ساهر عريبي
وضع حزب الدعوة الأسلامية الذي يقود مايسمى بإئتلاف دولة القانون برئاسة نوري كامل المالكي, وضع إستراتيجية للفوز في الأنتخابات النيابية القادمة , ورغم ان هذه الأستراتيجية قد دبرت بليل وفي أروقة مقر حزب الدعوة وأروقة رئاسة الوزراء , إلا أن ملامح هذه الأستراتيجية قد بانت للعيان بعد سلسلة من التصريحات والمواقف لقادة الحزب كشفت عن ملامح هذه الأستراتيجية , فالمرء مخبوء تحت لسانه, وما أضمر أمرؤ شيئا إلا وظهر على فلتات لسانه او قسمات وجهه.ورغم أن هذه الأستراتيجية تشابه إلى حد كبير إستراتيجية الحزب التي خاض على أساسها الأنتخابات المحلية الأخيرة, إلا ان تعديلا قد طرا على تلك الأستراتيجية على خلفية جملة من المتغيرات التي عصفت بالساحة العراقية مؤخرا.
تقوم إستراتيجية حزب الدعوة على عدد من الأسس والأركان التي يمكن تلخيصها كالتالي:
أولا: السعي لتقليل نسبة المشاركة الجماهيرية في الأنتخابات.
سيحاول حزب الدعوة اليوم إيصال الناخب العراقي الى حالة من الأحباط واليأس تؤدي به الى إتخاذ قرار بعدم المشاركة في الأنتخابات كما هي عليه الحال في محافظات الجنوب المستاءة كثيرا من اداء الحكومة المركزية ومن اداء الحكومات المحلية التي يسيطر عليها الحزب. إن مقاطعة الأنتخابات من قبل المواطنين ستؤدي الى فوز مرشحي الحزب في الأنتخابات نظرا لأن حزب الدعوة سيركز على حث أتباعه ومؤيديه والمستفيدين منه على التصويت لمرشحيه, فيما سيعجز عن كسب أصوات شرائح مختلفة من أبناء الشعب العراقي التي لم ينصفها الحزب طيلة فترة حكمه , ولذا فإن مقاطعتها للأنتخابات وعدم إعطاء صوتها لمنافسي إئتلاف دولة القانون ستصب في مصلحة هذا إلأئتلاف. وهذا ماحصل بالفعل في الأنتخابات المحلية الأخيرة التي قاطعها حوالي 50% من المواطنين الذين يحق لهم التصويت والمستائين من أداء حكومة المالكي, ولولا هذه المقاطعة ماكان بامكان إئتلاف دولة القانون الفوز بتلك الأنتخابات.
ثانيا: المالكي هو المحور الأساسي وهو الزعيم التأريخي حاليا.
سيركز حزب الدعوة في حملته الأنتخابية على شخصية رئيس الوزراء الخارقة التي لولاها لم يكن هناك عراق, فلولاه لم تتوقف الحرب الطائفية ولولاه لم تتتحقق أي من مكاسب ألأمنية الظاهرية ,ولولاه لم ينعم العراق بسلام ,رغم أن أطرافا عديدة قد ساهمت في صنع تلك المنجزات ورغم ان الأنجاز الأمني لم يزل هشا بل إن الوضع الأمني أسوأ بكثير من السابق نظرا لكون العمليات الأرهابية الجديدة هي عمليات نوعية إخترقت مناطق محصنة عجزت عن الوصول إليها سابقا ,وسيحاول الحزب إلقاء اللوم على الأخرين فيما يتعلق بالخروقات الأمنية كتلك التي حصلت في يومي الأربعاء والأحد الداميين.
ثالثا: إحتكار صفة الوطنية لأئتلاف دولة القانون.
سيتم التركيز على أن إئتلاف دولة القانون هو الأئتلاف الوطني الوحيد العابر للمذاهب والقوميات في العراق وأما بقية المنافسين فهم مرتبطون بالخارج أوطائفيون رغم أن هذا الأئتلاف لايضم سوى حزب واحد هو حزب الدعوة وفروعه وعدد من الشخصيات الأنتهازية التي تتقلب كل يوم في حضن قائمة وتتخذ لها في كل يوم بعل.
رابعا:المحاصصة رأس الداء.
ستركز الحملة الدعائية لأئتلاف دولة القانون على إلقاء مسؤولية جميع الأخفاقات الحكومية على عاتق سياسة المحاصصة التي أتت بوزراء ومسؤولين غير كفوئين ,مما تسبب بهذه الكوارث على جميع الأصعدة وخاصة الخدمية منها, وسيركز هذا الأعلام على فكرة أن لوكانت بيد المالكي القدرة لجاء بأكفاء لشغل المناصب ولما وصل العراق لما وصل عليه اليوم من تردي.
خامسا: المالكي عاجز عن مكافحة الفساد.
وذلك بحجة أن المالكي ليس وحده الحاكم وليس لديه العصا السحرية التي يكافح بها الفساد وأن هناك كتل برلمانية وأطراف تشترك معه في الحكومة وهي مسؤولة عن مكافحة الفساد فالمسؤولية لاتقع على عاتقه لوحده , واما عن تعاطي حزبه مع ملفات الفساد فينبع من كون أن فتح مثل هذه الملفات هي محاولة من الكتل المنافسة لأسقاط حكومته وتسقيطه وإن كان هناك فساد فإنه لايمكن تحميل المالكي ولا الوزير المعني مسؤوليته, فوزير التجارة مثلا بريء من الفساد كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب , ولعل حاشيته هي المسؤولة إن كان هناك فساد.
سادسا: تسييس القرارات الحكومية.
سيحاول المالكي في الفترة القادمة تسييس قرارات الحكومة لأجل تحقيق مصالح إنتخابية وذلك عبر السعي لكسب أصوات شرائح معينة من العراقيين نسيهم المالكي طيلة فترة حكمه, مثل محاولته تمليك بعض الأراضي للمتجاوزين ,رغم أن مثل هذا القرار كان يفترض إتخاذه منذ وقت طويل ,إلا أن توقيته ليس ببعيد عن الدعاية الأنتخابية. والأمر ذاته ينطبق على تصديقه على قرار إعدام علي كيمياوي والمعطل اليوم من قبله.وسيتم التركيز على توقيعه على قرار إعدام الرئيس السابق.
سابعا: الترهيب بالخطر البعثي المزعوم.
سيلعب حزب الدعوة بهذه الورقة التي يعتبرها رابحة فهي من جهة ستستخدم لتسقيط بعض الخصوم السياسيين النافذين , ومن ناحية أخرى فهي ورقة ترهيبية يستخدمها المالكي وحزبه لتخويف الناخب العراقي وخاصة في الجنوب من التصويت لقوائم أخرى لأنها بعثية تريد العودة بالعراق الى أيام الدكتاتورية والمقابر الجماعية بزعمهم, وبذلك فهو يضع الناخب العراقي أمام خيارين إما إنتخابه أو خيار عودة البعث بكل ما تعنيه هذه العودة من مأسي علقت في ذهن المواطن العراقي.
ثامنا:اللعب بالورقة الطائفية بشكل غير مباشر.
لقد طرح المالكي إئتلافه على انه إئتلاف وطني بعيد عن الطائفية وعابر للقوميات والمذاهب بل عابر للقارات! , إلا أنه لن يضيع ورقة رابحة كالورقة الطائفية التي سيسعى عبرها لدغدغة مشاعر الناخبين في الجنوب وتحذيرهم من الخطر السني المزعوم , إلا أنه لن يتمكن من التصريح بذلك , ولذا فسيسعى الى اللعب بهذه الورقة بشكل غير مباشر وذلك بإتهام المملكة العربية السعودية بأنها تدعم بعض القوى السياسية وذلك رغبة منها بإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
تاسعا:التهجم على دول الجوار وخاصة العربية منها.
سيحاول المالكي وإئتلافه كيل الأتهامات لدول الجوار وانها مسؤولة عن تدهور الوضع في العراق والتنصل من تحمل أي مسؤولية لأي خرق أمني , وإتهام هذه الدول بالتدخل في الشأن العراقي وبالتالي النأي بنفسه وحزبه عن تحمل مسؤولية أي فشل وتعثر في إدارة الدولة, ومن ثم إظهار نفسه بمظهر الزعيم القوي الذي يريد القوة والعزة للعراق.
عاشرا:المالكي بسمارك العراق.
ستركز الحملة الأنتخابية على أن المالكي يسعى لتقوية دور الحكومة المركزية على حساب الأقاليم فهو الوحيد القادر على الوقوف بوجه التطلعات القومية للكرد وهو القادر على المضي قدما في السعي لتغيير الدستور , وبالتالي فهو الحافظ لوحدة العراق كما وحد بسمارك ألمانيا, فضلا عن كونه الأمين على مصالح الطائفة الشيعية .
أحد عشر:مقارنة حكومته بالحكومات السابقة.
سيركز الأعلام المالكي على مقارنة إداء حكومة المالكي بأداء الحكومات التي سبقتها كحكومة الدكتور الجعفري والدكتور أياد علاوي , رغم أن عمر هاتين الحكومتين كان قصيرا ورغم أن الظروف التي أحاطت بفترة حكمهما كانت تختلف كثيرا عن ظروف حكم المالكي.
إثنى عشر: تسقيط الخصوم السياسيين.
ستركز الماكينة الأعلامية لأئتلاف دولة القانون على تسقيط القوى السياسية المنافسة التي سيتهم بعضها بأنها بعثية وأخرى بأنها طائفية رجعية مرتبطة بإيران , وأخرى على انها مرتبطة بدول أجنبية وهلم جرا , فيما سيتم إظهار هذا الأئتلاف على أنه الأئتلاف الوحيد الذي يحتكر صفة الوطنية.
ثلاثة عشر : إرهاب وسائل الأعلام والصحفيين الأحرار.
سيشن هذا الأئتلاف عبر أقلامه المأجورة حملة إرهابية و تسقيطة ضد كل وسيلة إعلامية وكل قلم حر وإن إقتضى الأمر إغتيال الصحفيين وإغلاق بعض الفضائيات والمطبوعات بحجة معاداتها للعراق وإرتباطها بالخارج وتنفيذها لأجندة أجنبية تسعى لتخريب العملية السياسية.
أربعة عشر: التقرب للولايات المتحدة وبريطانيا.
سيحاول المالكي في الأيام القادمة إثبات ولائه المطلق للولايات المتحدة وبريطانيا وتوقيع إتفاقيات إقتصادية معهما وخاصة في المجال النفطي , والسماع لأرشاداتهما ونصائحهما , فيما سيحاول الأعلام المالكي إظهاره بأنه مستقل في قراراته وبعيد عن هاتين الدولتين.
خمسة عشر: النفاق السياسي والعقائدي.
ستركز قائمة إئتلاف دولة القانون على إعطاء صبغة المدنية والعلمانية لها والنأي عن المفاهيم والقيم الدينية التي تأسس على أساسها حزب الدعوة وذلك في مراكز المدن وفي الأعلام الخارجي, فيما سيتم التركيز على تأريخ الحزب الديني وتمسكه بالأسلام في مناطق الأرياف والمناطق الشعبية والمتاجرة بحزب الدعوة الشهيد. واما على الصعيد السياسي فسيتم إتباع سياسة القول عكس الفعل.
ستة عشر: إستخدام المال العام والمؤسات الأعلامية الرسمية.
يعتبر المال والأعلام من العوامل الأساسية التي تتحكم بأصوات الناخبين, ولذا فسيسعى إئتلاف دولة القانون إلى إستثمار إمكانيات الدولة على أحسن وجه لخدمة هذا الأئتلاف , مع غياب قانون الأحزاب ومع قوة وبطش المالكي بخصومه السياسيين. ولذا فإن الفترة المقبلة ستشهد أكبر عملية شراء للذمم في تأريخ العراق .
سبعة عشر:إستخدام القوة العسكرية.
فالمالكي تمكن طيلة فترة حكمه من بناء قوة عسكرية ضاربة مرتبطة به بشكل مباشر ولاتخضع لتوجيهات وزارتي الداخلية والدفاع, ولذا فسيتم التلويح بهذه القوة بوجه كل خصم سياسي قوي وسيتم إرهاب الناخب العراقي بهذه القوة وإن إقتضى الأمر تدخلها المباشر لقمع المعارضين والمنافسين السياسيين تحت ذرائع شتى كما حصل مع النائب قاسم الداود.
ثمانية عشر: توجيه الناخبين الحزبيين لأنتخاب مرشحي الحزب في القائمة.
ستركز التعليمات الحزبية على ضرورة إنتخاب مرشحي الحزب في قائمة الأئتلاف دون غيرهم من الحلفاء الأخرين الذين يستغلهم الحزب لتلميع القائمة كما حصل في إنتخابات مجالس المحافظات حيث حثت الماكينة الأعلامية على إنتخاب مرشحي الحزب دون سواه من حلفائه في القائمة.
تسعة عشر:خداع الناخب بتحالفات مابعد الأنتخابات.
ستركز القائمة على أنها ستتحالف مع الأئتلاف الوطني العراقي بعد الإنتخابات في محاولة لدغدغة مشاعر الناخب الشيعي المتخوف من إنقسام القوائم ومحاولة تطمينه ومن ثم خداعه وإيهامه بان إعطاء صوته لمصلحة هذه القائمة سيصب يالنهاية في خدمة الطائفة الشيعية وان إلأئتلاف الوطني العراقي حليف مستقبلي وان إئتلاف دولة القانون يمثل مصالح الشيعة أيضا.
عشرون: إستغلال المرجعية الدينية.
سيحاول إئتلاف دولة القانون وبكل ما اوتي من قوة إظهار نفسه بمظهر القريب من المرجعية الدينية وخاصة المرجع الأعلى وذلك عبر الحصول على تصريحات تؤيد ذلك او عبر زيارة المرجع الديني او عبر الضغط عليه للحصول على تأييده أو عبر إختلاق قضية معينة من ثم الظهور بمظهر المدافع عن المرجعية الدينية أو عبر إدعاءات كاذبة حول دعم المرجع الأعلى لقائمتهم.
هذه هي الملامح الأساسية لأستراتيجية المالكي وحزبه للفوز بالأنتخابات النيابية القادمة , وأما في الحلقة القادمة فسوف أتطرق لكيفية إجهاضها.
https://telegram.me/buratha