عمار البغدادي
كان الزيدي .. وهو يعيش زهو ما أقدم عليه في بغداد .. يتوقع مهرجان فرح واستقبالاً حافلا ليس اقل من استقبال الفرنسيين للجنرال ديغول الذي عاد على ظهر سفينة بريطانية إلى باريس !!.ولكثرة الكلام القومجي الذي زق في اذنيه على السنة القوم العرب الذين يحبون العراق من نواكشوط حتى المنامة تصور (الشاب منتظر) أن استقباله في أية عاصمة سيكون على درجة الحدث الذي زفه للناس وهو يقذف حذائه ثم يطاح به بين يدي مجموعة من الأيدي والأرجل ولايرى منه سوى بقية عيون وصوت استغاثة لطالما سمعناها في معارك الأزقة البغدادية .ما الذي حصل في باريس ؟.. وهل كان منتظر الزيدي يتوقع صفعة الحذاء الذي لون خده المعفر بالدلال العربي ودولارات البغدادية وزهو القصائد العربية التي امتدحت فعلته ليس حبا به وبفعلته قدر انفعال شارع لا يستطيع أن يبين عن نفسه الا باسلوب الزيدي .. وهل أدرك الزيدي ساعة (سقوط الحذاء) على خده سوء التصرف وغباء الطريقة ؟.الان .. أدرك الزيدي أن الزمن كفيل برد الصفعة حتى وان كانت من النوع المخجل .. وان الأيام ستبدي له سوء الفعل وان سلوكه هذا انطوى على تقدير سيء لما يمكن أن يواجه به (رئيس) كان بالامكان تعديل اسلوب مواجهته في الإعلام بشيء من العقل لاكتساب صفعة اكبر من استخدام الاحذية والارتقاء بالفعل في اللحظة التي فقد الزيدي فيها اعصابه أمام الرئيس إلى حيث يرتقي الصحفي المسؤول عن استخدام المهنة لغايات رذيلة !!.في بغداد تصور الزيدي انه نال من بوش بالمشهد التلفزيوني الذي شاهده الناس .. وفي باريس اهين الزيدي بحذاء عراقي .. فهل شعر الزيدي بالاهانة ؟.اعتقد .. أن الزيدي شعر بالاهانة والحرج في تلك اللحظة .. وربما خطر بباله لو انه لم يقدم على مغامرة مهاجمة الرئيس الأمريكي بحذائه .. فالشعور بالاهانة لاعلاقة له بالألقاب والمسميات والمواقع ومن يهان سيشعر بهوانه على الناس .. وإذا كان الرئيس بوش اقالها بضحكته وجملته الشهيرة (هذا ثمن الحرية) فان الزيدي لن يقيلها ولا باطنان الجمل العربية ولن يتجاوز عثرتها وان غمس عباراته بسبائك الذهب العربي الخالص ، وهذا ماحدث بالفعل .. فمن ينظر إلى نهايات استخدام الحذاء في المشهدين البغدادي والباريسي يدرك براعة بوش في تجاوز رميه بالحذاء وصدمة الزيدي وهو يشهد عودة حذائه على رأسه مرة أخرى ، وفي هذا درس في غاية الأهمية ..في المشهد الأول يعرف بوش كيف يتخلص من الحرج أمام جمهور المراسلين والمشاهدين بالعبارات الأنيقة وخفة الدم .. واخيرا الصفح عن الزيدي في مشهدية مؤثرة بالغ الرئيس في توصيف معناها وان انطوت الحركة على فعل جنائي .. تماما كما تعامل الحبر المسيحي مع الشــاب التركي الذي أراد اغتياله في السبعينات .وفي المشهد الثاني .. لم يدرك الزيدي وهو يقدم نفسه لجمهور العرب في فرنسا أن الفعل قد لايكون فعلا وطنيا بالضرورة فيسقط في ذات القرار الذي أقدم عليه وياتيه الحذاء من عراقي سخر من فعله الزيدي ومن (المقاومة الشريفة) التي تشدق بها هذا الشاب المنفعل !!.ان الفعل الوطني ليس انشودة عن الوطن والتراب ومعارك التاريخ الغابرة .. كما هو ليس خطابا انفعاليا يلقيه شاب لم يعش غمرات الافتتان المسؤول باستحصال السيادة الوطنية وجولات التفاوض مع الطرف الأمريكي والدولي .. ولم يشهد تحديات حقيقية تصقل ذهنيته وتبلور رؤية ذاتية عن الهوية والمسؤولية وقيام العهد الوطني وحكومة العدالة والحرية والدفاع عن الثوابت .. الفعل الوطني مسؤولية وإدارة ملف وطني والتزام حقيقي برسالة قيام الأوطان .يبدو أن الزيدي تمسك بالانشودة وخلود الصورة التلفزيونية على هزالة المشهد وأهمل الرسالة والعدالة والحرية .لكن ..ماذا سيقول العرب من أصحاب جلالة وكتاب ومثقفين وفلاسفة مقاومة وقد دبجوا المقالات العصماء عن فعل المقاومة الشريفة وضابطها الشجاع منتظر الزيدي .. بعد ما حدث في ليل باريس الجميل ؟.هل يرمون الفعل على الرئيس ساركوزي وهو يتواطأ مع الولايات المتحدة والصديق جورج بوش ضد الاخ المناضل منتظر الزيدي ! .هل سيقولون أن الدعاية الأمنية الصهيونية كلفت رجلا عراقيا لمهمة مهاجمة الزيدي لأن منتظر عرى الصهيونية والاحتلال في عقر داره ؟.ربما سيقولون أن الرئيس السابق للولايات المتحدة ولأنه من ولاية تكساس .. أم المسدسات وأفلام الاكشن والكابوي كلف من يهين الزيدي في باريس بعد خروجه من السجن البغدادي ..سيتحدثون كثيرا عن تاويلات وتفسيرات بحجم أطنان الحنطة في ماليزيا .. ويثيرون الكلام الطويل العريض عن بطولة الرجل الذي تلاحقه الدعاية الصهيونية والأمريكية لاغتيال الحقيقة !!.هنا نقول .. لا الصهيونية ولا اسرائيل ولا المخابرات الأمريكية مسؤولة عن شيء من هذه التاويلات والتفسيرات السطحية .. وإذ تنم هذه التفسيرات عن شيء من السذاجة واشياء من لغة الشماتة بالعراقيين .. فان الخاسر الوحيد في كل هذا الذي يثار في بغداد وباريس وعواصم الاحذية العربية هو الزيدي نفسه !!.لقد خسر جزءا كبيرا من الوسط الإعلامي المحلي الذي استنكر الفعل ووقف إلى جانب الحقيقة الغائبة حقيقة الوطن الذي لابد أن يعود إلى شعبه ، وخسر كل الشرفاء الذين يدافعون بالعقلانية والكتابة الشريفة ويقودون الإعلام الوطني الملتزم وسفه نفسه وقدم نموذجه واحدا من بقايا المليشات غير الثورية وهي تلتقط الصورة والأنفاس من اجل الإساءة للعراق وشعبه وقدم صورة غبية عن الصحافي الغبي الذي لا يقيس المسائل الوطنية بروح الاعتدال والإنصاف قدر اعتماده على مقاس الاحذية الكبيرة مقياسا لعدالة القضايا الوطنية وخسر كل العيون العــــاقلة التي تقف إلى جانب نضالات الشعوب وفي مقدمتها الشعب العراقي ..الزيدي بعد رميه بالحذاء العراقي في باريس ليس سعيدا بما أقدم عليه في بـــغداد .. وسيكون اسعد لو انه اختفى عن الأنظار وتوارى عن المشهد بشقة على نهر باريسي يتذكر على مواجه كل صباح حكاية .. واحدة بواحدة سيدي الثعلب !!.
https://telegram.me/buratha