( بقلم : حسن الهاشمي )
قلما تجد إعلاما شريفا يلتزم أدب المهنة ويتوخى الحقيقة بعيدا عن الميول الحزبية والسلطوية والشخصية، في عالم تتقاذفه أمواجا عاتية من أخبار وتقارير التزييف والتلميع في إطار تسليط الأضواء على بعض التوافه من الحكام المستبدين والشخصيات المائعة الفاسدة وجعلها بين عشية وضحاها أبطالا لا يشق لهم غبار ولا يدانيهم مقام، ولكنهم يبقون كذلك في إطارهم الكارتوني الهزيل يتغنى بهم المتزلفون الجاهلون وسرعانما يزول صرحهم الخاوي على عروشهم بمجرد هطول أمطار الحقيقة المغيبة عن أمتنا والتي غيبت عنها تبعا لذلك المصداقية والمعرفية والتطور.إن ما تمر به أمتنا الإسلامية، وما ينزل بكثير من شعوبها من فتن وابتلاءات .. يجعل مهمة الإعلام والصحافة على وجه التحديد شاقة ومحفوفة بالأخطار؛ فنقل الخبر الصادق وتصوير الواقع كما هو دون دسّ أو تزوير قد لا يبعث على التفاؤل، كما أنه يعرض ناقله للقمع والإرهاب في أغلب الأحيان؛ مما يزيد مهمة الإعلامي النزيه صعوبة وتعقيداً، ويُحمّله مزيداً من الأعباء إن أراد تأدية الأمانة بما يرضي الله - تعالى - وبما يشبع الوازع الديني والأخلاقي ، وما أكثر الإعلاميين الذين تعرضوا للقمع والقتل بسبب نقل الحقيقة كما هي تماماً، دون تزييف!.
ولقد أدرك الطغاة والجبابرة سحر الإعلام وسلطته الضاغطة المؤثرة، فأنفقوا المليارات لتحقيق سياساتهم، وإقناع الجماهير بشرعية خططهم وبرامجهم من خلال عملية غسيل الدماغ الجماعية، وصارت وسائل الإعلام تقوم بجزء من عمل الجيوش، وأصبحت الحروب الإعلامية تكلف أحياناً أكثر من الحروب التقليدية، فجيشت الآلاف المؤلفة من الإعلاميين وأشباه المثقفين للنفخ في بالون الطاغية المزيف ولو كلفه ذلك قلب الموازين وغمط الحقوق العامة وسحق القيم والمقدسات والمعتقدات، فالإعلامي المسيس لا يهمه شيء سوى تلميع صورة الدافع أعم من أن يكون رئيسا أو ملكا أو حزبا أو أية جهة تدفع أكثر في زمن قل فيه أصحاب الأقلام الحرة النزيهة.
في هذا الخضم المتلاطم، والأمواج الإعلامية العاتية، وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بالأمة الإسلامية حكومات وشعوباً يتطلع الإنسان الحر إلى إعلامٍ نظيفٍ هادفٍ، يتحلى بالصدق والواقعية، وتتحقق للفرد من خلاله معرفة ما يجري حوله بعيداً عن الدجل والخداع الإعلامي المسيّس، كما يتلقى هو وأسرته زاداً ثقافياً ومعرفياً، ويتابع أخبار العالم الذي يعيش فيه، ويهتم بأحوال الناس وما يجري عليهم من ظلم وحيف لتحشيد الرأي العام ضد العنجهية والعنصرية والطائفية المقيتة التي أتت على الأخضر واليابس وحصدت الأبرياء من دون مبرر سوى نزغ الملوك وسطوة الأحزاب ونزوة المترفين.
ومن هذا المنطلق علينا أن ندرك خطر الإعلام وأهميته، ونعمل على مواكبة الأساليب المتطورة في هذا المجال ضمن حدود النزاهة والواقعية والتجرد؛ فنحن بحاجة إلى إعلام متوازن يعمل على التجديد في الأسلوب والطرح؛ ليكون أكثر قبولاً لدى مختلف الشرائح في العالم الفسيح، ويفتح قلبه وبرامجه لكل قلم صادق مبدع، ويرعى كل موهبة متميزة في أي مجال من مجالات الإعلام.
ولا يكون ذلك إلا من خلال تبني الإعلام الهادف المصداقية والواقعية وإحداث هزات جماهيرية في التوعية والخطاب المؤدلج لتعرية الوجوه القبيحة التي طالما بقيت تجثم على صدور الجماهير وتمتص خيراتها وتصبها في مجرى التمجيد والتأليه لحالات هي طارئة على مجتمعاتنا التي هي بأمس الحاجة إلى نهضات تنموية ثقافية حضارية وأنها بحق قد شبعت وملت وسئمت الشعارات الفضفاضة التي لا تغني ولا تسمن من جوع وطالما تعودت آذاننا من سماعها في عالمنا العربي والإسلامي، وبقيت الشعوب متعطشة للتغيير الذي باتت تنتظره على شوق وشغف، وطالما أن الإصلاح هو مطمح الإعلامي الحر الغيور فإنها ترمق إليه أن يصدح للحق ويدافع عن القيم والحقوق التي طالما عتم عنها الطغاة وأزاح ويزيح عنها الحيف الإعلام النزيه الذي لا يأبه سوى إظهارها ولو كره الشامتون.
https://telegram.me/buratha