عامر هادي العيساوي
يلاحظ المراقب لأحداث عام 1920 وما رافقها من قيام الثورة وفشلها أن هناك ثلاث لاعبين كبار في الساحة العراقية وهم بريطانيا العظمى وإيران وتركيا وان هذه القوى الثلاث كانت تتحاور فيما بينها من اجل تقرير شكل الدولة العراقية المقبل0 ومن المعلوم أن إيران كانت تؤيد ثوار العشرين وتدعمهم بالمال والسلاح ولكن الثورة فشلت كما نعلم ولوحق الثوار وحكم على بعضهم بالإعدام او السجن او النفيومن جهة أخرى كان (الضباط العرب) وهم جميعا من كبار ضباط الجيش العثماني يرفعون شعار القومية والعروبة وينادون بقيام جمهورية يكون طالب النقيب على راسها0ومن جهة ثالثة كانت بريطانيا العظمى تعمل بثبات من اجل تأسيس ملكية دستورية يكون احد أبناء الشريف حسين ملكا عليها0ورغم المحاولات المستميتة التي أبداها طالب النقيب من اجل كسب ود البريطانيين لإنشاء جمهوريته العربية كما كان يقول الا أنهم أصروا على تجاهله, ومن مآثره في هذا الباب حين كانت ثورة العشرين في أوجها استدعاه احد المسولين البريطانيين وهو المدعو ولسن لمعالجة أمر القزان المغلي الذي أشعلت الثورة النيران تحته في بغداد, وبطريقته المألوفة وبدون أدنى تردد تقدم طالب واقتحم اجتماعا هائلا في جامع الحيدرخانة وطلب من الحضور الانصراف فورا إلى حال سبيلهم إذا كانوا لا يريدون إبعادهم على يديه, لقد كان الجميع يعرفون طالب النقيب منذ زمن بعيد ويدركون ما الذي يعنيه وهكذا ظلت بغداد هادئة ,ولك أيها القارئ ان تتصور الطينة التي صنع منها هؤلاء الذين يسمون أنفسهم ضباطا عربا ويدعون للثورة العربية وإنشاء الكيان العربي الموحد والمستقل والذين يعتبرون خلافهم مع الأتراك خلافا داخليا مما دفعهم إلى الدعوة بقوة إلى مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق ولكن عندما سقطت بغداد واندلعت ثورة العشرين تحول هؤلاء إلى أدوات لقمع الثوار فما عدا مما بدا؟ثم فوجئ طالب النقيب بتشكيل حكومة موقنة برئاسة عبد الرحمن النقيب وقد أسندت له فيها وزارة الداخلية وقد تردد في قبول المنصب الجديد ولكن صديقه عبد الله فيلبي نصحه بالقبول وبعد بضعة أسابيع قدم استقالته أملا في إثارة المتاعب للحكومة المؤقتة والانكليز ثم عاد وسحب استقالته بعد ان قدم لائحة بأسماء ثوار العشرين المنفيين من اجل ا عادتهم للوطن, وهكذا فجأة يرتدي الرجل رداء الوطني المخلص الغيور على أبناء بلده0وأخيرا ضاق الانكليز بتقلبات طالب النقيب ومشاكساته وانتهازيته فقرروا القبض عليه ونفيه إلى خارج العراق0وأخيرا توج الرجل الجليل فيصل الأول ملكا على العراق برعاية بريطانية وانطلق قطار الملكية الدستورية وفي ضل الغياب غير المبرر والمبهم التفسير للدور الشيعي إلى الحد الذي جعل بعض المحللين يعتقدون بأنهم ربما خدعوا او بيعوا وقبض ثمنهم من قبل جهة ما والله اعلم0ومنذ ذلك التاريخ وحتى سقوط الملكية عام 1958 كان يتصارع في العراق تياران سياسيان احدهما يقوده الملك الجليل فيصل الأول وينفذ سياسته على الأرض عراب السياسة العراقية الكبير المرحوم نوري السعيد0 ذلك التيار الذي كان يتقدم بالعراق إلى أمام بخطى بطيئة ولكنها ثابتة 0 لقد كان من أولويات هذا التيار بناء دولة القانون والمؤسسات ونشر العدالة وإنصاف المكونات العراقية التي همشت كالشيعة والأكراد وإشراكهم في العملية السياسية وفتح الباب أمام أبنائهم للانخراط في المؤسسات العسكرية حيث تم إعفاء أبناء العشائر العربية من شرط الشهادة وقد كلفت هذه المبادرة المرحوم جعفر العسكري وزير الدفاع حياته حيث تم اغتياله0 ولعل الشعار الذي كان يردده المرحوم نوري السعيد ( خذ وطالب) خير دليل على حكمة الرجل وإصراره على المضي بالعراق إلى حيث الحرية والاستقلال 0 اما التيار الثاني فهو تيار الضباط العرب وهم باختصار مؤسسو ا لطائفية السياسية المقيتة بأبشع صورها في العراق المتآخي منذ أقدم العصور, لقد نجح هؤلاء وعبر الشعارات القومية والعروبية الرنانة بالتزلف إلى السنة العرب وإقناعهم بان الخطر الحقيقي على العراق قادم من الشيعة فهم عملاء لإيران ولو قدر لهم الاستيلاء على السلطة لسلموا البلد إلى الجارة الشرقيةفورا0 ان بقاء الملكية والدستور ونوري السعيد والحماية البريطانية للمشروع السياسي القائم في العراق سيؤدي في نظرهم الى اقتراب الشيعة من موقع القرار السياسي والعسكري وحينذاك سينسلخ العراق ويذهب بعيدا في أحضان الفرس,وان الحل في هذه الحالة العمل على إلغاء الملكية والدستور وإقامة الجمهورية وإقناع بريطانيا بذلك وفي حالة الرفض العمل على إخراجها من العراق ومن ثم الانقضاض على قصر الزهور,إن مؤسسي هذه المدرسة والتلاميذ الذين التحقوا بها لاحقا الحقوا بقضايا العرب وقضايا المنطقة بشكل عام دمارا عجز الأعداء الخارجيون عن الإتيان بمثله مهما كانت قوتهم وسطوتهم0 لقد تسنم عدد كبير من هؤلاء الطائفيين منصب رئاسة الوزراء في العراق فاغرقوا البلاد والعباد بعشرات المؤامرات والدسائس وفي أحيان كثيرة بالدماء من اجل تعطيل الدستور او إلغاء الملكية0 لقد كان ياسين الهاشمي والكيلاني وحكمت سليمان وعلي جودت وغيرهم مؤسسي الطائفية السياسية بامتياز في العراق تحت عباءة القومية والعروبة والعروبة منهم براء0 لقد تأكد هؤلاء بان الفتنة الطائفية كالماء للسمكة بالنسبة لهم ولا حياة ولا مستقبل لهم دون تأجيجها ونشرها في صفوف العراقيين بلغة العنف والدماء.
https://telegram.me/buratha