( بقلم : سامي جاسم آل خليفة )
الخليج - لندن " عدن برس "
لا يملك المتابع أحداث اليمن التعيس وما يجري في أراضيه من إزهاق أرواح بشرية بحجة التمرد غير أن يحتقر العروبة ودعاة القومية العربية الذين يتبجحون بعروبة زائفة لم تجر على الإسلام والمسلمين غير الكوارث والحروب والإبادة البشرية .
أقول ذلك والعالم يقف موقف المتفرج على إراقة دماء زكية أرادت أن تحيا بكرامة وعزة وحرية معتقد في بلد لا يحسن غير مضغ القات والانبطاح في شوارع صنعاء ينتظر أن يصحو من سكرته ليبدأ مشوارا آخر في جمع القات لسهرة مقبلة علها تشفي صدور بلد يكثر فيه العاطلون عن العمل ويعج بكثير من المشكلات في نواحيه المختلفة .
لم تكن صعدة وليدة اليوم لكنها كانت ولا تزال مركزا مهما وموغلا في تاريخ البشرية وازدادت أهميتها باحتضانها الدولة الزيدية التي ظلت تقاوم الصراعات السياسية في الداخل والخارج منذ عام 898م و حتى عام 1962م وما تتعرض له صعدة الآن ما هو إلا جزء من مسلسل قديم لاجتثاث الزيدية من تلك الأرض وإخضاع أبنائها تحت تصرف "أنا ربكم الأعلى" في حكومة علي عبدالله صالح التي تصفهم بالمتمردين لكنهم في حقيقة الأمر تحت نار المذهبية التي تُشن على الشيعة بجميع طوائفهم في معظم البلدان العربية والإسلامية وهذا العامل سوغ لعشاق الحرب والتشرذم والطائفية القول إن الحوثيين يتلقون دعما ومساعدة من إيران وذلك لتأجيج الرأي العربي السني الذي يمقت إيران والتشيع.
وبالتالي فصورة الحرب على صعدة صورة السياسة العربية الزائفة التي يقودها عبدالله صالح نيابة عن إخوته وأبناء عمومته ولا مانع أن يقتل الحوثيين بكل ما يملكه من سلاح وعتاد ويبيدهم نيابة عنهم فهم مجرد زيدية وليسوا يمنيين كما أن الشيعة في دول أخرى شيعة فقط دون حق المواطنة والتمتع بحرياتهم وعقائدهم .
هذا هو عالم السياسة العربية وهذه هي العروبة الكرتونية التي أنجبت صدام العروبة حامي الدول العربية من خطر إيران وها هي اليوم تحتفل بتخريج علي عبدالله صالح وتمد له يد العون وتبارك بصمتها جرائم الإبادة البشرية وقاية لنفسها عن خطر إيران المجوس، إيران التشيع الذي سيحل في صعدة ، صعدة الشرفاء صعدة الحوثيين الذين يسطرون ملاحم البطولة والتضحية لصد هجوم العربي الأصيل هجوم القومية العربية هجوم عبدالله صالح الذي لم يجد غير صعدة لإظهار البطولة العربية. فاسرائيل الصديقة وأمريكا الأم. أما الحوثيون فمجرد نبلاء شعارهم الشرف وهذا ما لا ترتضيه السياسة العربية للكراتين القوميين ومن سار على نهجهم .
غريب أمر السياسة العربية التي تغض الطرف عن جرائم الإبادة التي تحدث في العراق وتسهل دخول مجرمي القاعدة باسم القضاء على الروافض وهي نفسها السياسة التي وظفت كل إمكاناتها الإعلامية لرصد احتجاجات طهران باسم دعم الحريات والديمقراطية وها هي مرة أخرى تناقض نفسها وتتغافل عن ذبح المدنيين في صعدة الإباء والكبرياء وتصفهم بالمتمردين والخارجين عن سلطة القانون .
هذا التناقض في السياسة العربية يمثل قمة التخبط في الأجندة والأولويات لتلك الدول التي لم تجد غير اللعب بالورقة الطائفية وقمع الحريات في بلدانهم بمسميات مختلفة تارة باسم الحفاظ على الوطن وتارة باسم الخطر الفارسي وأخرى باسم البدع ومحاربة الخرافات. والضحية في ذلك مجموعة مستضعفة يُمارس عليها القتل والتنكيل دون رحمة وإرضاء لهذا وذاك حفاظا على الكرسي وإيغالاً في إضعاف شعوبهم والعيش فوق جراحاتهم وآلامهم وكلنا يتذكر عام 2006 م ما صرح به البطل القومي علي عبدالله صالح عن رغبته ترك منصبه وإعطاء الحق للآخرين في المشاركة السياسية وحكم البلاد وسرعان ما تبخرت تلك الوعود بتنصيب جديد وبقاء على كرسي الرئاسة ولم يكن من هدف جديد بعد عدن غير صعدة الشموخ والتسلق على جبالها لإيقاف صوت الكرامة المنطلق من حناجر الحوثيين بإعلان البراءة من أمريكا واسرائيل .
كان حريا بالرئيس اليمني العروبي أن يركز اهتمامه في التنمية والتطوير ومحاربة الفساد لا أن يوجه أسلحته في قتل أبناء اليمن وتهجيرهم وزيادة آلامهم وتعاستهم. كما أن شجاعته يفترض أن تصب في الارتقاء بالشعب اليمني إلى العالمية لا أن يضع شروطا لوقف القتال مع أبناء وطنه وكأنهم أعداء من الخارج استباحوا اليمن واستعمروه .
والسؤال الأخير هنا كم عدد النماذج المتبقية من كراتين القومية العربية التي لا تفهم غير وأد الحريات والتفنن في قتل الأبرياء من مواطنيها وكم مدينة بقيت سيأتي عليها الدور مثل بغداد الدم وصعدة الشرفاء الأحرار .
https://telegram.me/buratha