د. ناهدة التميمي
حاولت جاهدة ان اوهم نفسي في ليلة العيد باني سعيدة وفرحة بقدومه .. استذكرت كل طفولتي عندما كنا نسهر مع جدتي الى اشراقات الفجر الاولى وتباشير الصباح وهي تصنع كليجة العيد ابتهاجا بقدومه وفي الفجر تذهب الصواني مرصوصة بالكليجة الى الفرن لشيها .. تذكرت في ليلة العيد كيف كنا نجلس او ننام حابسي الانفاس بانتظار انبلاج الفجر للاحتفال بالعيد واستلام العيدية وكيف كنا نبيت ليلتنا صاحين وثياب العيد جنبنا او في الدولايب نتمم عليها في كل لحظة ونملي النظر من الوانها البهيجة والاحذية البراقة من الروغان الابيض او الاسود او الاحمر فتبهجنا وتزيدنا حماسا لاستقبال فجره والانطلاق الى المراجيح والمتنزهات العامة التي كانت تحفل بها الكرخ القديمة ..
هذه الافكار والاجواء شحذت همتي وذكرياتي العذبة فاسرعت الى اقرب سوبر ماركت وابتعت كيكة للاستعاضة عن الكليجة.. وفستق ولوز وبندق وجوز وبقلاوة من متجر تركي قريب وهيات نفسي ولو كذبا لكل مظاهر الفرح لان القلب ادماه ماجرى للعراق والموت الذي يحاصره ذبحا وتفخيخا وتهجيرا وتشريدا وفقدان للاعزاء في حرب العبث التي شنتها الطوائف على بعضها فتركت وشما غائرا وندوبا في القلب مازالت عصية على الالتئام المهم حاولت ان اعيش اجواء الفرح وكنت قد غسلت كل قطعة ملابس او اغطية اوافرشة استعلمناها عملا بمقولة جدتي رحمها الله استقبلوا العيد وكل شيء في البيت نظيف جدا ولاتدعوا قطعة ملابس متسخة او مستعملة الا وغسلتموها لتتجدد حياتكم بالامل والخير .. لبست ملابس جديدة وتعطرت وجلست امام التلفاز انتظر واترقب ام كلثوم لتصدح ( الليلة عيد ) وتشجينا ولتأذن رسميا بالدخول باجواء العيد لان ليلته لاتكتمل الا بهذه الاغنية الجميلة التي ارتبطت في ذاكرتي بالبهجة والفرح الطفولي وهذا ما اعتدنا عليه منذ نعومة اظفارنا كانت اول محطة صادفتني هي العراقية وكان مراسلها في زيارة الى ميتم وملجا للاطفال .. وبينما هو يلتقي اطفال حلوين بعمر الورد يفيضون براءة وجمال اذ كانوا باسمين وهم يقصون حكاياهم المحزنة عليه وعلى المشاهدين.. قالت حسناء صغيرة ان ابيها قتله الارهابيين وهو عائد من محله في الليل فاتوا بها الى هنا ولاتعلم شيء عن اهلها.. وقالت اخرى ان الارهابيين دقوا عليهم الباب ليلا وعندما فتحوا الباب قتلوا ابيها وهربوا ...
في هذه الاثناء انفجرت طفلة كانت واقفة بعيدا عنهم قليلا ببكاء مر ومؤلم .. هذه الطفلة ذات الاربع او الخمس سنوات كانت نحيلة وشاحبة وقد بدا عليها الذل والانكسار والالم .. وعندما اقترب منها المراسل وسالها عما يبكيها قالت بمرارة ابي الشاب الذي مرض فجاة بالكنكري فقطعو ا ساقيه ولكنه بعدها بفترة قصيرة مات وتركنا بلا معيل او مأوى فتشردنا ولااعرف اين اخوتي ولكن جيء بي الى هنا.. طبعا هي عبرت بكلماتها ومصطلحاتها الطفولية وهي تجهش وتختنق بالبكاء.. هذه الطفلة لم تستطع ان تنسى ذل اليتم ووطأة المرض وبلاء الفقر والحاجة التي ابعدتها عن اخوتها ودفء اسرتها مرغمة.. بكيت مع هذه الطفلة كثيرا مما افسد ليلتي وفرحتي بالعيد .. وقلت واقول باعلى صوتي متى يصدر قانون يحمي الطفولة ويكفل الايتام والاسرة التي تفقد معيلها ومتى يكون لدينا نظام صحي ورعاية اجتماعية تحمي الجميع من جشع الاطباء وتحمي الاسرة اذا كانت الام غير قادرة على اعالة اطفالها حتى لايتشردوا ويشعروا بوطاة اليتم لان الاطفال هم رهان المستقبل .. متى ..!!!لماذا لايعرف الانسان في بلدي انه مريض بمرض خطير الا بعد ان يستفحل المرض ويفوت الاوان ذلك لانه يخاف مراجعة الاطباء والعيادات التي لايقوى على تكاليفها هذا ما احزنني وابكاني وافسد فرحتي في العيد.. قلت رحماك ياربي حتى الفرح الكاذب لم اظفر به ..!!
https://telegram.me/buratha