حميد الشاكر
في كثير من الاحيان يكون عدو عاقل افضل الف مرّة من صديق الجاهل ، وفي بعض الوصايا القيمة إياك ومصادقة الاحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك !. للشيوعية العراقية تدمير في حياتنا القديمة والجديدة فيه لمسة فنية من نوع آخر ، نوع هو قريب للمعنويات اكثر منه للماديات ، وهذا التدمير كما نعتقده هو اشدّ فتكا بالانسان من منطلق انه يستهدف داخل الانسان وروحه ومعنوياته ونفسه ، قبل استهدافها لحياته من الخارج ، واشدّ بالفعل من تضرر من الوجود الشيوعي لحياتنا العراقية هي الافكار التي كان يتطلع لها الانسان العراقي أبّان نهضته الحديثة في هذا العالم !.جائت الشيوعية ووصلت للعراق بشكلها الفعلي في الثلاثينات من القرن العشرين المنصرم وثبتت اقدامها في الفضاء العراقي بشكلها العلني في الاربعينات ، ولتعبر من ثم عن وجودها في الخمسينات والستينات بعد ثورة المرحوم عبد الكريم قاسم على اساس انها التيار الاقوى في الشارع العراقي الذي استطاع ومن خلال مثابرة في التنظيم ونشر الافكار وترويجها الى ان تملئ فراغ الانسان الفكري والايدلوجي والسياسي لوعاء الانسان العراقي ، وما هي الا فترة قصيرة من ظهور المدّ القومي الناصري وبعده البعثي ، ومن خلفه الاسلامي فيما بعد حتى توالت الانهيارات على الشيوعية العراقية حجرا بعد حجر الى ان وصلت اليوم الى كومة من التراب كلما حاول المتبقون على تلالها اقامت حجر من بنيانها لم تكد تتماسك رمالها في هذا الفضاء العراقي الجديد ّ!!.
إن اشكالية الشيوعية في العراق انها جاءت في المكان الخطأ وفي الزمن الخطأ والى الانسان الخطأ ، اي انها جاءت في زمن كان الانسان العراقي فيه يستعد ليكون من الشعوب والبشرية المتقدمة في كل شيئ في هذا العالم ، ولو فرض هذا الاستعداد انه لاقى ايدلوجية سياسية قريبة الى واقعية الانسان العراقي غير الشيوعية وماخلفته لنا من قومية شوفينية دكتاتورية احرقت الاخضر واليابس لكان اليوم الانسان العراقي بوطنه العراق شيئ مختلف فعلا عما هو عليه الان ، ولكنّ ولسوء طالع هذا الانسان عندما كان يستعد للنهضة الحقيقية لم يجد امامه سوى الايدلوجية الشيوعية الاشتراكية التي ترفع شعار العلم والتطور والتقدم ، وبما ان الانسان العراقي معروف عنه انه انسان عجول كما خلقه الله سبحانه وتعالى رمى بكل ثقله واماله وتطلعاته في ماكنة الاشتراكية الشيوعية العالمية على امل ان يصل على ظهرها الى مايتطلع اليه من مستقبل كبير وعظيم ومزدهر في الحرية السياسية وفي التقدم العلمي وفي قضايا التحرر من الاستعمار وقضايا المراة ومحو الامية والرقي بالتعليم ..... وهكذا من تطلعات كان العالم الثالث انذاك يغلي شوقا للوصول اليها فضلا عن العراق وطننا العزيز ، وبالفعل ماهي الا دورة ماكنة واحدة للانسان العراقي مع الشيوعية ليجد نفسه في متاهة مابعدها متاهة في الفكر وفي السلوك وفي السياسة وفي الانقلابات وفي ضياع الثروة وفي ضرب الاستقرار الاجتماعي وبنيته الاخلاقية ..... وهكذا الى نهاية المطاف عندما قعد الانسان العراقي على تلة الخراب العراقية عندما وباسم نفس الاشتراكية حكم حزب البعث العفلقي الماسوني العراق ليظهر للعراقيين نجوم الظهر في رابعة النهار وليتحالف مع الشياطين من اجل الاحتفاظ بالسلطة والحكم !!.هل هذا حكم قاسي جدا على منجزات الشيوعية العراقية التي قدمت الكثير وفي مجالات مختلفة في الشأن العراقي العام ؟.أم انه الحكم الواقعي لحقبة زمنية سياسية شيوعية ومن ثم قومية واخيرها بعثيا دمرت الحلم العراقي الكبير في النهضة والتطور والاصلاح ؟.
الحقيقة ان الشيوعية العراقية كان تدميرها مختلفا عن تدمير القومية والبعثية للانسان العراقي ، باعتبار ان التدمير الشيوعي واثاره المنعكسة عنه اليوم هو تدمير معنوي وفكري اكثر منه على الانسان العراقي تدميرا مادية وعسكريا وغير ذالك من هدم قام بوظيفته البعث الصامت للوطن العراقي برمته !.أقصد ان الشيوعية العراقية اليوم تمثل كارثة تاريخية لمجرد اقتران اسمها في زمن ما بكل الكيان المعنوي الحضاري والتقدمي للانسان العراقي ، فمشاريع من قبيل الثقافة والمرأة مثلا كم نحن اليوم بحاجة الى استنهاض الانسان العراقي للاصلاح في مجاليها الحيويين لنهضة اي امة ؟.وكم بالفعل نحن بحاجة الى ايصال فكرة انه بدون الثقافة وبدون الارتقاء بواقع المرأة العراقية لايمكن لنا ان نبني صرحا حضاريا عراقيا قادرا على المنافسة في العالم الحديث ؟. ولكن لمجرد اقتران هذين العنوانين باسم الشيوعية العراقية اصبح بالنسبة للانسان العراقي اليوم اي حديث عن تطوير المرأة وتبني الثقافة كمصدر اساس لنهضة الوعي العراقي هو حديث عن حقبة شيوعية لايرغب مطلقا بتكرار نموذجها التاريخي مجددا في واقعه الاجتماعي اليوم !!.
وهذه العقدة التي يحملها الانسان العراقي من الثقافة والمثقف والنظر اليه على اساس انه كائن غريب على المجتمع العراقي ، وانه مخلوق فيه نوع من الاحتلاف مع باقي افراد الشعب .... كل هذه النظرة السلبية للشعب العراقي تجاه المثقف لم تكن لتوجد لولا ان الشيوعية العراقية اوحت للانسان العراقي في تاريخه بانها صاحبت مشروع الانسان العراقي المثقف !.الان ربما لم تكن الحقيقة الواقعية تقول بان صرح الثقافة بالعراق بناه المدّ الشيوعي في هذا البلد ، ولكن مجرد ايحاء الشيوعية العراقية من خلال كتاباتها واعلامياتها وغير ذالك وانها صاحبت مشروع الثقافة بالعراق الجديد جعل من الثقافة والمثقف شبهة ادانة اليوم وغدا امام الشعب العراقي بانه منتج شيوعي خطير وغريب ولايستحق ان يلتفت اليه باحترام وتبني لا لسبب معقد الا لكون من رفع شعار الثقافة والمثقف في العراق وتاجر بها هو الحزب الشيوعي العراقي الذي ينظر له الشعب العراقي برمته اليوم على اساس انه فكرة نشأة بظروف سياسية غامضة وبافكار وايدلوجيات لاتمت بصلة طبيعية لعقيدة المجتمع واخلاقياته العربية والشرقية ومن ثم العشائرية الاسلامية !.
وهكذا في قضية وفكرة تطوير واقع المرأة العراقية ، وبالفعل كان الانسان العراقي في عشرينات وثلاثينات واربعينات وحتى خمسينيات القرن المنصرم مستعدا لقبول الكثير من الافكار الجديدة لتطوير واقع المرأة ونهضتها الطبيعية ، ولكن لمجرد دخول الفكر الشيوعي في العراق على واقع وقضية المرأة والتلاعب الخطير بمصيرها ومستقبلها انكمش الشعب العراقي عن هذه الفكرة بشكل رهيب ورجعي وخطير جدا ، حتى ان المرأة اليوم تعاني من ازمة ثقافية ووجودية خطيرة تهدد بفعلها الاجتماعي والانساني والاخلاقي داخل المجتمع العراقي بالفعل ، وايضا لو بحثنا عن سبب تراجع الشعب العراقي عن ادامة فكرة تطوير واقع المرأة الى الاحسن ، سنجد انه لالسبب معقد هناك الا كون الفكرة اختطفتها الشيوعية العراقية في بداية القرن المنصرم لتضع امام الانسان العراقي صورة مشوهة للمرأة العراقية المستقبلية تتعارض وكل وجوده الاخلاقي والقيمي والتربوي والديني والسلوكي ، مما دفع بهذا الانسان الى اعادة التفكير بقضية تطوير المرأة العراقية والنظر الى هذه الفكرة بعد التبني الشيوعي على اساس انها فكرة لتهديم وتفكيك الاسرة واخراج المرأة من حيزها الاخلاقي والديني الى واقعهل الماركسي الشيوعي الغربي الغير مقبول تقليديا في مجتمع كالمجتمع العراقي الاصيل والمعتق شرقيا بثقافة الذكورية الشرقية والعربية والقومية !.
وهكذا مع الاسف كل ماتبنته الشيوعية العراقية او امتطت صهوته لتصل الى مآربها السياسية في الماضي القريب من افكار وطنية واخرى اشتراكية ......الخ ، حالها في التدمير المعنوي لايختلف عن حال فكرتي الثقافة والمثقف من جهة والمرأة وتطوير واقعها من جهة اخرى وكيف ان مجرد اقترانها بالفكرة الشيوعية العراقية قد اسدل الستار عليها بالنسبة للانسان العراقي ليتخذ قرار الانكماش عن هذه الافكار الحيوية لنهضة اي امة في العالم من منطلق ادراكه الخاطئ لعملية الاقتران الاسمي بين الشيوعية العراقية وهذه الافكار القيمة لبناء اي امة تريد ان تكون رقما صعبا في هذه الحياة !.نعم نحن بحاجة بالفعل في العراق الجديد ان نوصل فكرة حيوية وجوهرية لانساننا العراقي في العهد الجديد اذا اردناه ان يعيد هذا الانسان النظر في رؤيته للثقافة والمثقف والفن والفنان والمرأة ومتطلباتها ......، وهي فكرة فصل جميع هذه الافكار والقضايا الثقافية والمرأة والوطنية ... تماما عن منتج الشيوعية لنوضح حقيقة : ان الاقتران السياسي الذي صنعته الشيوعية العراقية بينها وبين مفردات التطور الاجتماعية الطبيعية ، هو اقتران مزيف وسياسي ونفعي لاغير ، وان لاعلاقة للثقافة والمثقف والفن والفنان والمرأة وتطوير واقعها ...... بهذا المسمى بالشيوعية العراقية !!.
عندئذ بامكاننا ان نقنع الانسان العراقي ان الثقافة لاتعني التغريب ، وان المثقف لايعني ذاك اللص الذي يحاول ان يسرق تقاليد واخلاق امته ليبيعها على اقرب رصيف في بلغراد او موسكوا ، وان المرأة بحاجة الى نهضة ، ولكنها النهضة التي لاتتنافر مطلقا مع تقاليد الانسان العراقي وعاداته وعقيدته ومقدساته ..... وهكذا الى ان نصل الى فك الارتباط الذهني للانسان العراقي بين هذه الاشياء الثمينة في الحياة وبين مسمى الشيوعية المربك للحياة المعنوية لهذا الانسان الودود !.انني كثيرا ماسمعت من مفكرين وكتّاب الاشادة بالشيوعية العالمية وبالخصوص العراقية ، وانها هي من بذرت في العراق القديم بذور الثقافة والفن وحقوق المراة والوطنية العراقية وغير ذالك ، وكنت في الحقيقة اتأسف لسماع هذا الحديث وتثبيته في الذهن العراقي على اساس انه الحقيقة المطلقة التي ينبغي التسليم لها بلا مناقشه ، في حين كنت ارى الموضوع من جانبه الاخر بالتمام من هؤلاء الغير مفكرين عندما يربطون مثل هذه الافكار القيمة بالمدّ الشيوعي العراقي ، من منطلق منفعة الانسان العراقي اولا وليس منفعة اعلامية لهذا المدّ الماركسي سياسيا ، فكنت ومازلت من دعاة تحرير الثقافة والمثقف وتحرير المرأة وقضاياها وتحرير الفن وجماله وتحرير الوطنية ومداخلاتها من براثن الشيوعية ليس بطبيعة الحال بغضا للفكر الشيوعي العراقي بحد ذاته ، وانما لقبول انساننا العراقي بادوات التغيير والتطوير والاصلاح ، ولايكون هذا الامر مقبولا عراقيا اذا صممنا على قضية مقارنة هذه المفردات الاصلاحية للفكرة الشيوعية التي يرى فيها الانسان العراقي انها لم تجلب له سوى كل ماهو مرفوض في واقع هذا الانسان العراقي ومجتمعه !.تمام لو استطعنا اليوم وقبل غدا ان نطرح المثقف على اساسه العراقي الاصيل مثلا بعيدا عن القول ان المؤسس لهذا المثقف وهذه الثقافة هي الشيوعية العراقية في تارخنا المعاصر لتمكنا بالفعل من فرض احترام الثقافة ووزن المثقف في الساحة الاجتماعية والسياسية للشعب العراقي بدلا من النظر اليه على اساس انه كم مهمل في مجتمع لايحترم المثقف ولا الثقافة وفعلها الاصلاحي والفكري الرهيب !.
كذالك في جميع القضايا التي حاولت الشيوعية ان ترفع شعاراتها للمنفعة السياسية ولم تفلح في الامر ، فلو استطعنا تحرير هذه القضايا من شباك الشيوعية العراقية نكون بذالك قد اعتقنا رقبة تطوير المرأة وتقدم الفن وايصال مثل هذه المشاريع للقناعة العراقية بدون عقد خوف او ريبة من هذا الانسان في مقابل هذه المشاريع الانسانية العظيمة !.اخيرا : اقول ان الفكرة هي ان الشيوعية العراقية ومن وجهة نظري الفكرية ارادت شيئ سياسي من خلال تبنيها لقضايا انسانية وعراقية كبيرة ، الا انها من حيث لاتشعر قتلت هذه المشاريع ودمرت اي امكانية لتبلورها على الارض العراقية الواقعية لالسبب الا لكون الشيوعية كأسم اقترنت بهذه المشاريع من جهة ، وكون الايدلوجيا الشيوعية قد رفضت من قبل العراقيين من جانب اخر ، ليرفض العراقيون معها كل مارفعت شعاراته في السابق ، وكأنما التدمير الشيوعي العراقي كان للافكار وللمعنويات بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية على الاطلاق ، والحقيقة ان العراقيين بحاجة الى قرن كامل من المحاولة لاعادة ثقة الانسان العراقي بمشاريع الثقافة والمرأة والفن .... وانتزاع صفة الشيوعية عنها ليتقبلها الشعب العراقي من جديد بقبول حسن وغير معقد ومنفتح وفعّال !!.
https://telegram.me/buratha