قصي كريم الشويلي
ليس غريباً على من كان سليل الحسين بن علي، أن يحمل في قلبه قبسًا من تلك النار التي أضرمها الحسين في قلب التاريخ، يوم وقف في كربلاء أمام جحافل الظلم والطغيان، ليس بالسيف وحده، بل بروح الحق التي لا تعرف الانهزام. كذلك هو السيد حسن نصرالله، الذي يراه الكثيرون اليوم ثائرًا لا يهاب الموت، كما كان جده الحسين في مواجهة السيوف والحراب.
ولد السيد حسن نصرالله في بيئة غارقة في تراث المقاومة، حيث لا يُقبل العيش إلا بكرامة، ولا يُفهم النضال إلا بوصفه طريقاً مفروشاً بالتضحيات. فتشرب من نهج الحسين ذاك الإباء الراسخ، وجعل من نفسه ومن حزبه صخرةً تتحطم عليها آمال الطغاة. فكلما ازداد الأعداء قوة، ازداد هو صموداً، وما زالت الكلمات التي ينطق بها تهز أركان الظلم، وتبعث الأمل في قلوب المظلومين.
في معركة الحق.. الحسين رمزٌ، ونصرالله قائدٌ
كما كان الحسينُ رمزاً للحق والعدل في زمنه، يقف اليوم السيد حسن نصرالله في قلب معركة أخرى، لكنها ذات الأبعاد الإنسانية نفسها. هو لا يقود فقط حرباً بالسلاح، بل يخوض معركة الحق ضد الباطل، تماماً كما فعل جده الحسين في كربلاء. فقد كان الحسين يعلم أن استشهاده هو انتصارٌ للقيم التي يحملها، وأن دمه سيظل شاهدًا على ظلم الظالمين عبر العصور. كذلك نصرالله، يدرك أن المقاومة التي يقودها هي ليست مجرد صراع سياسي، بل هي معركة مصيرٍ لأمةٍ تتوق إلى العزة والكرامة.
لقد رأى السيد نصرالله في المقاومة نهج حياة، وفي التضحية سبيل الخلود. وكما رفض الحسين مبايعة يزيد الظالم، يرفض نصرالله أن يرضخ للضغوط الدولية أو يُساوم على كرامة وطنه. فكان نهجه واضحًا لا لبس فيه: لا تفاوض مع الظالم، ولا مساومة على الأرض والعِرض. وكما قال الحسين: "هيهات منا الذلة"، يُردد نصرالله اليوم، ويخط بفعله قبل قوله أن الذلة ليست قدر الشعوب المستضعفة.
فرحة الأعداء.. ما أشبه الليلة بالبارحة
عندما قُتل الإمام الحسين، فرح أعداؤه وظنوا أن بموته تنتهي ثورته، ولكن التاريخ أثبت أنهم كانوا واهمين. فالحسين لم يمت؛ بل أصبح رمزًا خالدًا يضيء دروب الثائرين عبر القرون. واليوم، يسعى أعداء السيد حسن نصرالله إلى القضاء عليه، ظانين أن موته سيكون نهاية لحركة المقاومة. وما أشبه فرحهم اليوم بفرح أعداء الحسين حينها. إنهم، مرة أخرى، يقعون في ذات الخطأ التاريخي: يعتقدون أن الثائر الحقيقي يموت بمقتله، ولا يدركون أن أمثال الحسين ونصرالله يحيون بعد موتهم.
هؤلاء الأعداء، الذين يخشون من كلمات نصرالله قبل أن يخشوا من صواريخه، يرون فيه تهديداً دائماً لمخططاتهم في السيطرة على الشرق الأوسط. إنهم يدركون أن هذا الرجل، الذي يقف في وجههم بثبات لا يتزعزع، يحمل في قلبه روح كربلاء وصوت الحسين. ولهذا، كما فرحوا بقتل الحسين، يفرحون كلما سمعوا بشائعات حول محاولة القضاء على نصرالله.
ولكن كما بقيت كربلاء شاهدة على عظمة الحسين، فإن المقاومة التي يقودها السيد حسن نصرالله ستبقى شاهدًا على أن الحق لا يموت. وكما أصبح الحسين رمزًا لكل مظلوم ومقاوم، فإن نصرالله سيظل رمزًا للمقاومة والصمود في وجه الطغاة والمستعمرين.
إن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بأشكال مختلفة. وكما كانت كربلاء ملحمةً للحق، يقف اليوم السيد حسن نصرالله كحسين عصره، مدافعًا عن الحق والكرامة ضد قوى الاحتلال والطغيان. فالأعداء قد يفرحون بزوال قائد، ولكنهم لا يدركون أن روح المقاومة لا تُهزم، بل تنتقل من جيل إلى جيل، تحملها القلوب المفعمة بالإيمان. وإن قتل الحسين كان بداية لثورة لا تنتهي، كذلك سيظل حسن نصرالله، ما دام يحمل راية المقاومة، رمزاً لا يُنسى في وجدان الأمة.
https://telegram.me/buratha