامكم واصواتكم للدفاع عن الحرية والديمقراطية وكلكم يعرف ان قناة العالم الجريئة التي تحدثت عنها حتى الاصوات المعادية لنهج القناة بانها دائما تنطق بكلمة الحق. واني واثق بان اعلام الاكثرية المطلقة من الاحرار العراقيين سوف يلتزمون بقول نبيهم محمد(ص) :" افضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان جائر". والمعروف عن الاعلام الحر في العراق اكثر من غيره مدافعا عن الحريات العامة ومنها حرية التعبير التي لاتستطيع اي قوة داخل العراق ان تكم افواهها بل بعكس ذلك نسمع الافواه تعتدي علينا وتجرح مشاعرنا ومعتقداتنا ونحن راضين مرتضين ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل , ان صوت الحرية الذي غرضه الاول والاخير النهوض بتفكير المحروميين ووعيهم الديمقراطي وتشجيعهم على حرية التعبير هو السبب الذي دعا الحكومات الدكتاتورية في حجب قناة العالم قناة الاحرار الذي دافع عنها اليوم المواطن والاعلامي الجزائري والمغربي والمصري والاوربي بل وحتى المواطن الامريكي.
ان الكثير من الاعلامين يعتبرون الاعلام العراقي بعد 2003 من اكثر وسائل الاعلام حرية في منطقة الشرق الاوسط, والاعلاميون اليوم في العراق هم جذوة الاعلام الديمقراطي ومنهم انطلقت الاقلام الحرة, فعليهم الوقوف امام الهجوم البدوي المتخلف هجوم رعاة الجمال على معاقل الحرية كما هجموا عليه سنة 1801م وسرقوا مراقد الأئمة الاطهار. ولكن اذا كان الهجوم في ذلك الوقت بالسيف والبعير فاليوم بقمر عربسات ونايلسات والدولار. ولكن اعلام الاحرار ليست حرفة يرتزق منها الاعلاميون بل هي مهنة الشرف التي تساعد وتوفر للمواطن حرية التعبير وان هذا الحق لايمكن ان تجرد منه اي فئة اجتماعية او مؤسسة مدنية ولا يسحب منها مهما كانت الاسباب, وخاصة ان قناة العالم الفضائية لم تمس السلوك الاجتماعي والاخلاقي كما نشاهده على بقية شاشات التلفزة العربية وخاصة محطات التلفزيون التي تهيمن عليها الحكومة السعودية وقمر ماردوخ ال سعود الذي لايضيف الا الفساد للمفسدين.
د.طالب الصراف
https://telegram.me/buratha