( بقلم : طالب عباس الظاهر )
بقعة ارض شرفها الله سبحانه ، بل أراد لها أن تكون مقدسة منذ الأزل بمقتضى مشيئته العليا ومكنون علمه بالأشياء ، وليس بإنشاءات البشر الرخيصة مهما عظمت ، فأودع بها عميق أسرار الخلق ، وواسع حدود رحمته فيها ، منذ الانطلاقة الأولى لركب المسيرة البشرية على هذي الأرض، وتحرك جحافل الزمان بهبوط أبانا آدم عليه السلام ؛ وابتداء حضارة خليفة الله وهو الإنسان .
ارض طيبة معطاء لم تنقل لنا المصادر؛ إن هناك بقعة سواها تعرج إلى السماء وتصير جزءاً من الجنة إلاها ، وقد قال عنها خاتم الأنبياء والمرسلين وأكمل الخلق أجمعين: " ترعة من ترع الجنة " إنها أرض كربلاء إذن بترابها وماؤها وهواؤها.كربلاء الإباء. كربلاء الوفاء والمحبة. كربلاء الخير والأمن والسلام
إنها كربلاء الخلاص من ربقة أهواء وشهوات هذي الحياة الفانية ، والأرض الطاهر المطهرة بدم الحسين الخالد ، الشهيد ، المظلوم ، المهتضم ، ودماء أهل بيته وأصحابه ، لذا ازدادت بنهضته الإلهية المباركة قداسةً ، فأزاحت عن وجهها غبار الأزمان ، وانتشلها دمه المقدس من فجوات التاريخ ، لتكون أكثر هيبة، وأكثر بريقاً، وأكثر نظرة ، ولكي يتوجها كأميرة أزلية خالدة على مدن الأرض وبقاعها قاطبة ، فلا يدانيها بهذا الشرف الرفيع شرف آخر ، ولن يطال مجدها ورفعتها الإلهين ، المتطاولون على مرّ التاريخ وتعاقب الحقب ؛ فتتقزم جوار مهابتها هامات كل الأباطرة والسلاطين والملوك ، وتتهاوى أمام رفعتها العروش، ويفر من سطوعها كل الجبابرة والطغاة والظلمة ، كونها مدينة للنور ، وقدرها أن تكون توأم للشمس ابدآ ، ومحبوبة مقدسة تسكن حدقات العيون المؤمنة ، وشغاف القلوب الوالهة بحرارة العشق الحسيني الأصيل .
إذاً فقدر أن تكون مقدسة، وقدر أن يتخضب ثراها بقدس دمه ، والدماء الطاهرة لصحبه ، وقدر أن تتشرف بضم جسم الحسين وأجسام أهل بيته ، فتودع أجسادهم الشريفة طي ترابها المقدس ، وقدر أن تصير مسرحاً لأضخم صراع شهدته وستشهده البشرية إلى يوم الدين، وقدر كذلك أن تكون حاضرة جرح السماء !.في كل شبر من أرضها، وفي كل ذرة من ترابها المقدس؛ هنالك سرُ وهناك غاية، ولو قدر لها النطق لحكت للأجيال والقرون؛ ألف ألف قصة مجد سطرها بحروف دمه ودمعه وعرقه هذا الإنسان . فهاهنا كانت خيام معسكر أبي عبد الله وأهل بيته وأصحابه ، شاهد يشمخ بعظمته على مرّ الأيام ، وعلى هام تلك التلَة وقفت الحوراء زينب تنادي أخيها الحسين وترقب سير المعركة ، فتتلقى بصبرها من سقط ومن ينتظر ، وتعض على الجرح بكبرياء ، خجل الزمان من تهاويه بين يديها ، وهي شامخة كالطود الأشم ، تلقنه درس الإباء والعظمة! .
وهناك على ضفاف نهر العلقمي هوى القمر؛ ليضيء دروب الإنسانية بالوفاء مقطوع اليدين ؛ فلم يكتف بما قدم من شجاعة وشهامة وإقدام ، وهو يكشف غبرتهم عن وجه المشرعة ؛ فجاد للجود بكفيه! .وعلى مرمى البصر قام الحر من رقدته الأبدية بشموخ ، معصوب الجبين بأنامل الحسين المقدسة ، لتنحني له الأجيال احتراماً ويطأطئ رأسه الموت له إجلالا وهو مرفوع الرأس نحو السماء .أخيراً.. فماذا يسعنا أن نقول لمن لا يدرك حقيقة شأن كربلاء وقداستها ، ويحاول أن يحجب بصره عن رؤية هذه الملايين الزاحفة صوبها ، والمتكاثرة أبداً على مرّ الأيام وبصيرته
https://telegram.me/buratha