مهـدي زايـر جـاسم
إن قدرة الفساد المستمرة على توسيع مجالاته تأتي من غياب الرقابة، فكلما زادت الرقابة تراجع الفساد، وكلما تراخت الرقابة توسع الفساد. وهناك نوعان من الرقابة اللذان يمكنهما وقف زحف الفساد، وجعله يتراجع: الأول، الرقابة السياسية، مما يعني مشاركة المجتمع في إدارة شؤونه عبر منحه القدرة على التأثير في القيادات السياسية الموجودة على رأس الدولة، وهو ما يحتاج إلى الحريات السياسية.
الثاني، الرقابة الإعلامية، وهي الرقابة الضرورية من أجل ملاحقة كل وسائل الفساد في كل المجالات والقطاعات. ولأن الفساد له القدرة على تمويه نفسه، فإن الوظيفة الأساسية للإعلام هو كشفه بكل تمويهاته. ولكن هذا ما يتطلب إعلاماً حراً، ولأن المجتمع يعمل كآلة متكاملة، فإن الحرية الإعلامية تتكامل مع الحرية والمشاركة السياسية، للوصول إلى الأهداف الأساسية التي يصيغها المجتمع لنفسه، ولإيجاد رقابة فعالة في مواجهة أي خروج عن القانون، أو أي توظيف شخصي للقانون، يجعله يؤدي خدمات شخصية مادية أو معنوية.
ولأن المعركة مع الفساد معركة قاسية وطويلة فهي تحتاج إلى دعم الإعلام من قبل جميع الهيئات العاملة في السلطة مثل مجلس النواب ورئاسة الوزراء ومجلس الرئاسة، ومنحها الحق في أداء العمل الصحفي بكل مهنية وموضوعية ولكن أيضاً دون خوف أو ملاحقة، مما يعني الحاجة إلى حماية الصحفي في عمله خصوصاً العاملين في قضايا الفساد.
إن نجاح وسائل الإعلام في معركتها ضد الفساد لا يتوقف عليها وحدها، فهذا النجاح يتوقف أيضاً على عناصر خارجية، بما فيها قوانين حرية الصحافة والتي تضمن عمل الصحفي ولا تسمح لأحد بالتعرض له إلا في إطار القانون، وقانون حماية الصحفيين الذي لايزال مركون على رفوف البرلمان وهذا النجاح يحتاج أيضاً إلى قضاء مستقل استقلالاً حقيقياً، وإلى بيئة معادية للفساد تسمح لوسائل الإعلام بأن تكون رادعاً فاعلاً لمرتكبي جرائم الفساد.
ومن أجل الحماية الذاتية للصحفي، يجب أن تكون السلامة في العمل من أهم عناصر التدريب الصحفي، وهذا يقتضي عند توافر الموارد الضرورية، العمل في فرق عمل، مما يجعل الضغوطات أصعب، كما يجب على الصحفي الذي يعمل في قضية فساد إبلاغ الزملاء في العمل عن تحركاته ؛ لأن العمل في قضايا الفساد يحمل دائماً مخاطر شخصية على الصحفي ولا شك بأن هناك حاجة إلى تنظيف البيت من الداخل.
فالعديد من وسائل الإعلام ذاتها تعاني من ظواهر الفساد، ولا يستطيع الفاسد نفسه محاربة الفساد وإلا تحولت محاربة الفساد إلى قضية سخرية، ولسوء الحظ يتفشَّى تقاضي المال مقابل الترويج لأمور معينة في كتابة المقالات في العديد من الصحف، فهناك من يعتبر أن تقاضي الصحفيين المال مقابل ما يكتبونه في مقالاتهم أمر شائع وعادي وليست قضية ذات أهمية.
يشكل الفساد كارثة حقيقية على المجتمعات، وتزداد كارثيته في الدول الفقيرة. ولأن أغلب دول العلم الثالث تندرج ضمن هذه الدول، ولأنها تفتقد إلى آليات رقابة فعلية على الفساد سواء سياسية أو إعلامية، فإن الحاجة إلى إطلاق الإعلام في ملاحقة الفساد الذي أصبح يعشعش في كل مكان، باتت حاجة ضرورية، وإلا فإن الفساد سيتسبب في انهيار العديد من الدول بحكم الشمولية التي وصل إليها الفساد، حتى كاد يتحول إلى نمط إنتاج أو اقتصاد موازٍ لم يعد الصمت ممكناً، ولم يعد الانتظار ممكناً، لتطلق وسائل الإعلام على الأقل في هذه المعركة وإن كانت غير متكافئة.
https://telegram.me/buratha