( بقلم : سليم سوزه )
القانون والنظام والضبط والحملات المدنية التي تقوم بها الدولة وبعض وزاراتها الاخرى في مختلف الميادين، لهي مفردات اساسية مطلوبة لتدعيم الاستقرار وعودة عقارب الدولة العراقية الى مجاريها الطبيعية، ولا يمكن لاحد ان يعترض على ذلك مهما اختلف مؤشر بوصلته للسلطة او للمعارضة .. فالامر سيان لدى الجميع والنظام مطلوب بالنسبة لنا كلنا.من رحم المقدمة البسيطة اعلاه، نشير بثناء الى تلك الحملة التي تقوم بها وزارة الصحة العراقية على المذاخر والصيدليات الوهمية، فضلا ً عن باعة الادوية على الارصفة وفي الاسواق، وهو بلاشك جهد جبار تقدّمه الوزارة تستحق عليه الشكر التقدير .. لكن ما اثار ورقي اليوم وشحذ قلمي للكتابة، هو ما اطلقه عدد كبير من اصحاب الصيدليات والمذاخر المجازة مع مجموعة كبيرة من تجار الادوية، من نداء استغاثة الى المسؤولين في وزارة الصحة والحكومة العراقية، حول المُهلة التي اعطتها الوزارة لهم من اجل مراجعة دائرة الرقابة الدوائية لتسجيل جميع الادوية المستوردة من المناشئ العالمية .. تلك المدة التي امدها شهر واحد فقط، بدأت في الاول من آب الحالي لتنتهي في الاول من ايلول المقبل.
من المعلوم ان الشركة العامة للادوية والتابعة لوزارة الصحة العراقية كانت تستورد الادوية في زمن النظام السابق من شركات عالمية معروفة ومحددة ضمن برنامج مذكرة التفاهم الاممية، ومن هذه الشركات على سبيل المثال (شيرينك، كلاسكو، ويلكوم) وغيرها .. ثم بعد ذلك تُسجّل رسمياً في دائرة الرقابة الدوائية، وتُوزّع بدورها الى المستشفيات الحكومية والاهلية، فضلاً عن الصيدليات الاهلية وبأسعار مدعومة.
اما بعد انهيار النظام في العراق ودخول البلد فترة الفوضى الادارية، حصل تلكؤ شديد في اداء وزارة الصحة كنتيجة طبيعية فرضتها الظروف السياسية والامنية، ولم تستطع الشركة العامة للادوية من اداء مهامها وتجهيز المستشفيات والصيدليات بالادوية اللازمة، مما اربك عمل المؤسسات الصحية وفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص ليلعب دوراً فاعلاً في عملية توريد الادوية والسيطرة على السوق الدوائية .. وبصراحة شديدة كان للتاجر العراقي المورّد للادوية دور اساسي وممتاز في تعويض النقص واغراق السوق المحلية بتلك الادوية، الاّ ان المشكلة التي يجب ان نعترف بها، هي ان تلك الادوية لم تكن تُسجّل في دائرة الرقابة الدوائية، ولا اعرف ان كان الخلل في وزارة الصحة ام في العملية التجارية نفسها .. لكن ما اعرفه هو استمرار هذا الواقع الشاذ طوال خمس سنوات، اي بعد السقوط ولحد الآن دون فحص او تدقيق لهذه الادوية من قبل الدائرة المذكورة، حتى اغرقت كميات كبيرة جداً منها وبانواعها المختلفة السوق المحلية بلا رحمة ولا هوادة.
لا احد يعترض على اجراء وزارة الصحة بخصوص ضرورة تسجيل الادوية واعادة السيطرة على السوق المحلية، حتى من قبل التجار واصحاب الصيدليات انفسهم، سوى انهم وكما اخبرني به بعض الاصدقاء من امناء المهنة، لا يرون بان المُهلة التي اعطتها الوزارة والتي ستنتهي بداية ايلول المقبل، كافية للقيام بهذا العمل الجبار، ولا يمكن حصر جميع الادوية وتسجيلها خلال شهر واحد فقط .. حيث ليس من الانصاف اختزال عملية استيرادية استمرت خمس سنوات بشهر واحد، وهذا ما سيجعل الكثير من التجار يخسرون اموالهم وادويتهم، بل ستُغلق مذاخرهم وصيدلياتهم في حال لم يدركوا المهلة ويسجّلوا جميع ما يخزنون .. وغلق المذاخر والصيدليات يعني ما يعنيه، قطع الارزاق عنهم وعن شريحة واسعة تعمل لديهم، وهذا ما لا يرضاه الضمير ان تقطع وزارة الصحة رزق فئة كان لها دور وخدمة كبيرة للمجتمع العراقي بتوريدها الادوية، في الوقت الذي لم تستطع الوزارة نفسها توريدها في تلك الظروف الصعبة والاستثنائية.
اتمنى على وزارة الصحة العراقية ان تأخذ هذه المقالة كمناشدة لتمديد المُهلة المُعطاة، لئلا يُظلم احد من اجراءاتها، خصوصاً مَن امّن الدواء للداء في وضع العراق الحرج، وان تسعى لبرمجة عملها هذا في اطار جدول مرن ومنظّم، كي لا تُحسب على انها خطوة انفعالية غير مدروسة تستهدف اصحاب المذاخر والصيدليات دون وجه حق، بدلا ً من ان تكافأهم على ما قدّموه للبلد خلال كل تلك الفترة السابقة.
بالمناسبة لا يعني كل الادوية المستوردة صالحة وجيدة وغير مغشوشة، وليس كل التجار والمستوردين امناء في توريد الصالح منها .. الاّ ان هذا لا يعطي الحق ان نعاقب الكل بجريرة الجزء، بأن يُحصرون في زاوية حادة وضمن شهر واحد فقط، وهي مدة قصيرة جداً سيتضرر منها المواطنون قبل هؤلاء التجار، لانهم سيخسرون كميات كبيرة من هذه الادوية كونها ستُتلف ويُمنع تداولها في السوق.
https://telegram.me/buratha