إيمان عبد الرحمن الدشتي
ما أن يحلَّ موسم التضحية الحسينية (على مشرِّفه آلاف التحية والسلام) حتى يكثر الحديث عن "أكلة القيمة" في المنازل، والأزقة، وفي العالم الافتراضي، بين متلهف للحصول عليها وناقد له! وبين مدافع عن قيمتها وآخر مستهجن مستهزِء رخيص! ومن بين كل هؤلاء تبرز قيمتها!
بدءاً؛ نُعرِّف الشعوب التي لا تعرف "القيمة" بأنها نوع من أنواع المرقات، مكوناها الرئيسيان هما الحمص، واللحم الذي يشكل أكثر من نصف وزنها، وهي ذات قيمة غذائية عالية.
عشرة أشهر من العام تكاد القيمة أن تكون منسيّة! فلا المطابخ تَذكُرها ولا القدور تحن إليها لتكلفتها! وما أن يحلّا شهري العِبرة والعَبرة، شهري التضحية والإيثار، شهري البذل والعطاء، حتى يعلو صيتها!
يُمثّل قدر القيمة هذا أروع حالات البذل والسخاء، التي توارثها الموالون جيلا بعد جيل، فيعكسون بها ذوبانهم في عشق سيد الشهداء (عليه السلام) واستعدادهم لتقديم أفضل ما يمكنهم تقديمه لمحبي آل البيت (عليهم السلام) براً بإمامهم، فالغالب على الطبيعة البشرية حب النفس وكراهة الإنفاق على الغير، إلا أن الذوبان في حضرة سيد الشهداء (عليه السلام) توجِد حالة نكران الذات، وحالة التراحم، والبذل الذي يتعاهدونه مع مولاهم في كل عام، وبتزايد مستمر لما يرونه من كرم مولاهم في رد الجميل بالأجمل والكثير بالأكثر والطيب بالأطيب.
هنا نريد أن نوضح أموراً بمنتهى الأهمية:
أولا- إن أهل البيت (عليهم السلام) غير محتاجين لعطاء الناس، بل إن الناس هم المحتاجون إليهم ولعطائهم، وموائد الإطعام صورة من صور التقرب إليهم وتوثيق العلقة بهم (عليهم السلام)
ثانيا- إن من يبذلون هم إما من أدركوا لطف وبركات العترة الطاهرة، لحاجة رجوا قضاءها فتحققت ببركاتهم، فكان البذل شكراً لهم (صلوات الله وسلامه عليهم) وإما تزلفاً لفيض كرمهم، والأعم الأغلب هم المتيقنون من أن الإنفاق والبذل، هو صورة من صور الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام) وأن كل ما يقدمونه لا يجازي ذرة من تضحياتهم، ولو أنهم قدّموا الغالي والنفيس فلن ينافسا قطرة من دماء قتيلِ الأدعياء سيدِ الشهداء (عليه السلام) وفي كل ذلك هم يرجون القربى المطلقة لله (عزَّ وجلَّ)
ثالثا- إن الإنفاق على محبة أهل البيت (عليهم السلام) أياً كان شكله، وأياً كان مقداره ونوعه فهو عظيم عند الله تعالى، ولا يهون في عينه سبحانه أي بذل مهما قل او كثر، صغر او كبر، بل لربما تسبيل الماء المباح لكل المخلوقات، والمتاح لكل الباذلين أغنياء كانوا أم فقراء، والذي هو الأقل في قيمته المادية، وحيث أن طغاة بني أمية (عليهم لعائن الله) قد حرموا إمامنا المظلوم وعياله منه، فصار الماء هو الأسمى في قيمته المعنوية والإنفاقية.
رابعا- هنا نود الإشارة إلى أن الإطعام لا يقتصر على الموالين فقط (فهناك مِن غيرهم ممن يجلّون مقام الإمام الحسين (عليه السلام) فيرجون في وصله البركة والاستشفاء) إلا أنه صفة تأصلت في الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) وصارت سبباً في التراحم في الأزمات والمحن، وليست ببعيدة عنا أزمة كورونا التي أثبت فيها الموالون صدق قولنا، وكذلك حملات إغاثة المنكوبين في فلسطين وسوريا وغيرهما.
خامسا- إن من ينعقون ويشنّعون بهذه الشعائر طعنا بشيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هم الأبخل عملا، والأبخس حظا، والأسوء عاقبة، أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان فأعماهم وأصمهم، حتى انقادوا بجهلهم إلى سفارات الشر، وصاروا يبحثون عن زلة هنا او هناك، سهواً كانت أم عن قصد، فنراهم يبثون سمومهم عبر المواقع طعناً بالباذلين وينعتونهم بالريائيين! وتارة يقولون بأنه في غير موضعه، وأن الأولى بذله في مشاريع إنسانية، وهم يعلمون جيدا أن هؤلاء الكرماء، هم أول الساعين والداعمين لها، ولا يخلو مكان للتراحم من خدّام الحسين (عليه السلام)
كما ويستهزئون بمن يتوافدون على قدور "القيمة" وغيرها من خيرات أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) حين يتهافتون على الحظوة بشيء منها، متجاهلين -أولئك المغرضين- أن تلك القدور مقصد لبطون الأغنياء قبل الفقراء، وليس الموالون فقط، وإنما من كل المذاهب والأديان، وهذا هو الفخر بعينه، فليتأملوا!
ختاماً نقول؛ إن موائد الإطعام على محبة إمامنا الخالد سيد الشهداء (عليه السلام) لهي التجارة التي لن تبور، وبها نبلسم قلب حفيده المهدي (أرواحنا فداه) المثخن بالجراحات، فعلى كل موالٍ أن يعكس الصورة الحضارية لهذه الشعائر الإلهية، ويستخلصها من كل ما يشينها ويوهنها، ليُثلج صدر ولي أمرنا (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حينها يُخرس ألسنة أعداء آل بيت الرسالة ومنهم الجهلة والناعقين، ولا يفتح لهم منفذاً ليزجّوا أنوفهم بالقيم السامية! وليعلم جميع أولئك أن من يتطاول على شعائر الله؛ سيتلقى منه صفعة تحيله إلى سوء المنقلب وبئس المصير!
https://telegram.me/buratha