باسم العلي
عندما تسمع عن حدث ما من شخص عاش ذلك الحدث تحس بامان بان ذلك الحدث وصل اليك بدون دراسات وثائقية وتحليلات وارادات شخصية او/ و ارادات سلطوية. فلو تقراء الكتابات التي كتبت عن عبد الكريم قاسم في ازمنة البعثيين ومباشرة من بعد انقلابهم المشؤوم في 8 شباط 63 19 تجد ان عبدالكريم دكتاتورا متسلط بدون هدف وطني ومتخبط في كل اعماله ولقد ساهم في تخلف العراق... لقد وصلت بهم القباحة والوقاحة والكذب ان عرضوا وعلى شاشة التلفزيون العراقي (ومباشرة بعد اغتياله) فيلم تضهر فيه غرفة نومه والحمام الذي كان في الغرفة (في وزارة الدفاع قرب مكتبه) ويقولون" شاهدوا ايها العراقيين في اي بذخ كان هذا الدكتاتور يعيش فيه" . وللعلم لقد كانت غرفة عادية لاتختلف كثيرا عن اية غرفة في اي بيت تعيش فيه عائلة من الطبقة الوسطى. فلذلك استخف الناس بهذا العمل وكانت نتائجه عكسية. ولكن وبعد ان استتب لعبد السلام عارف الامر سكن القصر الجمهوري وبكل فخامته, اما صدام حسين فكل العراقيين يعرفون فخامة وعظم الترف الذي عاشه.
لكي نفهم ثورة تموز وزعيمها عبد الكريم قاسم يجب ان نستذكر وضع العراق عموما قبل الثورة. لم يكن اي لواء (محافظة)( ما عدا بغداد لانها العاصمة والبصرة لنفطها ومينائها والموصل لقدمها وحجمها ) من الوية العراق ذو قيمة, فهم عبارة عن اقضية تفتقد الى كثير من الخمات والامكانيات وتعتبر امتداد للريف. وكان المجتمع العراقي بصورة عامة عشائري, ريفي فقير ومتخلف اما الطبقة الوسطى والاغنياء فهم اقلية ومتمركزين في الالوية الثلاثة انفة الذكر وحتى في تلك الالوية كانت اعدادهم قليلة مقارنة ببقية السكان. اما في الريف اوامتداه في الالوية الاخرى فكان الفقر والعوز القاسم المشترك بين الناس ماعدا كم اقطاعي يملكون كل شئ.
وللتاريخ لم تكن ميزانية الدولة تزيد عن خمسون مليون دينار بالسنة. وكان ارتباط نوري السعيد وعبد الاله ارتباطا عضويا ومصيريا بالانكليز. وكانت هنالك محاولات لتطوير بغداد ومشاريع ربما على مستوى العراق.
رغم حب وتقدير نوري السعيد لعبد الكريم قاسم لكن ماحصل في فلسطين كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. كان لزاما ان تتغير تلك الحكومة لتاتي حكومة مؤمنة بالشعب العراقي ومحبة له تعمل على اصلاح الكثير من الاخطاء المتراكمة او تقوم ثورة تصلح الامروتحقق ارادة الشعب. فجائت ثورة تموز بقيادة عبد الكريم قاسم ورفيقه عبد السلام عارف, ومن اللحظة الاولى ظهر وبوضوح جلي عمق وقدرة وهدوء وتطلعات عبدالكريم قاسم وضحالة وتهور وطائفية عبد السلام عارف. ففي الاشهر الاولى بدء عبد السلام عارف يتنقل من لواء الى اخر ويلقي الخطب التي على اقل مايمكن القول عنها بانها لاتنم عن ثقافة او وعي او ايدولوجية محددة. ولكي تعرف سبب هذا القول اذكر لك ومن الذاكرة بعض من خطبه. " ان ثورتنا الهية سماوية خاكية بعد لاجون ولا جون بول لك عيني حمد عيني حمود". " بعد ماكو خواشيك لك كلها بالخمسة"." يااهالي الرمادي... يامن رميتم الرماد في وجه الاعادي"." ياهل الناصرية.. ومافؤاد الا من ناصريتكم وما ناجي طالب الا من ناصريتكم". والدليل على طائفيته وفي احدى زياراته للبصرة " من قال انكم اشباه الرجال بل اني اقول انتم الرجال"و" ياهالي البصرة يامن زرعتم النومي بصرة"
بتهور عبد السلام وهمجيته وبتحريض من عبد التاصر قرر قتل عبد الكريم قاسم ولكن القي القبض عليه متلبسا بالجريمة واحكم عليه بالاعدام. وكما عودنا, ومن منحى النبل والشهامة ومقولته "عفى الله عما سلف", عفى عبد الكريم عنه وعينه سفيرا للعراق.
في الاشهر الاولى للثورة كان العراق موحدا... واذا سرت في الشارع تحس بان جميع من في الشارع اخوتك... يصعب على القلم ان يصف ذلك الشعورفلقد كانت السعادة والمحبة عاملا مشتركا بين الجميع. ولكن تدخل عبد الناصر والقوى الاجنبية الاخرى قلبت تلك الموازين واول الغيث كانت محاولة عبد السلام قتل عبد الكريم والتي خلقت هوة وخلل في ذلك التلاحم بين فصائل الشعب الواحد... ولكن ورغم ذلك بقي الشعب بعوممه محبا وعاشقا لعبد الكريم قاسم وربما عزيزي القارئ تتسائل ...لماذا؟
لان عبد الكريم قاسم كان صاحب هدف عراقي وطالما قال بانه ابن الفقراء ويريد ان يرفع مستوى الفقراء الى مستوى الاغنياء. فبالرغم من انه كان من عائلة فقيرة يؤهله ذلك لان يكن بعض الحقد على الاغنياء لكن ذلك لم يكن من هواجسه او ارادته ولكنه بدل الحقد والحسد وجد قناعة وحلا افضل وذلك بان يرفع مستوى الفقير الى مستوى الغني.
فاصدر قانون الاصلاح الزراعي الذي رفع بذلك الظلم الذي كان يعاني منه الفلاحين من الاقطاعيين المستبدين الذين امتلكوا كل شئ ولم يعطو الفلاحين اي شئ ... يعمل الفلاح وزوجته واطفاله في الحقل طوال يام السنة وفي اخر السنة عندما ياتي وقت الحساب يكون الفلاح مدين للاقطاعي. واذا لم يكن ذلك كافي فلقد كان هؤلاء الاقطاعين يملكون حتى حق حياة وموت الفلاحين, وعلى سبيل المثال ويقال (لم اشاهد بعيني) ان احد اقطاعي العمارة كان عندما هو يشتري او يهدي له احدهم بندقية جديدة يامر احد الفلاحين ان يقف امامه كهدف لكي يجرب تلك البندقية. اما شيخ الكوت فظلمه حدث ولا حرج. احد اقربائي هجر الكوت بسببه... فجاء القانون لرفع الحيف ورفع مستوى الفلاحين.
ان ظلم الاقطاعيين اجبر الكثير من الفلاحين على الهروب من الريف الى المدن وبصورة خاصة الى مدينة بغداد. يصل الفلاح مع عائلته الى بغداد بدون ماؤى او جهاز...فيبني لعائلته صريفة من طين وحصير في اية ارض فارغة بعيدة عن اعين مالكيها (سواء حكومية او اهلية) ويسكنها مع عياله. فترى بغداد قد اصبحت عبارة عن مدينة صرائف وبيوت طابوق... وجاء عبد الكريم واوفى بعهده ,ان يرفع مستوى الفقير, بان فتح ارض مدينة الثورة (الصدر) لجميع سكنة الصرائف لكي يبنوا فيها بيوتا اقل ما يمكن ان تقول عنها انها افضل الف مرة من الصرائف.
من الوهلة الاولى لثورة تموز اعلن عبد الكريم بان العراق للعراقين وبكل قومياتهم واديانهم ومذاهبهم ولافرق بين عراقي واخر. فطلب من البرزاني الرجوع الى العراق واستقبله استقبال الابطال, وصمم شعار الجمهورية العراقية بنفسه لكي يمثل القوميات العربية والكردية والتركمانية فيه.
ولعلمه بان تطور البلد مرهون بثقافة وعلم ابناء البلد فلقد فتح الكثير من المدارس وخصص الكثير من البعثات الدراسية لطلبة الدراسات العليا وحتى الدراسات الجامعية الاولى.
ولعلمه باهمية تطوير البلد وتحويل حالته من بلد زراعي فقط الى جعله بلدا زراعي صناعي, فجلب الكثير من المعامل الضخمة للعراق.
ولعلمه ان شركات النفط تحصل على جزء كبير من واردات النفط وتدفع حصة العراق نفطا مصفا وبعض الدريهمات اجرى مفاوضات صعبة مع تلكم الشركات وهو في فراش المرض بعد ان اصابته ايدي البعث باطلاقات نارية في جسمه... و بالتالي انهى المفاوضات بقانون رقم ثمانون والذي يحدد شركات النفط بالابار المستغلة فقط, اما بقية العراق فجميع حقوله النفطية المكتشفة والغير مكتشفة ملك خالص للعراقيين... وشكل شركة النفط الوطنية التي بدات بالحفر وانتاج نفط العراق للعراقيين.
لقد سمح بتشكيل الاحزاب واطلق حرية الصحافة وحرية التعبير فكان يسب في الشارع ولا احد يقول للذي سبه لماذ تفعل ذلك. ان سياسته التسامحية كانت عاملا قويا في اتجاهين مختلفين: عشقه الكرام واستغله اللئام. فعندما سال احد الاشخاص الدكتور فاضل الجمالي (رئيس وزراء سابق ,في العهد الملكي) "بالله عليك اني اعرف ان عبد الكريم قاسم قد افرج عنك بعد ان حكمتك المحكمة بالاعدام فلاتجبني من باب رد الفضل ولكن للحقيقة.. مارايك بعبد الكريم؟ " فاجابه " انه كريم, شريف, قائد عسكري جيد وعراقي مخلص" اما عبد السلام والذي تعامل معه عبد الكريم بنفس روحية التسامح الذي عامل بها الجمالي, حاكم عبد الكريم محاكمة صورية لم تطل سوى دقائق (والتي اصبحت فيما بعد عرف قانوني بعثي) واعدمه وسمح لاحد البعثين ان يبصق في وجه الشهيد عبد الكريم... صدق الشاعر الذي قال "اذا انت اكرمت الكريم ملكته وان انت اكرمت اللئيم تمردا".
في عهده انتعشت التجارة والصناعة والزراعة ولكن وبعد انقلاب الشواف في الموصل والذي كان مدعوما من قبل دول اجنبية وعربية وعلى راسهم مصر نشطت حركات ومنضمات منها قومية وبعثية لاسقاط الحكم وبكل الوسائل... وما اشبه اليوم بغد, فكما ان البعث والارهابيين يدمرون المصانع ومحطات الماء والكهرباء وشبكات توصليهما, وكما يفجرون ويقتلون الابرياء عملو وبنفس الوتيرة على زعزعة الامن في البلد فخربو المعامل ونشروا الشائعات المغرضة وقللو من شان اي عمل تقوم به الدولة فعلى سبيل المثال. كانت هنالك مشاريع عديدة لتعبيد الطرق لربط العراق مع بعض, ادعى هؤلاء بان سبب ذلك ان عبد الكريم يريد احكام سيطرته على البلد وليس تطوير البلد. عطلو بناء المعامل التي جلبت من الخارج وبكل السبل الممكنة بحيث وفي احدى خطبه (في بداية حكم البعث) قال احمد حسن البكر "ما جلب لنا عبد الكريم قاسم غير هذا الشيلمان" يقصد المعامل.
لقد عمل البعثيون والقوميون المعادين لعبد الكريم على تعطيل جميع المكتسبات التي جاءت بها الثورة ففشل الاصلاح الزراعي وتلكوء الصناعة والاضطرابت التي حلت بالبلاد (منذ انقلاب الشواف الى انقلاب شباط المشؤم الذي اتى بالبعث للحكم) كانو سببا وعاملا اساسيا فيه.
فالمعادين (الذين سمح لهم عبد الكريم ان يستمروا في وظائفهم سواء العسكرية او المدنية) كانو يعملون في كل دوائر الدولة (وكما هو الحال الان) كل ومن موقعه يخرب وبطريقته الخاصة . فمثلا, تشاجر رجلين واحد يحب عبد الكريم والاخر يكرهه. جاءت الشرطة وحققت بما حصل... خرج الكاره وادخل السجن المحب. كانوا عنيفين ,وكما هي حالهم الان, اما ان تكون معنا او انت عدونا وينالك اذى (وعلى قدر الامكانية) فهذ هو ديدنهم في السابق وهذا هوديدنهم الان وسوف يكون ديدنهم في المستقبل لاسمح الله.
لقد كان عبد الكريم انسانا كريما (اسم على مسمى) يحب الفقراء ويتجول في ساعات الليل الاخيرة في الشوارع والمحلات ليتفقد الناس ويعطي المحتاج ومن ماله الخاص فبالرغم من انه كان متبواء لعدة مناصب لم يكن يبقى في جيبه اي شئ من راتبه وسمعت بانه كان يستدين من الاخرين ليكمل شهره.
لم يكن طائفيا ولحد الان لا احد يعرف ما هو مذهبه واكاد اجزم لو لم تكن قوميته معروفة لما عرفها احد. لانه كان عراقيا عشق العرق واهله وبادله العراقيين ذلك العشق.
وعلى المستوى العربي فلقد شكل جيش التحرير الفلسطيني لعلمه بحقيقة امر دولة اسرائيل التي كانت محمية من قبل العالم اجمع ولم يزايد على تلك القضية على حساب الفلسطينين او على حساب العراق. وهنا ياتي اللئم مرة اخرى فلقد شارك جيش التحرير بالاطاحة بحكم عبد الكريم. وساعد الجزائر بالاموال والسلاح.
وعمل على بناء جيش عراقي وبتسليح وامكانية اكبر. ولم تكن روح الانتقام او روح حفظ النفس من قوانينه فلقد كان يعرف ان الشعب معه ولا يتستطيع ان يؤذيه احد. وما اشبه اليوم بغد فان الارهابيين ومن يعاونهم من الدول المجاورة تعمل على قلب نظام الحكم مرة اخرى. فاذا لم تتمكن العصابات الارهابية والقتلة ومشجعي الفتنة الطائفية من قلب نظام الحكم الحالي فها هم يريدون ان يضربوا الديمقراطية ومن قلبها فهاهم يدفعون المليارت من الدولارات من اجل قلب موازين القوى بتشكيل الكثير من الكتل السياسية والافراد لترشيحهم في الانتخابات القادمة, فمن يفوز منهم فيكون تحت تصرفهم ومن لايفوز يكون قد سلخ نسبة من الناس من القوى الوطنية العراقية.
ايها العراقيين الابطال يامن وقفتم ضد الارهابين وفي اصعب الظروف واقساها لتقولوا كلمتم الفصل بانتخابكم القوى الوطنية التي انتخبتموها لاتعطو الفرصة مرة اخرى للبعثيين واعداء العراق لكي يفرقوا كلمتكم ويشتتو اصواتكم لكي يحصلوا على منفذ جديد لهم للرجوع الى سدة الحكم وتعاد ماساة النوافل والمقابر الجماعية.
في اول بيان لهم بعد انقلاب شباط المشؤم هدروا دم الشيوعين وبذلك اعطو كارتا مفتوحا لمجرمي البعث ان يقتلوا من يشاءو وبدون رحمة, شيوعيا كان الفرد ام لا. اذا اعجبتهم بنت اخذوها الى الاعتقال بحجة انها شيوعية واغتصبوها واذا كانت محظوظة تبعث الى اهلها بعارها.
لم يمر رعبا على العراق مثلما مر في تلك الايام لان تلك الحكومة وقواتها الامنية هي التي كانت تدمر وتقتل وتنهب وتهتك اعراضا ولم يكن من يعمل ذلك عصابات ارهابية تقتل وتهرب. ان تلك القوى الحكومية الامنية كانت متواجدة في الشارع ليلا ونهارا وفي كل دقيقة من اليوم.
لو رجعو مرة اخرى(لاسامح الله) فياويل العراق والعراقيين فلن يسلم منهم احد اطلاقا لانهم يضنون ان القهر ياتي بالنتائج المتوخاة وهم لايعرفون سياسة او طريقة غير تلك السياسة. خاصة بعد ان ذاقوا طعم دم العراقيين, واسنانهم وافواههم سوف تستمر تقطر من دم العراقيين.
الهم هل ذكرت..اللهم اشهد.باسم العلي
https://telegram.me/buratha