صفاء الفرطوسي
في هذا اليوم وفي مطلع كانون الأول من كل عام يخرج أبناء جنيف السويسرية بكل أصنافهم ومشاربهم ، يخرجون الى شوارع مدينتهم الهادئة يملئونها فرحاً واحتفالاً ، فترى الألعاب الشعبية والنشاطات الفلكلورية قائمة في كل شارع وعند كل منعطف لإحياء يوم العمة كيوم الذي حدث في مطلع القرن السابع عشر الميلادي ، وبالتحديد في 2 كانون أول عام 1602وكيوم بالكاف المعجمة المفخمة كما نلفظها بالعامية هي عمة أهالي جنيف قاطبة بدون منازع !!! كيف أصبحت هذه المرأة البسيطة الخاملة الذكر عمة وبكل جدارة لكل أبناء هذه المدينة السويسرية ؟ ولماذا نرى اليوم كما في كل أول سبت من كانون الأول من كل عام قدوراً ضخمة ذوات أرجل ثلاثية تملاْ شوارع المدينة مملوءةً بالشوكلاتة يتذوقها ممن ينتسب الى العمة كيوم وضيوف مدينتهم ممن يمر سريعاً سائحا أو من يقيم بها من سائر أصناف البشر ؟!!!! حتى لاأطيل عليك حيرتك مع هذه العمة وقدورها الضخمة فسأحدثك عن يومها الخالد في وجدان أبناء مدينتها رغم مرور أربعة قرون ونيف على ذلك الحدث ... ففي 2 - 12 - 1602 وعندما كان أهالي جنيف يغطون في نوم عميق تسلل الفرنسيون وأحاطوا بأسوار المدينة ينوون اقتحامها واستباحتها . ولم يكن أحدُ يسمع همسات الجنود الغازين إلا كيوم ، تلك المرأة التي كانت تعد قدراً كبيراً من الحساء لأهلها حين سمعت حركة تثير الريبة لديها !! شاهدت بعض الفرنسيين يصعدون السلالم لاقتحام مدينتها الجميلة ، فما كان منها إلا أن دلقت قدر الحساء المغلي على رؤوس المتسللين على السلم فصاح الجنود من الألم وسقط بعضهم وحدثت جلبة أفاق على أثرها أهل المدينة فشاهدوا الفرنسيين يحاولون اقتحام مدينتهم ، إستعد السويسريون وتهيئوا لعدوهم ودارت معركة خاطفة طردوا فيها الغزاة وأجبروهم على التقهقر يجرون أذيال الخسارة ويلعقون جروحهم الممزوجة بحساء ( كيوم ) الحارق . ومنذ ذلك اليوم حفظ أهالي المدينة لهذه المرأة جميلها في حفظ كرامتهم فأطلقوا عليها لقب ( العمة ) واستمر الإحتفال والعرفان بالجميل الى هذه السنة وأظنه سيستمر طويلا !! تحسرت كثيراً وتمنيت أن يكون لنا عمةً مثل هذه العمة السويسرية بعد أن يأسنا من (العمام ) !!! ماذا لو رزقنا الله تعالى عمةً مثلها نحتفل بيومها كل عام حيث نملاْ شوارع مدننا قدوراً تحمل حلاوة أو أي شيء نوزعه على بعضنا وزوارنا فرحاً بعمتنا المفترضة هذه ؟!! وهل سيقدّر لأحد أحفادي ولو بعد حين أن يتذوق حلاوة عمته المناضلة ؟ هل نستطيع أن نخلد مناقب أبطالنا على طريقة أهالي جنيف ولو بنكهة عراقية بحتة ؟أمنية سأتحسر عليها ويتحسر معي الكثيرون !! بقي شيئ مهم جداً لابد من ذكره ! لقد حدثني أحد الأخوان بأنه قد قرأ قصة العمة كيوم في كتاب المطالعة العربية للصف الرابع الإبتدائي في المدارس العراقية مطلع ستينيات القرن الماضي ،كان عنوان الموضوع هو : ( نساء سويسرا يهزمن جيش فرنسا )، وكان وقتها لم يسمع بسويسرا ولا بجنيف !!!!هل كانت المناهج سابقاً ألصق بوجدان العالم منها في يومنا هذا وفي قادم الأيام ؟ !!!لابد ان نشير هنا للذكرى فقط أن المرحوم الشيخ محمد رضا الشبيبي ، ومن أزقة النجف الأشرف قد كتب قصيدة في كارثة غرق السفينة الشهيرة ( تايتنك) عام 1911 م بعد أيام معدودة من غرقها !!! فقط للذكرى !!!!
صفاء الفرطوسي - هولندا
https://telegram.me/buratha