المقالات

دروس من ظاهرة باراك حسين اوباما

1151 12:43:00 2008-11-07

( بقلم : أ. د. حاتم جبار الربيعي )

لم أرغب بالتطرق الى ماسيفعله أوباما في أمريكا أو بالعالم كما ذكره بعض الكتاب لأشجع المتفائلين او أواسي الحزانى على فقدان السياسة البوشية، ولكن غايتي هو إستنباط بعض الدروس من رحلة باراك حسين أوباما، فلم يكن أوباما سليل العائلة الثرية اوالملكية التي توصل أبنها الى سلطان الملك ولا أحد أبناء الرؤساء ليمهد له أن يصبح الخليفة من بعد موته ،ولا صاحب أموال لتشفع له في الدنيا او سليل طبقة اجتماعية او عائلة لها حضور أجتماعي ومالي او غيرها من الفرص التي تمهد للفرد بالوصول الى غايات عظمى، بل أنتصر أوباما بكفاءته وقابليته وجهوده الشخصية أنه ابن المجتمع الذي أخترق كل العقبات ليصل الى رئاسة الأمبراطورية الأمريكية. فلنتعرف وبشكل موجز عن تاريخ هذه الشخصية اللامعة لنستنبط منها العبر والدروس.

بدأ حسين اوباما الأب المسلم مشواره كراعي غنم في بلدة أليغو النائية في كينيا وفي عام 1959 حصل على منحة دراسية الى جامعة هاواي بسبب ذكائه وتفوقه، وبعمر 23 سنة تعرف على طالبة أمريكية مسيحية بيضاء بعمر 18 سنة، ورغم الرفض الشديد الذي واجهه بسبب مشروع الزواج غير المتجانس عرقيا إلا انه تم عام 1959 وولد باراك في 4/8/1961 ، وهذا دليل على مايتحلى به حسين اوباما من جرأة وعزة نفس وهي السمات نفسها التي ميزت باراك في نضاله السياسي، ولكن هذا الزواج لم يدم وقتا طويلا وبعد سنتين ترك حسين اوباما أسرته الجديدة من أجل متابعة الدراسات العليا في هارفرد أولا وبعد ذلك من أجل العمل كأخصائي اقتصادي في الحكومة في كينيا وكان باراك في السادسة من عمره عندما تزوجت والدته للمرة الثانية من موظف إندونيسي يعمل في صناعة النفط وانتقلت العائلة الى إندونيسيا حيث أمضى باراك اربع سنوات في الدراسة في العاصمة جاكرتا، وفي نهاية المطاف، عاد الى هاوائي وألتحق بمدرسة ثانوية حيث كان يعيش مع جديه والدي أمه ،وفي كتابه "أحلام من ابي" يصف أوباما هذه المرحلة في حياته على انها فترة مهمة حيث كان يكافح لفهم إرثه العرقي المختلط والذي كان لايزال غير مألوف نسبيا في أمريكا ،ولعل جذوره التي كانت مترسخة في الثقافتين السوداء والبيضاء هي التي ساعدت في إكساب أوباما الرؤيا الشاملة التي جاء بها الى السياسة بعد عدة سنوات وهي رؤيا تتفهم وجهتي النظر معا لذلك "كان يتمتع بقدرة على دمج حقائق تبدو متناقضة وجعلها مترابطة" اذ انه يعيش في بيت أصحابه بيض يعملون على تنشئته، وينظر اليه الناس على انه شخص أسود.

وفي حفل تخرجه عام 1983 للحصول على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة كاليفورنيا وصف تفكيره بالقول (في الوقت الذي حان فيه موعد تخرجي من الجامعة كانت تتملكني فكرة مجنونة، هي انني سأعمل من الجذور الأساسية للمجتمع لإحداث تغيير). وفي عام 1985 توجه الى مدينة شيكاغو وعمل كمنظم مجتمعي مع كنائس محلية في الجزء الجنوبي من المدينة وهي منطقة للأمريكين الأفارقة الفقراء ووجد أوباما متعة في تحقيق بعض النجاحات الملموسة في هذا العمل مانحا سكان الجزء الجنوبي صوتا في قضايا مثل أعادة البناء الأقتصادي والتدريب المهني وجهود تنظيف البيئة ،ونظر الى دوره كمحفز يحشد مواطنين عاديين في جهد يبدأ من الطبقة الدنيا لصياغة أستراتيجيات محلية أصلية للتمكين من الحقوق السياسية والاقتصادية، لذا ذكرها في احدى خطاباته بقوله ( في هذه الأحياء تلقيت افضل تعليم، وفيها عرفت فيها المعنى الحقيقي لديني المسيحي).

وبعد ثلاث سنوات من هذا العمل توصل أوباما الى قناعة بأن لتحقيق تحسن حقيقي في مجتمعات مسحوقة من هذا القبيل، فإن الأمر يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في ميداني القانون والسياسة، لذا إنتظم للدراسة في كلية الحقوق بجامعة هارفرد وتخرج منها بدرجة شرف في عام 1991. وعاد أوباما الى مدينة شيكاغو حيث مارس المحاماة دفاعا عن الحقوق المدنية وقام بتدريس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو.وفي عام 1992 تزوج من ميشيل روبنسون وهي خريجة اخرى في القانون من هارفرد، وعمل بجد في تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة المرشحين الديمقراطيين ومن بينهم بيل كلنتون. ومع التزام شديد متواصل بالخدمة المدنية، قرر أوباما في عام 1996 ان يعلن أول ترشيح له لمنصب إنتخابي وفاز بمقعد عن شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية الينوي. ومن بين انجازاته التشريعية على مدى السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية كان اصلاح تمويل الحملات الإنتخابية وتخفيضات ضريبة الدخل للفقراء العاملين وإدخال تحسينات على نظام القضاء الجنائي للولاية. وفي نوفمبر 2004 فاز في انتخابات الكونغرس الأمريكي عن ولاية الينوي بنسبة 70% من أجمالي اصوات الناخبين في مقابل 27% لمنافسه الجمهوري، ليصبح واحدا من أصغر أعضاء مجلس الشيوخ الامريكي سنا وأول سناتور اسود في تاريخ مجلس ألشيوخ الامريكي. وفي عام 2008 رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية الامريكية ، واصبح المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي ، وخاض صراعا مع جون ماكين قاده للوصول الى البيت الأبيض بعد فوزه عليه في 4/10/2008. لذا سيدخل في العام القادم ألرجل الأسود إلى البيت الأبيض ليحكم أمريكا والعالم بعد أن كان يمنع من إدارة مدرسة، كما ستدخل معه زوجته وتجلس في أرجاء البيت الأبيض بعد ان كانت تبقى واقفة في حافلة نقل الركاب من أجل جلوس أمرأة بيضاء محلها، كما ستلعب وتمرح أبنته في حدائق البيت الأبيض بعد أن كانت تحرم من دخول مدرسة ابتدائية مخصصة لأطفال البيض.

ويتبادر الى أذهاننا هذا السؤال: هل تستطيع دول العالم الثالث أو الدول العربية أن تلد أوبامات؟ الجواب نعم أنها مستعدة لولادة الألاف منهم ولكن نظامها الأجتماعي والسياسي لايتيح لأوباماها بالأستمرار بالإبداع , انها دول تقتل كفاءاتها بأساليبها المتعددة، فهل سنرى ذلك اليوم الذي تستطيع دولنا فك العقبات أمام شبابها من أجل أكتشاف كفاءتهم والإستفادة من تجربة أمريكا الديمقراطية، وقد ذكرنا وتوقعنا في مقالتنا السابقة المنشورة في كتابات بتاريخ 15/2/2008 وبعنوان " لماذا يثيربعض كتابنا الطائفية والعنصرية؟" (بأن النزعات العنصرية والطائفية هي السبب في تأخرنا وتمزقنا واحتلالنا ولننظر الى بقية شعوب العالم .... وكلنا نسمع هذه الأيام كيف ان أمريكا تحولت من دولة للتمييز العنصري بين البيض والسود في القرن الماضي الى دولة ربما يقودها ويصبح رئيسها رجل من عائلة افريقية مسلمة ).

متى تنتهي ظاهرة الرئيس الذي يأتي نتيجة إنقلاب عسكري او الأمير من عائلة محددة؟ ومتى تنتهي أسطوانة الرئيس الذي يحكم مدى الحياة ؟، وظاهرة توريث الرئاسة للأبناء ؟ ومتى ياتي اليوم الذي تنتهي به العصبيات الدينية والطائفية والقومية والقبلية ؟، وهل نتذكر كلام رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (ألا ان الناس من آدم ، وآدم من تراب ،وأكرمهم عند الله أتقاهم). أنظروا الى واقعنا بدأنا نهجر الأخرين لأنهم لايلتقون مع بعضنا في الدين او المذهب او القومية، متى نستبدل معايير البداوة والجاهلية بمعايير الأخوة والمواطنة والأنسانية؟.

وساورد لكم مثلا ففي أيام شبابي التقيت برجل قيادي في أحد الاحزاب القومية التي ترفع شعار "وحدة الأمة العربية" وكان كثيرا مايذكر هذا الشعار ويفتخر به ولكني كنت أرى بأنه يمجد قريته وسكانها وينبذ القرى او المناطق المجاورة لمحل قريته ويتصرف ببداوة واضحة فقلت لأصحابي انظروا لهذا التناقض انه يريد ان يوحد الامة العربية ولكنه لايحب أن يوحد افكاره مع أصحاب القرى المجاورة لقريته وهو دائم الهجوم عليهم .

إذا يجب أن نغير ما بأنفسنا قبل أن نغير واقع بلداننا ولنستفد من ظاهرة أوباما ولنسحب العنصرية والطائفية والقبلية من أفكارنا بنفس الحماس الذي نطالب به أوباما بسحب قواته عن العراق لأننا بتطبيقنا للأولى نجبره على اتخاذ قرار الأنسحاب وبملء ارادتنا ولتزدهر مجتماعتنا كما ازدهر غيرنا الذي مر بحروب عالمية وإنقسامات عرقية عميقة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك