علي الازيرجاوي ||
الحروب أخلاق والتزامات وقواعد إشتباك متفق عليها لا يتجاوزها إلا من خرج عن الاحترام، ودخل في خانة الرعونة والاستهتار بالقيم والمُثل الإنسانيّة.
والإسلام كونه دين رحمة وإنسانية أكد على مثل هذه القيم وألزم المقاتلين بتنفيذها حرفياً، منها عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: كان رسول الله “صلى الله عليه وآله” إذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: ( سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله “صلى الله عليه وآله” لا تغدروا ولا تغلوا…).
لا تغدروا ولا تغلوا إلى آخر الوصايا؛ هذه وصية القائد لمقاتليه، فالمسلمون لا يغدرون بخصومهم واعدائهم ولا يأخذونهم غيلة بالمكر والخداع، لان الغدر أسلوب الجبناء وفاقدي الثقة، والغيلة أسلوب المخادعين، بينما الإسلام دين صدق ومباديء وأخلاق يمنع الصفات السيئة عن أتباعه المؤمنين.
من هذه المقدمة البسيطة نحلّق مع الطائرات المسيّرة التي عبرت سماء العراق قاصدة أهدافها العسكرية في فلسطين المحتلة رداً على التجاوزات الصهيونية في الاعتداء على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال القادة المستشارين.
ونحن في الجو نلاحظ الكثير من الآراء والمواقف المؤيدة والمناوئة للعملية التي أطلق عليها ( الوعد الصادق )، كل بحسب توجهه الأيديولوجي فمنهم من اعتبرها عملية متفق عليها وذلك بحسب فهمه القاصر الذي تعوّد على الهجمات الرعناء التي قام بها المقبور صدام في حربه على الجمهورية الإسلامية او دخوله الكويت دون سابق إنذار بحيث ان الجنود العراقيين لم يكونوا على علم بحركتهم العسكرية فكانوا يتصورون أنهم في تدريب تعبوي او تغيير مواقع، وفوجئوا بأنهم داخل أراضي الدولة الجارة.
وكذلك الكيان الغاصب يقوم بعملياته خلسة ويتحين الفرص والمعلومات الاستخبارية لينقض على هدفه الذي يكون في مأمن عادة ولعه مع عائلته وأطفاله، ثم يتبجح بحصوله على صيد مهم.
لكن الرد الإيراني الليلة الماضية كان واضحاً ومعلناً وقد اشار له السيد القائد في خطبة العيد بأن ( الكيان الصهيوني الخبيث ارتكب خطأ بمهاجمة قنصليتنا ويجب أن يعاقب وسيعاقب)، وبالفعل أبلغت إيران حلفائها وأوصلت رسائل واضحة إلى امريكا التي حاولت معرفة نوعية الرد، أبلغتهم بأنها ستنفذ عملية تأديبية محدودة ضد الكيان الغاصب تتناسب مع الضربة على القنصلية وتكون عقوبة ضمن سياق قواعد الصراع الذي تلتزم به ايران، وقد أعلنت عن موعد الرد ونوع السلاح المستخدم حتى ان الكيان الغاصب نفسه أعلن ان المسيّرات الإيرانية ستصل بالساعة الثانية بعد منتصف الليل، وتبعها موجة صاروخية كان هدفها القاعدة العسكرية اولاً وإشاعة حالة من الضعف والإرباك والاهانة للكيان المحتل وكشفت عن إمكانية قلعه من الجذور الهشة في الوقت المناسب ثانياً، وأثلجت صدور المظلومين من الشعب الفلسطيني ورفعت رأس العرب والمسلمين ثالثاً.
ولتثبت ايران إنها إسلامية ليس في حكومتها ونظامها السياسي فحسب، بل في سلوكها والتزامها بقواعد الاشتباك وإحترام الخصم وهذه الأمور من ضمن ثقافتهم فهم يصفون ترامب القاتل بالسيد ترامب والسيد بايدن وهكذا.
فالنتيجة أن الجمهورية الإسلامية لم تغدر بالعدو وهذا خلق محمدي على عكس من يريدها ان تضرب بهمجية وانفعالية وهو نفسه الذي شنّع عليها عدم الرد قبل تنفيذ الضربة؛ ويريدها ان تأخذ عدوها غيلةً كأن ترسل سفينة محملة الغذاء مثلاً وعندما تقترب من العدو تطلق صواريخها لتسقط على الناس المدنيين وتعتبره نصراً، هذه لغة الشياطين والطارئين الذين همهم الكسب غير المشروع والهيمنة بشتى الوسائل، او يريدونها على الطريقة الأمريكية بحرق الأرض تحت حجج واهية.
الفارق الثقافي واضح إذن، طرف يريد الرد على غرار الكاوبوي الفوضوي، وطريق يتأمل أخلاقيات الحرب وعدالة العقوبة واحترام الناس وقواعد الإشتباك والخلق النبوي الشريف، وشتان بين الطريقين.
والله ناصر المؤمنين
https://telegram.me/buratha