محمد رضا عباس الموسوي
اعتاد العراقيون ومنذ بداية عمل البرلمان بتشكيلته الحالية على مبدأ التوافق المتأطر بالمحاصصة ليكون هذان المصطلحان سيدا الحلول في اغلب الازمات السياسية العراقية وكثيرا ما سمعنا المتضررين من هذا المشروع أو ذاك القرار وهم يحتجون على ما أسموه (المحاصصة المقيتة) بينما يظهر المنتفعون أو المؤيدون وهم يتحدثون وبكل ثقة عن (التوافق) الحاصل بين أطراف القضية. وبين معارضي المحاصصة ومؤيدي التوافقات انفجر سيل القرارات والقوانين الواحد تلو الآخر ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى تشكيل الحكومة الحالية بكل ايجابياتها وسلبياتها ومن جملة ما وصل اليه التوافق بين الاطراف السياسية تشكيل مجلس رئاسة الجمهورية بتشكيلته الحالية حيث حصل الاكراد على منصب الرئيس بينما حصل العرب السنة والشيعة على منصبي النائبين. ولم يقف الامر الى هذا الحد بل تعداه ليدخل الى صلب القوائم والكيانات فوصول الاستاذ عادل عبد المهدي الى منصب نائب الرئيس (ممثلا للمجلس الاعلى الاسلامي) جاء توافقيا ليوازن منصب رئاسة الوزراء الذي حصل عليه السيد المالكي (ممثلا لحزب الدعوة الاسلامية) وكذا كان الامر بالنسبة للسيد الطالباني ووصوله الى رئاسة الجمهورية بالتوافق بين الحزبين الكرديين العراقيين الكبيرين والأمر هو ذاته بالنسبة للدكتور طارق الهاشمي و نظيره رئيس مجلس النواب السابق. وعلى الرغم من مساوئ المحاصصة التي اسهب في نقاشها الكثيرون (من تعطيل للكفاءات ووصول غير ذوي الاستحقاق العلمي والانتخابي الى ما وصلوا إليه وسوء الاوضاع الأمنية بحسب رأي البعض) إلا أننا لا ننكر أنها كانت حلا عمليا ناجحا من أجل توفير أكبر مقدار من المشاركة (كما يصفها مؤيدو التوافقات السياسية).ومن هنا، وفي خضم التوافقات السياسية بل والمعتركات العقائدية والسياسية جاء الدكتور الهاشمي ليفتح الباب على مصراعيه أمام أساليب سياسية جديدة من الممكن أن تعصف بالتوافقات السياسية ليس في ما يخص قانون الانتخابات موضوع النزاع فحسب وإنما بتشكيل الحكومة القادمة وأسلوب توزيع المناصب والوزارات فيها. ومن هنا تنبه الكثير من السياسيين وخاصة في جبهة التوافق الى المأزق الذي وضع الهاشمي العملية السياسية العراقية فيه. وأنا لا أتكلم هنا عن موضوع تأخير الانتخابات او ضياع المقاعد او تغيير الحصص وانما اتكلم عن مستقبل التوافقات السياسية. حيث أن نقض الهاشمي لم يرد فقط وإنما تم تغيير بعض البنود ليعود إليه القانون ولسان حاله يقول (ما رضا بجزة رضا بجزة وخروف) وكأن هذه التعديلات كانت رسالة من الاكثرية الى الدكتور الهاشمي فالمستفيد الوحيد من النقض هم الاكراد اللذين ساوموا على تغيير بعض البنود التي جاءت في القانون ليصوتوا بالمقابل على رد النقض. ومن هنا نجد ان انقلاب النواب العرب السنة على الهاشمي لم يكن عبثيا وانما جاء لاحساسهم بخطورة ما قام به الهاشمي على مستقبل هذه الاقلية السياسي فلو ان من قام بالنقض على سبيل المثال السيد عادل عبد المهدي لما كان الامر بهذه الخطورة . أما عندما يقوم ممثل إحدى الاقليات بالوقوف بعكس التيار فإن هذا قد يؤدي الى ايقاض مارد الاكثرية الشيعية من سباته وقد يشهد العراق في الفترة القادمة حكم القائمة الواحدة الذي لوح به وفي أكثر من مناسبة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي. وخصوصا أن قوائم الاكثرية الشيعية جاءت هذه المرة مطعمة بشخصيات سنية ربما تكون مؤهلة لشغل المناصب التي حصلت عليها جبهة التوافق عن طريق المحاصصة أو التوافقات السياسية أيا ما كان التعبير عنها. ومن هنا نتساءل، هل كان السيد الهاشمي ينتظر فعلا تغيير قانون الانتخابات أم أن هناك شيء آخر وراء الكواليس وهل نسي السيد الهاشمي قبل أن يقدم على هذه الخطوة أن النقض الرئاسي يفقد مفعوله اذا اصرت الاغلبية على رده وهل ادرك الدكتور الهاشمي معنى السباحة بعكس التيار وما قد تؤول اليه من مخاطر ام هل نسي ان منصبه هذا لم يأت الا على اساس التوافق مع الاكثرية أم هل ضمن ولاء الاقليات الاخرى لما كان مقدما عليه... تساؤلات قد لا يستطيع احد سوى الدكتور الهاشمي الاجابة عليها ولكن السؤال الاخطر هو هل ان المارد الشيعي قرر أن يغير من اسلوب التوافق مع القوائم الاخرى ام انه سيحاول ان يرتب الحفل القادم لوحده مستفيدا من التنوع الذي طرأ على قوائمه ومن القوائم التي لازالت على عهدها التوافقي معه ... هذا بالتأكيد سيكون من نصيب الايام القادمة لتجيبنا عليه.
https://telegram.me/buratha