مصطفى الهادي
القاتل يُقتل ، هذا ما تقوله الكتب السماوية.(إن القاتل يُقتل. وليُ الدم يقتل القاتل).() سفر العدد 35 : 16 ــ 19. حتى اشتهر بين الناس المثل (بشّر القاتل بالقتل ولو إلى حين). فإذا كان هذا حكم الله في القاتل، فمن قتل قابيل ونفّذ القصاص فيه؟
ثلاث كتب مقدسة ذكرت قصة قابيل وهابيل، في التوراة والإنجيل والقرآن. ورد ذكر اسميهما في التوراة والإنجيل واضحا في التوراة ورد بإسم (قايين) أربعة عشر مرة. ولم يرد ذكر قابيل في الإنجيل في، فلم يذكره السيد المسيح (ع) ولكنه ورد ثلاث مرات في رسائل تلاميذه وكذلك رسالة بولص بإسم قايين أيضا. ولكن القرآن لم يذكر أسمائهم بل ذكر قصتهم فقال (واتل عليهم نبأ ابني آدم). كل التفاسير للكتب الثلاث تذكر إسم (قايين). أما هابيل فقد ورد كما هو.
في التوراة فقط ورد تلميح مبهم، إلى أن قابيل هو إسرائيل حيث تربط التوراة بين قابيل وإسرائيل ، ثم إقحام إسم يعقوب . والنصوص التي تذكر إسرائيل يشوبها الغموض أيضا والنفس البشري واضحٌ فيها. فحذف الإسم (يعقوب) والتعتيم عليه واستبداله بـ (إسرائيل) أمرٌ غير منطقي إلا أن يخفي تحته أمر خطير.(1) هناك ربط في نصوص ثلاث كتب مقدسة يقودنا إلى ان قابيل وإسرائيل شخصية واحدة، ولا علاقة ليعقوب بهما إلا في إشارات غامضة. وأن هذه الكتب تقوم بربط الجريمة الأولى بهذه الأمة الملعونة والقول بأنها ذرية قابيل وأنها أسست أول مدينة للشر في العالم وكانت وراء اختراع أدوات القتل والدعارة والمجون والطرب.
بعد البحث في التوراة تبين أن عملية تغير الأسماء إلى المهن كانت امر وارد فلم تكن عملية تغيير إسم قابيل إلى إسرائيل وحدها التي حدثت في هذه الأمة ، فقد كانوا يُغيرون أسماء أبنائهم عندما يكبرون ويطلقون عليهم لقب المهنة التي يعملون بها ومثال على ذلك : قابيل تحول إلى : إسرائيل . وتعني : يصارع الله. و يابال وهو لقب لصانع الخيام ورعاة المواشي . ويوبال . وهو لقب صانع آلات الطرب . وتوبال . وهو لقب صانع النحاس. وعيراد ويعني مدينة أو جحش. وحنوك وتعني معلّم. ومحويائيل . وتعني الذي ضربه الله . ومتوشائيل . وتعني بطل الله. ولامك. وتعني القوي. وكذلك اسم بناتهم تتحول إلى ألقاب عندما يكبرن . مثل : عادة ، وتعني شهوة العين. وكذلك : صلة . وتعني : خيال أو ظل . وهكذا بقية أسماء رجال ونساء هذه الأمة كلها مرتبطة بصناعات الأشخاص، وبمرور الوقت غلبت هذه الألقاب وحلت مكان الأسماء. (2)
أول عملية اغتيال ظلما وغدرا كانت على يد قابيل فعلها بأخيه وهو نائم فحمل حجرا وبينما هو يهم به فتح هابيل عينيه وعرف نوايا أخيه فقال له : (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين).(3) أراد تذكيره بخوف الله فلا يرغب هابيل أن يمد يدهُ لأخيه ليُشاركه ظلمه فيسن سنة سيئة يبقى وزرها عليه وعلى ذريته ، ومن هنا ورد في الدعاء: (اللهم خص أنت أول ظالم باللعن).(4) والمراد بأول ظالم قابيل قاتل هابيل، وهو أول من سن الظلم والقتل.(5)
بعد أن غدر قابيل بأخيه هرب من وجه أبيه آدم ، ووضع أساس أول مدينة رعب في التاريخ ـ حنوك ـ حيث نمت نزعة الغدر فيها ، فكان شعبها نواة ما يُسمى بني إسرائيل أي أحفاد إسرائيل. وحنوك هذا بكر إسرائيل : (هؤلاء رؤساء بيوت آبائهم: بنو رأوبين بكر إسرائيل : حنوك). (6)
من هذه المدينة ومن نسل قابيل ــ إسرائيل ــ وابنه حنوك خُلق بنو إسرائيل اليهود فيما بعد.(7) فتمدد قابيل وتكاثر ليخلق جيلا من الأشرار القتلة العتاة الظلمة أشرّ خلق ظهروا في هذا العالم بأسماء شتى يتخفون تحتها لينقضوا العهود ويقتلوا الأنبياء ويُحطّموا الرسالات ويُحرفون كتبها، ويُشعلون الحروب وكل ما من شأنه أن يُحطم الإنسان . يقول القديس چيروم: (المدينة العظيمة التي بناها قايين أولًا ودعاها باسم ابنه تؤخذ رمزًا لهذا العالم الذي بناه الشيطان بالرذيلة ودعمه بالجريمة وملأه بالشر).(8)
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن يعقوب ليس إسرائيل. لأن إسرائيل عاش قبل ظهور الديانات وقبل نزول التوراة وهو من ذرية آدم والقرآن يقول: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تُنزّل التوراة).(9) فإسرائيل كأمة أو شخص موجود قبل نزول التوراة. ولم يقل احد أن يعقوب هو إسرائيل لأن هذا الكلام لا حجة عليه ولا دليل، لا القرآن ولا التاريخ أطلق على ذريته (بني يعقوب) بل يطلق دائم على ذرية قابيل بأنهم (بني إسرائيل). ويعقوب لم يتحول إلى إسرائيل كما تزعم التوراة لأنهُ صارع الله وانتصر عليه وعجز الله عن الانتصار والتخلص من قبضة عبده الضعيف، بل القرآن يؤكد أن يعقوب بقى يعقوب حتى موته (إذ حضر يعقوب الموت).(10) ودليل مهم آخر هو أن الله تعالى ذكر بأن يعقوب كان نبيا وإماما (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم. وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا).(11) ولكن الكتاب المقدس والقرآن لم يذكرا بأن إسرائيل كان نبيا او إماما على الرغم من كثرة ذكر اسمه، وحتى في سورة يوسف التي أتت على جانب مهم من تاريخ يعقوب وأبنائه وعشيرته فلم يرد ذكر إسرائيل فيها، والسبب لأن هابيل وقابيل من صنع الإسرائيليات أسماء وهمية لأشخاص اخفوا أسمائهم لغاية في نفوسهم، ولو كانت أسماء حقيقية لذكرها القرآن كما ذكر غيرهم، فقد ذكر تعالى غراب قابيل، وكلب أصحاب الكهف، وهدهد سليمان ونملته، ولكنه تعالى لحكمة ما لم يذكر إسم ابني آدم. فلم يرد في كامل القرآن أي ذكر لقابيل وهابيل كل ما قاله القرآن هو : (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين).(12) وكذلك خلت الأحاديث النبوية من ذكرهما، وقد ورد حديث عن قتل هابيل ولكن أيضا من دون ذكر إسم قابيل أو هابيل فقد جاء في حديث ابن مسعود ، أن النبي (ص) قال: (ليس من نفس تُقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من منها، أو كفل من دمها ؛ لأنه كان أول من سن القتل).(13) وحديث آخر مكذوب وضع على لسان علي ابن أبي طالب (ع) ذكر فيه اسم قابيل. وعلى ما يبدو أنها محاولة يهودية لدس هذا الإسم في المدونات الإسلامية.
وأما في الكتب التي نزلت بعد توراة موسى ،كذلك لم تذكر الأناجيل إسم إسرائيل على أنهُ يعقوب بل ذكرت يعقوب وحده كما نقرأ في قول السيد المسيح لتلاميذه: (أقول لكم : أن كثيرين سيأتون ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات).(14) وفي قول متى : (أما قرأتم في كتاب موسى ،أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب).(15) فلم نسمع من الإنجيل والقرآن أنهما قرنا إسم يعقوب بإسرائيل. فحتى زمن السيد المسيح ومع وجود التوراة وشعبٌ كبير من بني إسرائيل إلا أن الكلام كان يدور حول يعقوب. وفي بشارة الملاك جبرئيل لمريم في الإنجيل فإنه قال لها : (فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم أنك ستحبلين وتلدين ابنا وتُسمينه يسوع يملك على بيت يعقوب إلى الأبد).(16) فلم يقل الملاك : يملك على بيت إسرائيل.
وحسب الكتاب المقدس وتفاسيره فإن بني إسرائيل كانوا أقدم من كل القبائل كما تذكر التوراة على لسان ميخا النبي الذي ذكر بأن إسرائيل كان موجود منذ الأزل وتنبأ ميخا في نبوءته بولادة شخص يتسلط على ذرية إسرائيل المتوارثة منذ الأزل كما نقرأ : (أما أنتي يا بيت لحم أفراته .. فمنك يخرج الذي يكون متسلطا على إسرائيل وذريته ــ مخارجه ــ منذ القديم منذ أيام الأزل).(17) فإسرائيل وذريته متسلطة ومتحكمة منذ القديم منذ أيام الأزل.
وهذا يدفعنا للقول بأن إسرائيل هو قابيل ابن آدم، ولذلك نرى القرآن يربط بين قابيل القاتل وبني إسرائيل في سورة المائدة فيقول : (فطوعت لهُ نفسه قتل أخيه فقتله فاصبح من الخاسرين ... من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنهُ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).(18) فلماذا كتب الله تعالى ذلك على بني إسرائيل خاصة، إلا أن يكون هؤلاء هم ذرية قابيل وأنهم ورثوا غريزة القتل منه، لأن الله تعالى قال : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل). أي من أجل قتل قابيل ــ إسرائيل ــ لأخيه هابيل واستمرارهم من بعده بسفك الدم وهذا ما تصفهم به توراتهم: (أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم في طرقهم اغتصاب وسحق).(19) هذا التحذير سنراه يتجسد حرفيا في ذرية قابيل كما سيأتي بيانه.
وأما قول التوراة بأن بني إسرائيل كانوا منذ القدم منذ الأزل يؤكدهُ القرآن كما يقول : (وآتينا موسى الكتاب وجعلناهُ هُدى لبني إسرائيل ... ذرية من حملنا مع نوح).(20) فالذين ركبوا السفينة مع نوح هم أبناء إسرائيل. ومن هذا يتبين أن إسرائيل كان قبل نوح (ع) و يتضح أيضا أن بني إسرائيل لم يكونوا من ذرية نوح ولا من ذرية إبراهيم، ولعل القرآن يُقرّب لنا الصورة أكثر عندما يخبرنا بأن الشعوب رفضت إيمان بني إسرائيل وجادلت نبي الله نوح ووصفتهم بالأراذل كما نقرأ : (وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي).(21) فالقرآن ذكر الجدل بين نوح عليه السلام و بينَ قومـه ، ليُوضـح أنّـه كـانَ على زمن نـوح مجمـوعة (أراذِل) ، كـانوا هُـمُ السـببَ في عَدَم إيمـان قـوم نـوح: (قـالوا أنُـؤمِنُ لـكَ ، و اتّبـعَـكَ الأرذلون). وفي آية: (و مـا نراكَ اتّبعَكَ إلاّ الذينَ هُـمْ أراذلُـنـا). و لكنّ نوح أوكل ما في بواطنهم إلى الله فقال : ( و لا أقولُ للّـذين تزدري أعيُنكُمْ ، لنْ يُؤتيَهُمُ الله منْ فضْله ، الله أعلم بمـا في أنفُسـهم) ، فركـبوا مع نوح في السفينة .و لذلك أوضَحَ القرآن أنّ بني إسـرائيل هُـمْ من ذريّة الذين ركـبوا مَـعَ نوح في السفينة : (ذُريّةَ مَـنْ حمـلْنـا مـعَ نـوح ) والناس على حق لأنهم لم يُدركوا حكمة الله تعالى. لأن الله تعالى لاحق بني إسرائيل فيما بعد حتى في إيمانهم فقال لنبيه نوح : (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك، وأممٌ سنُمتعهم ثم يمسهم منا عذابٌ أليم).(22) فالأمم التي مع نوح ليست كلها على بركات لأن هناك فئة غير مشمولة بذلك (وأممٌ سنُمتعهم ثم يمسهم منا عذابٌ أليم). هم بنو إسرائيل، لما علم الله منهم سرعة العودة للشر وممارسة الرذائل. والتوراة تؤيد القرآن بأن بني إسرائيل أراذل كما نقرأ : (هكذا قال السيد الرب: أيتها المدينة السافكة الدم. يا نجسة يا كثيرة الشغب. هوذا رؤساء إسرائيل كانوا فيك لأجل سفك الدم وفي وسطك عملوا رذيلة).(23) فهم حسب وصف توراتهم : أنجاس أراذل سفّاكون للدم. فلا يُلام قوم نوح عندما يصفونهم بالأراذل.
وهناك رأي يقول بأن ذرية إسرائيل هم نسل قابيل الذين طغوا وبغوا على الأرض حتى اهلكهم الله في الطوفان إلا القليل منهم ممن استطاعت زوجة نوح التي خانت زوجها بأن اخفت ممن هم من ذريتهم في السفينة فكان عاقبتها أنها في النار . (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما). (24) وبعد الطوفان انتشر بنو إسرائيل في الأرض ممن كانوا مع نوح في السفينة وبمرور السنين كثروا وعادوا الى ما كانوا عليه من الرغبة في تحويل بني ادم عن عبادة الله الى عبادة إبليس، ومن هنا خاطبهم السيد المسيح قائلا لهم : (أنتم من أب هو إبليس وإرادة أبيكم تريدون، ذاك كان قتالا للناس من البدء).(25)
هذه الذرية ، ذرية قابيل ــ إسرائيل ــ أول من أسس الرذيلة وبدأت من حفيده (يوبال الذي كان أبا لكل ضارب بالعود والمزمار).(26) هذه المدينة التي بناها قابيل في جنوب العراق شرق عدن كما تقول التوراة : (قايين قام على هابيل أخيه وقتله.. فخرج قايين وسكن في أرض نود شرقي عدن. وعرف قايين امرأته فحبلت وولدت حنوك. وكان يبني مدينة، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك).(27) حنوك هذا كان رئيس أول عشيرة عندما بدأوا يتكاثرون كما نقرأ : (بكر إسرائيل ، لحنوك عشيرة الحنوكيين).(28) هنا يتكرر الربط بين حنوك بكر قابيل وحنوكيين فيقول عنه بكر إسرائيل ، فبكر قابيل هو حنوك، فلماذا وصفهُ بأنه بكر إسرائيل. ومِن هذا النص الجلي نفهم أن قابيل هو إسرائيل، وبِكره حنوك. وأن عشيرته مجموعة من الأشرار كما تصفهم التوراة : (هذه العشيرة الشريرة الباقية في كل الأماكن التي طردتهم إليها، يقول رب الجنود. طرقكم شريرة وأعمالكم فاسدة يا بيت إسرائيل، يقول السيد الرب).(29)
هذه المدينة تأسست على قاعدة الغدر كوسيلة للوصول إلى مآربها وأهم أدواتها في ذلك حتى هذا اليوم (الاغتيال والرذيلة).وقوام هذه المدينة ممارسة ابشع الأعمال، وهذا ما تذكره توراتهم عنهم فتصفهم (يُمارسون شعائر خفيّة ومآدب جنون على أساليب أخر، لا يعون حسن السيرة ولا طهارة الزواج فيقتل الرجل صاحبهُ بالاغتيال ويمضّه بالفاحشة . شرٌ متفاقم في كل موضع، الدم والقتل والسرقة والمكر والفساد والخيانة والفتنة والحنث).(30) هذا هو وصف مدينة الحنوكيين أحفاد قابيل.
كان الاغتيال بواسطة السموم والخناجر أو الرجم بالحجارة وسيلة من وسائلهم ثم ادخلوا النساء للإيقاع بمن لا يقدرون عليه ومثال على ذلك أنهم لمّا عجزوا عن مواجهة الآشوريين عمدوا إلى أسلوبهم القذر، الاغتيال فدسوا عاهرتهم (يهوديت) فغدرت بأليفانا القائد المخلص رئيس الجيش الآشوري وقطعت راسه وهو نائم كما نقرأ : (دهنت وجهها بالطيب ، وضمت ضفائرها بالتاج ولبست حللها الفاخرة لتفتنه ، جمالها أسر نفسه. أليفانا مضطجع على السرير نائما. فحلت الخنجر واستلتهُ ثم أخذت بشعر رأسه ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت رأسه).(31) ولذلك عندما بعث الله فيهم أنبياء وعلى رأسهم موسى رحمة من الله لإصلاحهم، وإلقاء الحجة عليهم. لعلهم يرجعون، كانت أولى وصايا الله لهم تحريم الغدر بالآخرين: (وكلّم الرب موسى قائلا:هذه هي الأحكام التي تضع أمامهم:من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا. إذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر تأخذه للموت. لا تسرقوا، ولا تكذبوا، ولا تغدروا أحدكم بصاحبه. فاحذروا لروحكم لئلا تغدروا).(32) ولو لم يكن الغدر فيهم متأصلا لما أكده الله مرارا عليهم. ولم يلتزم اليهود بأي وصية من وصايا موسى واستمروا في قتل كل من لا يُطاوعهم فأثبتت عليهم الكتب المقدسة قتلهم الأنبياء ووصفتهم بالقتلة، فكانت اكثر الأمم قتلا للأنبياء، ولذلك نرى عيسى عليه السلام يُثبت عليهم ذلك كما نقرأ : (أنكم أبناء قتلة الأنبياء. يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه. الحق أقول لكم: إن هذا كلهُ يأتي على هذا الجيل).(33) وهكذا ربط السيد المسيح مرة أخرى بين قتل هابيل وزكريا وجميع الأنبياء وبين بني إسرائيل. وهذا ما فعلوه بتآمرهم مع القيصر لقتل السيد المسيح (ع) لولا أن الله انقذهُ منهم ولكن الله أثبت عليهم القتل. إضافة إلى قول السيد المسيح الخطير لليهود : (إن هذا كله يأتي على هذا الجيل). ويعني به أن كل دماء الأنبياء ابتداء من هابيل إلى آخر نبي قتلوه يقع على هذا الجيل من اليهود المعاصرين للسيد المسيح.
ولم يعجبهم العمل السري الفردي فقاموا بتأسيس أول تنظيم إرهابي أسسهُ الحاخام اليهودي بولص شاول الطرسوسي عندما كان على اليهودية، قبل تنصّره، أول فرقة اغتيالات سرّية (السيكاربي) الأشهر في التاريخ، أرعبت الدولة الرومانية وأقلقتها: (أربعة آلاف رجل من الخنجريين القتلة).(34)
ثم جاء الإسلام وكرر نفس التحريم عليهم فقال: (كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ).(35) وحرّم تعالى قتل الغيلة ــ الفتك ــ بأحاديث نبوية كثيرة كما يقول (ص) : (الإيمان قيد الفتك). أي الإيمان يمنع من الفتك، والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله.(36)
ختاما لو تفحصنا التوراة والإنجيل لرأينا الله تعالى يصف اليهود بأقذع الأوصاف فوصفهم : (بالأمة المتمرّدة, المتصلبين, القساة, العاصين, الحسك والشوك, العقارب, والشعب الغبي, غير الحكيم, وأنهم كأتان شهوانية, والفاسقين, وأنهم أضلّ من الثيران والحمير, وذرية مرتكبي الشرّ, وأبناء زنى, ولا يتناهون عن شرّ إلا إلى شرِّ وأنهم أبناء الحيّات والعقارب وحلفاء الشيطان).
المصادر:
1- الأشخاص يُذكرون بأسمائهم وكذلك الأنبياء ابتداء من آدم ثم هابيل ، قابيل ، شيت ، هارون ، موسى، إسماعيل ، عيسى ، محمد. فقط قابيل تحول إلى إسرائيل بقصة خرافية لا يقبلها عقل. ومفادها أن (يعقوب في الظلام التقى بإنسان ودعاه للمصارعة. فصارعه حتى مطلع الفجر ولم يقدر عليه ولما رأى الله أنه لا يقدر على يعقوب ضرب حق فخذه، فانخلع حق يعقوب. فقال الله ليعقوب : أطلقني لأنهُ قد طلع الفجر. فقال يعقوب: لا أطلقك إن لم تُباركني. فباركه الله وقال له : لا يُدعى اسمك يعقوب بل إسرائيل. فقال يعقوب : أني نظرت الله وجها لوجه ونجيت بنفسي فذهب يعقوب ــ إسرائيل ــ وهو يخمع على فخذه، لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي على الفخذ إلى هذا اليوم).سفر التكوين 32 : 24 ــ 32. ولكننا نرى في موضع آخر من نفس السفر ينفي مصارعة الله مع يعقوب فلا يذكر حتى عرق النسا ولا حُق يعقوب الذي انخلع فيقول عن تسمية يعقوب بإسرائيل : (وظهر الله ليعقوب وباركهُ، وقال له الله : اسمك يعقوب. لا يُدعى اسمك فيما بعد بل إسرائيل). سفر التكوين 35 : 10. والذي يُكذب هذه الخرافة هو سفر هوشع الذي نفى أن ينزل الله على صورة إنسان، بل نزل على هيئة ملاك وصارعهُ يعقوب وبقى اسمه يعقوب ولم يُغيره الله إلى إسرائيل. سفر هوشع 12 : 4. وحتى لو كان ملاك أو جني تصارع مع يعقوب ، ما هي الفائدة من ذلك، وهل هي إلا مثل أسطورة صراع عمر بن الخطاب مع الجني وانتصاره عليه. ولربما هذه من تلك.
2- تفسير الكتاب المقدس ، أغنية ونشيد لامك 23 ــ 24 . موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
3-المائدة : 28.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج3 ص : 399.
5- الفهرست للشيخ الطوسي ، ص : 8.
6- سفر التكوين 4: 10 ــ 17. سفر الخروج 6: 14 لامك ابن حنوك ثاني قاتل حيث قتل جده (قابيل).يقول المفسر: (بينما كان لامك يصطاد ضرب سهمه خطأ فوقع في قلب جده قابيل وقتله. وعندما صرخ حفيده قام لامك بقتله أيضا. المفسر المسيحي هنا يُبرر للامك قتله لجده بأنه خطأ غير مقصود، ولكن بالرجوع للتوراة سفر تكوين 4 نجد لامك يتشدق بقتل جده قابيل ويفتخر أمام زوجاته. شرح الكتاب المقدس العهد القديم القمص أنطونيوس فكري تفسير سفر التكوين 4.
7- ليس كما تزعم التوراة من أن إسرائيل اسم النبي يعقوب، لأن بني إسرائيل قبل يعقوب، فليس من المنطقي أن يحصل يعقوب على هذا للقب لأنهُ صارع الله وانتصر عليه كما في التفاسير المسيحية. وأما اليهود هذه الشرذمة القليلة فقد أنكر المفسرون أن يكون اليهود مؤمنين، فقالوا: (فلم نسمع أن لهذه القبيلة علاقة بالله وبعض أسمائهم نلاحظ فيها إسم الله ولكنهُ التدين الظاهري مثل (اليهود) ولم نسمع أن لها معابد أو مذابح أو عبادة أو خرج منها قديسين). موقع الأنبا تيكلا هيمانوت، القس أنطونيوس فكري ،تفسير أغنية أو نشيد لامك الإصحاح الرابع : 23 ، 24.
8- تفسير العهد القديم - القمص تادرس يعقوب، تفسير سفر التكوين : هابيل وقايين.
9- آل عمران : 93.
10- البقرة : 133.حتى الكتاب المقدس يؤكد أن يعقوب مات وهو يعقوب ولم يُعرف له اسم آخر كما نقرأ(فنزل يعقوب إلى مصر ومات هو وآباؤنا).سفر أعمال الرسل 7 :15. وأغلب الظن أن يعقوب التوراة ليس نفسه يعقوب الإنجيل والقرآن، لأن يعقوب التوراة مخادع غشّاش سارق، بينما يعقوب الإنجيل والقرآن نبي له كرامة ووزن وهو على دين إبراهيم.
11- الأنبياء : 72. و : سورة مريم : 49.
12- المائدة : 27.
13- البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم -عليه السلام- وذريته ، برقم . 3335.
14- إنجيل متى 8 : 11.
15- إنجيل متى 22 : 32.و : مرقص 12 : 26.
16- إنجيل متى 22 : 32.و : مرقص 12 : 26.
17- سفر ميخا 5 : 2.
18- المائدة : 32.
19- سفر إشعياء 59 : 7.
20- الإسراء : 2 ـ 3.
21- هود : 27.
22- هود
23- حزقيال 22 : 3 ــ 9.
24- التحريم : 10.
25- يوحنا 8 : 44.
26- سفر التكوين 4 : 21.
27- سفر التكوين 4 : 8 ـ 17.في هذا النص أمرٌ مبهم، وهو زواج قابيل من امرأة من أرض نود، من أين أتت هذه المرأة؟ فلم يكن في الأرض حسب النص سوى ثلاث أشخاص هم : آدم وحواء وقابيل الهارب ، إضافة إلى إبليس الذي نزل معهم. فهل كان هناك بشر غير آدم أو أن إبليس الذي كان من الجن ساهم في خلق ذرية لقابيل كما ورد في القرآن من قول إبليس : (أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريتهُ). سورة الإسراء : 62.ألم يكن هذا مصداق قوله تعالى : (وشاركهم في الأموال والأولاد). سورة الإسراء آية : 64.
28- سفر العدد 26 : 5.
29- سفر إرميا 8: 3 . و : سفر حزقيال 20: 44.
30- سفر الحكمة 14 : 24.
31- سفر إرميا 8: 3 . و : سفر حزقيال 20: 44. و: سفر يهوديت 16 : 10 . وسفر يهوديت 13 : 8.وكذلك عندما وقف يوحنا النبي بوجههم، دسوا عاهرة القصر وراقصة القيصر لتُطالب برأس يوحنا فقطعهُ القيصر وأهداه لها على صينية من ذهب.
32- سفر إرميا 8: 3 . و : سفر حزقيال 20: 44.
33- إنجيل متى 23 : 35.
34- سفر أعمال الرسل الإصحاح 21 : 38.
35- سورة المائدة آية : 32.
36- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٧ - الصفحة ١٣٧. تحريم قتل من كان آمنا على غفلة منه، ولو كان مسلمًا أو كافرًا. سنن أبي داود (4/ 400) (2769)، شرح سنن أبي داود لابن رسلان ج12ص: 82.
https://telegram.me/buratha