رياض سعد
لست من دعاة الدكتاتورية وسياسة قمع الحريات وتكميم الاصوات , وكذلك لست معنيا بالصراع الدائر بين الامريكان والغرب وبين الروس والصين حول النفوذ والمصالح و وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي , فالفيس بوك الامريكي والتيك توك الصيني لدي سواء ؛ نعم قد اهتم بقدر ما يتعلق هذا الامر او ذاك بالمصلحة الوطنية والامة والاغلبية العراقية .
وبعد 83 عام من الحكم الاجنبي الهجين والطائفي المقيت والقومي والعنصري والبعثي الاجرامي , و عقود حكم العملاء اللؤماء المريرة , والسنوات الطويلة العجاف , وايام الزمن الاغبر , وبعد فواجع وماسي حكومات السجون والمعتقلات , وحروب الوكالة الخاسرة ومعارك النيابة عن الاخرين , و جرائم الاعدامات الرهيبة والمقابر الجماعية والتطهير العرقي والطائفي والتصفيات الجسدية , وقمع الحريات ومطاردة المواطنين والشخصيات واصحاب الكفاءات , وتكميم الافواه وخنق الاصوات , حيث الدكتاتورية والحكم المركزي الغاشم , والاعلام الحكومي الهجين الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد والرمز الواحد ؛ اذ لا مكان وقتذاك للأصوات الاخرى والآراء المغايرة والرؤى الوطنية المختلفة والافكار الحرة ؛ انفتح العراق على العالم الخارجي ، وتعرّف العراقيون على أنواعٍ جديدة من الفنون والمعارف و وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ، فضلا عن الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وما ترتب عليه ... , وتنعموا بأجواء الحرية والديمقراطية على الرغم من بعض الشوائب والسلبيات هنا وهناك .
وسرعان ما تحولت وسائل التواصل الاجتماعي الى وسائل للتواصل الاجتماعي بين العراقيين انفسهم وغيرهم , بل وطرق للعمل والارتزاق , ونافذة لإيصال اصواتهم للحكومة , اذ صارت وسيلة الكثير من الشباب الأساسية للاحتجاج ضد فساد بعض الساسة والمسؤولين والحكومات .
ومن الطبيعي ظهور العديد من السلبيات والسلوكيات الهابطة والممارسات الخاطئة , بعد عقود الكبت والصمت والجهل والتجهيل والارهاب والتخويف والعنف الطويلة , والتي رافقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي , بسبب الجهل والعقد والامراض النفسية والازمات الاجتماعية , بالإضافة الى بروز ظواهر الجيوش الإلكترونية والذباب الالكتروني والاقلام المأجورة ومرتزقة الاعلام التجاري والاعلام المسيس .
ان الناظر الى بعض الفضائيات والاذاعات والصحف والاصدارات , و وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتيك توك وغيرهما , يرى بوضوح كيف ان ايتام النظام البائد وشراذم البعثية والقومجية وزبانية صدام وفلول الطائفية والتكفيرية والمخربين الانفصالية , قد سيطروا سيطرة تامة على تلك الوسائل المهمة والحساسة والتي تعتبر السلطة الرابعة في هرم الدولة ولعلها الاولى في حياة الشعب , وبدأوا بنفث سمومهم الصفراء , والعمل بمؤامراتهم ومخططاتهم الشيطانية والتي تستهدف الديمقراطية والعملية السياسية والعراق والاغلبية والامة العراقية , واعادة عقارب الساعة الى الوراء , والرجوع الى مربع الدم والخوف والعذاب والحرمان والبؤس ومحاربة الحريات وقمع الاصوات المعارضة , ومطاردة العراقيين تحت كل حجر ومدر , وقتلهم على الشك والشبهة .
وبما ان الامن الوطني والسلم الاهلي , والحفاظ على المكاسب الوطنية والديمقراطية من أهم الاولويات , وتجفيف منابع الارهاب وحفظ النظام العام من أهم الواجبات , وجب مراعاة هذه الامور الحساسة والمصالح الوطنية العليا وتقديمها على كل ما عداها , وتصريح رئيس الوزراء البريطاني السابق كاميرون في هذا الخصوص ؛ قد يختصر لنا الطريق ويوضح المقصود ؛ اذ قال مقولته الشهيرة : (( عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي لبريطانيا لا تسألوني عن حقوق الإنسان )) لا أعتقد أنه يحتاج إلى مزيد من التوضيح، فالأمن القومي لأي دولة هو أولوية قصوى لا تضاهيها أولوية، وسعي الدول إلى الحفاظ على أمنها يتيح لها اتخاذ ما تشاء من تدابير، بغض النظر عن اتفاق العالم معها أو ضدها بشأن هذه التدابير ؛ بل وان اضطرت الحكومة الى التضييق على بعض الحريات او التجاوز على بعض حقوق الانسان ؛ فللضرورة احكامها كما قيل قديما .
والسؤال المنطقي هنا هو أيهما أهم: الحفاظ على الديمقراطية واجواء الحرية والمكاسب الوطنية وامن وامان الاغلبية والامة العراقية وحمايتها من اخطار شراذم وفلول البعثية والصدامية والطائفية والتكفيرية والاعداء الخارجيين والمؤامرات الدولية المشبوهة ؛ أم بقاء بعض منصات ومواقع التواصل الاجتماعي مفتوحة لكل من هب ودب , والاستمرار باستخدامها من قبل الاعداء للتشويش على الاوضاع العامة وارباك المجتمع وغسل ادمغة الناشئة والشباب والتبشير بالفكر القومي المنحرف والبعثي الاجرامي والتكفيري الارهابي الذي يهدف الى هدم اركان الدولة واسقاط التجربة الديمقراطية والعودة الى الطائفية والعنصرية والمناطقية والدكتاتورية ؟!
ليست الديمقراطية والحرية في ذاتها هي الغاية ، بل هي وسيلة لتحقيق سعادة الناس ونهضة البلاد وبناء الحضارة والعيش بأمن وامان ؛ ولا يمكن بحجة الحرية والقبول بالتعددية السماح باستخدام وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لنشر الافكار البعثية الاجرامية والترويج للسلوكيات والجرائم الصدامية ومباركة العصابات والمجاميع التكفيرية والارهابية , وتشجيع اصحاب الدعوات العنصرية والمنكوسة , والسماح للأعداء بنشر الافكار الهدامة والرؤى الظلامية التي تستهدف سلامة المجتمع والاغلبية والامة العراقية , او تسليط الاضواء على مظاهر العنف والبطش والارهاب والفوضى والتي تستهدف سمعة الامة العراقية , فكل هذه الشرور والافكار الشريرة مقدمات لتغيير قناعات الناس والجماهير وغسل ادمغة الجيل الجديد , للقبول برجوع البعث المجرم , او قبول الظواهر الصدامية والطائفية والعنصرية والتكفيرية على انها ظواهر طبيعية ينبغي ان تجد لها موقعا في الساحة العراقية من جديد .
وسط هذه التحديات والمخاطر , والانشطة والفعاليات البعثية والصدامية والتكفيرية المدعومة من قبل قوى الشر والاعداء والمخابرات الدولية ولاسيما الامريكان والانكليز والانظمة الاقليمية , والمقصود منها الضغط على الحكومات العراقية وتهديد السلم الاهلي والامن المجتمعي والتآمر على الاغلبية والامة العراقية وعرقلة كل مساعي التطور ومشاريع التنمية ... ؛ لابد من استخدام القوة والحزم والضرب بيد من حديد ؛ وتقييد بعض الحريات والغاء وحظر بعض المواقع والوسائل الاعلامية اذا لزم الامر ؛ في سبيل حماية المجتمع والتجربة , ونقل المجتمع من حالة التآمر والتسيب واللامبالاة الى حالة الحذر واليقظة والنظام والمسؤولية الوطنية والحس الامني ...؛ والذي يسيء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي و ينتهك قوانين الدولة، ويتجرأ على أمنها واستقرارها ، ويمجد بالبعث الدموي والمجرم صدام , ويروج للقتلة والذباحة والتكفيرية ؛ فلا يتباكى بعدها على حظر هذه الوسائل ؛ فالحظر نتيجة طبيعية لأفعاله العدوانية والمنكوسة .
وقد حجبت الكثير من الدول تطبيق (الفيس بوك ) كالصين وايران وغيرهما ؛ كما قُيد أيضاً استخدام الموقع بطرق أخرى في بلاد أخرى ... ؛ وفي 13 مارس 2024 أقر مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة حظر "تيك توك" في الولايات المتحدة , و تم حظر تيك توك تمامًا في الهند من قبل وزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات في 29 يونيو 2020، إلى جانب 223 تطبيقًا صينيًا آخر، مع بيان يقول : إنها «تمس سيادة وسلامة الهند، والدفاع عن الهند، وأمن الدولة والنظام العام».
وقد أعلنت بعض الدول حول العالم حظر تطبيق التيك توك وذلك بسبب ان التطبيق لا يحمي المستخدم وأيضا يخترق خصوصيته... ؛ ومنها : بريطانيا , نيوزيلندا , تايوان , كندا , وغيرها ؛ وقد فرض البرلمان والمفوضية ومجلس الاتحاد الأوروبي، وهي ثلاث هيئات كبرى في الاتحاد الأوروبي، حظرًا على تيك توك .
وعليه نطالب الاتصالات العراقية , بحظر وحجب المنصات والمواقع والوسائل الاعلامية المريئة والمسموعة والمكتوبة بالإضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج للبعث المجرم والسفاح صدام وتنشر الرؤى الطائفية السوداوية والعقائد التكفيرية الظلامية ؛ او تضع ضوابط قانونية بالاتفاق مع اصحاب تلك الوسائل للحيلولة دون سيطرة المجرمين البعثيين والصداميين والتكفيرين عليها واستخدامها لأغراضهم المشبوهة .
https://telegram.me/buratha