محمود الربيعي
الجزء الاول
محمود الربيعي
مقدمة حول الاعلام الحكومي للدولة، والاعلام خارج حدود الدولة
هناك نوعين من الاعلام فما هما ؟ وماضوابطهما؟ فأما الاول فهو الاعلام الحكومي أواعلام الدولة ولابد لهذا الاعلام ان يكون منضبطا بما يحفظ للدولة استقرارها وانضباطها ويعتمد هذا الاعلام بالدرجة الاولى على الخبر الصادر عن الدولة والحكومة ويتفاعل بصورة هادئة مع الحوادث والاخبار الداخلية والخارجية وهذا النمط من الاعلام كان سائدا بشكل كبير في القرن الماضي عموما وهو أعلام مسموع ومقروء ومرئي تعودنا عليه عشرات من السنين ونعتمد عليه.
وبالنسبة للاعلام الاخر فهم الاعلام الحر خارج نطاق الدولة وصفته الاحتراف والاهتمام بمختلف الشؤون ومنها التربوية والفنية والعلمية ويساهم بدرجة كبيرة في دعم اتجاه الدولة ويمارس النقد الموضوعي لاوضاع المواطنين العامة ويتفاعل مع شكاواهم سواء كانوا في دوائر الدولة او خارجها دون تعارض مع السلطة او افتعال مشاكل معها.
لكن اليوم وبعد تعدد الاحزاب وظهور الحركات الثقافية والسياسية العالمية ذات الطابع الاقتصادي والامني اقتضى الحال التوسع في العمل الاعلامي مع وجود التنافس الكبير بين الدول الكبرى وحتى الادنى واصبحت بعض الدول تتبنى محطات اذاعية وصحف عالمية ومحلية ذات صلة وتتنافس في التاثير على البلدان التي لها فيها مصالح.
وأما في الآونة الاخيرة فقد ظهر اعلام عالمي ودولي واقليمي واضح بسبب ظهور عالم الفضائيات كآلة اعلامية اذ دخلت هذه الفضائيات كل البيوت وتفاعلت مع كل الملل والنحل والحكومات والدول والاحزاب والسياسيين واستغلت جميع الامزجة بحيث تمكنت من زرع ماتريد في الارض التي تريد، كما تمكنت من أصابة أهدافها وقت ماتشاء وباي شكل شاءت، وساهمت في بناء دول وتحطيم اخرى وساهمت في اسقاط حكومات في أماكن وعززت حكومات في مناطق أخرى.
الدعم المالي الفائق للصحف والفضائيات الداعمة لسياسات الدول الكبرى ومنظومة الدول التابعة لها
ولقد اعتادت الدول على تقديم دعم للصحافة الحكومية للمساهمة في تقديم خدمات تخدم الدولة وتعكس برامجها الحكومية كنشر الاخبار السياسية الخارجية والمحلية لمختلف الشؤون الحياتية، وتطور هذا العمل ليشمل قطاعات حكومية ومؤسساتية متعددة تهتم بشؤون الثقافة العامة واخبار السياسة والمجتمع لتعزيز العمل الوطني الذي يشجع الافراد من جهة ويدعم الدولة من جهة اخرى.
وفي الوقت الحاضر اصبح الاعلام يشكل قوة فاعلة ويعتبر الوسيلة الاوسع تأثيرا ويلعب دورا هاما لتحقيق سياسات الدول وطموحاتها الاقتصادية والامنية فقدمت دعمها المالي لجيش كامل من الاعلاميين يخدمها ويحقق لها اهدافها ومشاريعها المختلفة، وينطبق هذا الامر على الدول الصغيرة كما ينطبق الحال على الدول الكبيرة وفق القياسات الاعلامية التي اخذت تتسع بعد اقامة قواعد اعلامية للدول الكبرى داخل المنظومات السياسية التابعة لها.
الصناعة الاعلامية وحملات التسقيط الظالمة هي الاشد خطرا
اصبحت الصناعة الاعلامية اليوم صناعة مهمة لاتختلف في اهدافها عن صناعة الاسلحة المدمرة التي تنتج في المصانع الحربية، حيث بدأت الدول تجند كافة الخبرات النوعية ذات الاثر ومنها طريقة اعداد الخبر وتحقيق الهدف الذي يعتمد على ثقافة اعلامية مركزة، والاعتماد على خبراء ومحللين يخدمون تلك الاهداف ويمكن لهم العمل خلف الكواليس وليس بالضرورة ان يقفوا امام المشاهد.
ويمكن لهذه الفرق الاعلامية التي تعمل داخل منظومة أدارية متخصصة مثلها مثل الفرق العسكرية التي تعبئ الطاقات لمواجهة من يقف ضدها او يقف حجر عثرة في طريقه، ومن اولى مهمات تلك الفرق اسقاط الانظمة غير المرغوب بها وتهيئة الظروف والتمهيد لشن الحروب النفسية ومنها اسقاط هيبة الاحزاب والكتل والجماعات واسقاط الرموز السياسية في هذا البلد او ذاك بالاضافة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وهي طريقة عصرية حديثة في المواجهات غير المباشرة.
فرض القانون والرقابة على الصحف ضرورة أمنية للحفاظ على النظام
ان التاثير النفسي للاعلام الذي تمارسه الصحافة والاعلام المسموع والمرئي عندما يكون كاذبا ومضللا فانه سيفسد الوضع الامني الداخلي للدول ويشيع الفوضى في الشعوب، وهو عمل مدمر لاستقرار البلد وقد يؤدي بالتالي الى اعمال عنف وتجاوز على الحرمات الشخصية والمدنية ويهدد الجهاز الاداري الحاكم الذي يسعى الى فرض النظام والقانون بالشكل الذي يحمي الحقوق الفردية العامة والخاصة، لذا لابد من ان تقوم الدولة بواجبها وتسعى سعيها لايقاف الحملات الظالمة التي تتجاوز حدود القانون والنظام وعليها ان ترصد المخالفات الدستورية وتعاقب المخالفين وفق القانون ومواده الدستورية.
لابد من المحافظة على الحقوق المدنية العامة والخاصة
ان الحفاظ على الحقوق المدنية العامة والخاصة ليس من مسؤولية الدولة فحسب بل هي مسؤولية الافراد ايضا تجاه بعضهم البعض وهي مسؤولية تضامنية لايجوز الاخلال بها، كما لايجوز للافراد العاملين في المجال الاعلامي التعدي على حقوق الاخرين من خلال مايكتسبه الاعلامي من مكاسب اعلامية في مجال الممارسة الاعلامية، وعليه ان يلتزم بحدوده المهنية دون ان يتعرض للناس بالصاق التهم الباطلة، ومن واجب الاعلامي العمل بمهنية تامة يحترم فيها الحقوق الانسانية وان لايجعل نفسه هدفا سهلا لاعداء الامة وان لايكون اداة طيعة لحزبه أوسيده اوعليه ان لايخضع لمزاجه النفسي.
الفساد العائم في الاعلام العربي
وللاسف الشديد فأن مانراه من ظهور حالة فساد اعلامي شديد في الصحف والمجلات والكتب وعلى الفضائيات غير المنضبطة وهي كثيرة اصبحت تثير الدهشة والغضب لدى المواطن العادي الذي ليس له طاقة برد كل هذه التفاهات والسخافات والانحطاط الاعلامي غير المسؤول وغير الموجه وفق القوانين والدساتير النزيهة.
ونحن اليوم نشهد حالة من الفساد الاعلامي، ونعيش في عصر الانحطاط الاعلامي خصوصا الاعلام العربي لاننا غير معنيين بثقافة البلدان الاخرى التي لها خصوصياتها وفلسفتها الاجتماعية المختلفة وان كانت تلك الدول لاتزال تحتفظ ببعض القيم السياسية التي لاتجعل ادائها الاعلامي يشابه الاداء الذي تمتهنه فضائيات وصحف الاعلام العربي.
التشكيك والتشهير وممارسة الكذب وتلفيق الاخبار اصبح عملا مهنيا تخصصيا
ان اهم عوامل نجاح الدول والشعوب التزامها بالقيم الرفيعة التي تعتمد على الصدق، وان تسير بالناس بالعدل وتعتمد منهج الاستقامة في اساليبها، وان تكون سياستها وفق المنطق السليم وان يكون اعلامها مطابقا للقيم الفاضلة ومنسجما مع القانون، وللأسف الشديد فان ما نراه من جمهور من الاعلاميين وفي مختلف الدول وبالاخص العربية منها وهي محل اهتمامنا.
وقد ظهرت خلال السنين الاخيرة طبقة من مهرجي الاعلام لايهمها سوى ممارسة الكذب الاعلامي والافتراء على الناس والشعوب وهي تمارس حملات التشهير والتشكيك وتقوم بتنفيذ أوامرالهيئات الادارية لبعض الشبكات الاعلامية التي تقف ورائها منظومات دولية وتتلقى دعما يستهلك اموالا طائلة تصرف في خلق الفتن والاضطرابات وتنفيذ مآرب السياسات الدولية، ومستغلة الاعلاميين الذي يمارسون الصحافة والاعلام بعيدا عن المهنية والقيم الفاضلة.
انعدام الضوابط الشرعية والقانونية دليل ضعف الثقافة العامة
ان العمل الاعلامي لابد ان يستند الى القانون والنظام والالتزام بضوابط الدستور، وينبغي على الاعلامي ان يفهم القانون جيدا قبل ممارسة عمله المهني، وعليه ان يكون ملتزما بشروط العمل الاعلامي وفق الدستور ومطلعا عليه بصورة تفصيلية وهو جزء من عملية صيانة العمل الاعلامي المهني، لكن مانراه من ممارسات خاطئة هي دليل على ضعف الثقافة الاعلامية والقانونية والدستورية التي تفتقد الى أبسط الضوابط الخلقية والاخلاق المهنية.
https://telegram.me/buratha