عادل الموسوي
في هذه الحياة الموسومة بالدنيا؛ نعيش في آن واحد عوالم متعددة، منها المنظور ومنها الخفي، وبطبيعة الحال هي أكبر وأوسع من عالم الست وهيبة!! إلاّ أنّ عالمها الصغير بجزئيه الأول والثاني كان محوراً للإساءة للعالم الأكبر.
في كل عام وللرأي العام -العراقي- صولة وجولة مع القنوات المثيرة للجدل والمذكية للأزمات، وفي رأس القائمة utv..
ما أثارته القناة التي تبث من تركيا، وتعود ملكيّتها لخميس الخنجر، ورئاسة مجلس إدارتها لإبنه سرمد، والتابعة لمجموعة شبكات bein التي مقرها قطر، ومديرها التنفيذي الملياردير ورجل الأعمال القطري ناصر الخليفي -في هذا الموسم، هي؛ الإساءة الواضحة والمتعمدة لمقام الإمام المهدي عليه السلام.
بعد موجة الغضب وبيانات الإستنكار الشديدة اللهجة لشخصيات وجهات موّفقة، حول الإساءة التي تضمنها مسلسل "عالم الست وهيبة" في جزءه الثاني، والذي تعرضه قناة utv، وبعد تداول لهيئة الإعلام والإتصالات مع القناة؛ وعدت القناة بإزالة الملابسات والملاحظات الواردة من المناشدات والإعتراضات الإجتماعيّة والبرلمانيّة والحكوميّة!!
لكن كيف تتم إزالة الملاحظات والملابسات؟!
وهي تتعلق بممثل إساس إسمه مهدي ومكنى بأبي صالح، مكلّف بتجسيد دور المجرم القاتل السفّاح الذي يعيش على الدم، وعلى تعاطي المؤثرات العقلية؟!
هل تم تبديل الإسم مثلاً؟!
أمْ إنّ صاحب الإسم تاب وآمن وعمل صالحاً، وأمَّ المصلّين في جماعة؟!
إن أردت مثالاً عن الضحك على الذقون! والإستهتار بعقلية المجتمع، فهذا مثال جيد.
تتكرر الإساءات من هذه القناة ويتكرر الإعتذار مع الإهانة بالتبرير بسوء الفهم، وأنّ المقصود كان خلاف المفهوم، فإن فُرض إيقاف العمل؛ وصفت القرار بـ"التعسفي"، تساندها وتعاضدها؛ نقابة الفنانين والجهات المدافعة عن حريّة الصحافة، وتظلم الجميع وتباكى على حريّة التعبير.
إساءات متكررة وإعتذارات مموهة كاذبة:
مسلسل وطن:
تضمن عدداً من الرسائل المسيئة للهويّة الدينيّة بشكل واضح لايمكن تبريره، منها: الإساءة الواضحة للقرآن الكريم المتمثل بالتأويل الخاطيء لآياته وتقديمها كمبرر لجرائم القتل وسفك الدماء، والإساءة الواضحة والمتعمدة للبعد الثقافي والعقائدي للمذهب الشيعي -عبر الزي الديني لطلبة العلوم الدينيّة ورجالات الحوزات العلميّة.
مسلسل الكاسر:
الأساءة بالمغالطة وتشويه الحقائق والإصرار على خلق صورة لأبناء الجنوب العراقي بعيداً عن الواقع، بما ينال من سمعتهم وكرامتهم الإنسانيّة، مما يعكس الأهداف المشبوهة لأصحاب هذه القنوات.
إنّ الإساءة للمجتمع الجنوبي هي إساءة إلى عموم أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، والذين تمثل ثقافتهم ومتبنياتهم الجزء الأكبر والأصيل من النسيج الثقافي والأجتماعي للشعب العراقي.
إنّ الأساءة المتكررة والمتعمدة إلى العشائر الجنوبيّة لم تقتصر على قناة utv ففي وقت سابق عرضت mbc العراق مسلسل "أحلام السنين" والذي أثار ضجة في ذلك الوقت، بإساءته المتعمدة بمحاولة ترسيخ صور عن الموروثات والتقاليد وطبيعة الحياة الجنوبيّة بعيدة عن الواقع، كما عبر عن هذا المعنى الشيخ يعرب المحمداوي بقوله: (هي ليست من الموروث الإجتماعي أو ثقافة المضيف وأدبياته وتقاليده المعروفة، وهذا إفتراء كبير لا يمت الى الواقع بصلة، ولايتعدى كونه "بروباغندا ممنهجة" يُراد منها الإساءة للعراقيين جميعاً والقيم المجتمعيّة النبيلة وسمعة عشائرنا الأصيلة).
تتكرر الإساءة من mbc في مسلسل "دفعة لندن" الذي أثار ضجة كبيرة لما يتضمن من تحامل على العراقيين والشيعة، وتصويرهم على أنّهم؛ خدم وسرّاق وأتباع وعديمي الغيرة.
إساءات أُخرى عامة من utv:
- قدّمت وزارة الدفاع العراقيّة دعوى قضائيّة ضدّ مقدِّم البرامج أحمد ملّا طلال، والممثل إياد الطائي بسبب مشهد تمثيلي تم بثه من خلال البرنامج عدّته إساءة لسمعة المؤسسة العسكريّة.
- بيان وزارة الداخليّة الموجه إلى القناة بعد رصده لإساءات إلى المؤسسة الأمنيّة عبر مشاهد من مسلسل تبثه القناة.
- بيان لنقابة الصيادلة رداً على مشهد تمثيلي في مسلسل تبثه القناة يسيء إلى المؤسسات الصيدلانيّة، وأن المشهد يتضمن معلومات مغلوطة لا تمت إلى الواقع بصلة.
- النائبة الأيزيديّة فيان دخيل تصدر بياناً هاجمت فيه القناة لإساءتها الواضحة في مسلسل "بنج عام" في قضيّة سبي الأيزيديّات، وتجاوزها بشكل غير مبرّر على الديانة الأيزيديّة وكيف أنّها إستخدمت المأساة بكل إستهتار وإستخفاف، وإستخدامها في العمل مفردات سوقيّة خادشة للحياء، والتي مثلت تجاوزاً كبيراً على المجتمع الأيزيدي وديانته.
قناة مثيرة للجدل
- مجموعة مسلّحة مجهولة تقتحم أحد مكاتب القناة في بغداد على خلفيّة إستضافتها لشخصيّة سياسيّة مثيرة للجدل.
- إعلان القناة عن إغلاق مكتبها في بغداد بعد تلقيها تهديدات بسبب إساءات.
- إلقاء قنبلة يدويّة على أحد مكاتب القناة بسبب إساءات.
- القوات الأمنيّة تحتشد بمحيط أحد مكاتب القناة لحمايتها بعد تلقيها تهديدات.
- منعت القوة الحامية للمنطقة الخضراء القناة من تصوير دخول المحتجّين الى القصر الجمهوري.
لم يقتصر إقتحام القنوات المسيئة إلى الرموز الدينية على utv، فقد إقتحم عدد من أنصار التيّار الصدري مكتب قناة البغداديّة ببغداد، وإقتادوا مقدم برنامج "استديو التاسعة" إحتجاجاً على ما ورد من إساءة لزعيم التيّار.
عودة إلى عالم الست وهيبة:
عرضت الحلقة الأولى من المسلسل بموسمه الأول عام 1997 ثم إستأنف بث المسلسل في عام 1998 بعد توقفه لأسباب مجهولة، ويأتي المسلسل في إطار ما سميّ بالحملة الإيمانيّة التي شنّها النظام السابق على أتباع أهل البيت عليهم السلام بعد قمع الإنتفاضة الشعبانيّة عام 1991.
تعمّدت الحملة الإيمانيّة الإساءة إلى الشيعة والجنوب والمنتفضين بأساليب متعددة غايّة في الخباثة، كان منها؛ برامج ومسلسلات وأعمدة ومقالات تضمنت ترسيخ صورة للمجتمع الجنوبي والشيعي؛ بأنّه مجرم سفّاح خائن جاهل متخلف، بالإضافة إلى الإساءة إلى رموزه الدينيّة ومقدساته، وقد أساء مسلسل عالم الست وهيبة إلى مقام الإمام المهدي عليه السلام، بالإسم والكنية التي إنتحلها الممثل غالب جواد بأداء دور؛ المجرم القاتل المتعاطي للمؤثرات العقلية.
مات القاتل ومات النظام، وجاء من أحيا تلك السنّة السيّئة، ثأراً للنظام وإتباعاً لخطواته، فالإساءة في الجزء الأول هي الإساءة في الجزء الثاني، لا تبرّر ولا تؤوّل، فهي ممنهجة واضحة متعمدة.
الموقف: المنوال نفسه؛ إعتراض وإستنكار وبيانات، لكنّ الملاحظ؛ إنّ شدّة اللهجة -عدا الوقف الشيعي- ضد الإساءات لم تكن بالقوة التي شهدها العام الماضي ضد إساءات مسلسل "الكاسر".
كان من الجهات الغاضبة رؤساء العشائر وبعض الفصائل، ولم نلحظ لتلك الجهات وجوداً في مساحة الإحتجاج هذا العام.
كما لاحظنا ردود أفعال عنيفة من جهات مختلفة ضد إساءات لا تصل إلى مستوى الإساءة إلى مقام الإمام المهدي عليه السلام، وبالطبع فنحن لسنا مع ردود الأفعال العنيفة.
النتيجة: القضاء يصدر أمراً ولائيّاً بإيقاف العمل، ولكن!!
بناءً على الدعوى المرفوعة من صباح عطوان على الجهة المنتجة على خلفيّة إشكالات تتعلق بالتعديل على سيناريو المسلسل!!
إذن لم يكن إيقاف العمل إعتذاراً عن الإساءة وإستجابة لمطالبات الإيقاف!!
لا إستجابة للمطالبات بوقف عرض المسلسل لأنّها مطالبات متواضعة غير قويّة وجادّة.. فلا بدّ من رفع السقف بإيقاف بث القناة وفرض العقوبة!! مع وضع آليّات عامّة للحدّ من الاساءات وقبر الأعمال المسيئة قبل تنفيذها.. لا بدّ أن تُعرض السيناريوهات على لجنة من جهة مختصّة، يقترن إنتاج العمل بموافقتها، كما تكون مسؤولة عن تلقي الشكاوى والإعتراضات على الأعمال والبرامج والمحتوى المخالف لمواد القانون المُقيّدة للنشر والإعلام، وتكون نائبة في رفع الدعاوى إلى القضاء، أو قريبة من هذا المعنى من قبيل أن تكون وسيطة في ذلك.
أما الكاتب صباح عطوان..
فقد صرّح قبل ما يقارب الخمس سنوات بأنّه سيباشر كتابة الجزء الثاني من مسلسل عالم الست وهيبة، وأشار الى أنّ: "الذي سيضطلع ببطولته ألمع نجوم الدراما في العراق مع المتميّز الفنان غالب جواد الذي سيدخل العمل بإطار جديد وشخصيّة إمتداديّة الجذور بمهيدي بن زمزم في الجزء الأول".
وصرّح غالب جواد قبل عام: "كان من المفترض أن ينجز الجزء الثاني من مسلسل عالم الست وهيبة عام 2020 بعد الإتفاق والمشاورة بيني وبين الكاتب صباح عطوان.."
صباح عطوان في لقاءٍ له مع علي صادق (مقدم برنامج)، ذكر؛ أنّه لا يدري عن العمل شيء ولم يستشره أحد في شيء!!
صباح عطوان يكثر من إستخدام إسم "شكيب" والأسماء الحياديّة ولا يستخدم مثل: سجاد، علي وعمر وحسين لانّها أسماءً فيها نفسٌ طائفي، وهو لا يحب ذلك ولا يعجبه ذلك، ويضيف: "الإسم عندي قضيّة، يجب أن أكون دقيق في إختيار الإسم، لأن أكو ناس جهلة يتحسبون المفردة، ويتحسبون الجملة، ويتحسبون المثال، ويتحسبون الحكمة.. إكتب لناس متنوعي الثقافات، متنوعي المفاهيم، متنوعي القيم، مختلفين في كلّ شيء، يجب أن أبحث عن شيء وسطي بينهما"!!
وفي الحوار نفسه يذكر: أنّ "الإسم لا يعني لي شي"!!
يضعنا صباح عطوان في هذه الحوارات في وسط جملة من المتناقضات:
ماذا عن مهدي أبو صالح وحيدر ابو جمرة؟!
ألم يكن فيها نفسٌ طائفي؟!
ألم تخشَ من أولئك الجهلة؟!
وهل يوصف من يتحسس الكلمة والجملة والمثال والحكمة بالجاهل؟
لماذا لم تبحث عن شيء وسطي بينهما، فهم متنوعي الثقافات والمفاهيم والقيم ومختلفين في كل شيء؟!!
أين كان عنك "شكيب"؟!
وما تفسير قولك: "الذي سيضطلع ببطولته ألمع نجوم الدراما في العراق مع المتميّز الفنان غالب جواد الذي سيدخل العمل بإطار جديد وشخصيّة إمتداديّة الجذور بمهيدي بن زمزم"؟!!
لقد إختار صباح عطوان "الگراج" وبعض الممثلين وكتب أسماءهم وأشرف على مونتاج المسلسل -في جزءه الأول- ثمّ تنصّل عن المسؤوليّة، متذرعاً التعديل والتحريف، وإنّ ما بقي من المسلسل هو خمسة كلمات، هي: (عالم الست وهيبة صباح عطوان)، ونسي أهم ثلاث كلمات، هي: (مهدي ابو صالح)!! والتي أساء بإقحامها بشخصيّة القاتل السفّاح المتعاطي!!
صباح عطوان: (إذا أدّى هذا العمل إلى إنتقاد عام فمن يتحمّل المسؤوليّة، لست أنا، أنا لا أتحمّل المسؤوليّة).
مَن يتحمّل المسؤوليّة إذن؟! وقد ذكر بأن لا يظننَّ أحد بأنّ الكتابة كانت تملى عليه!! وأنّه كان له مطلق الحريّة، وفي الحوار نفسه ذكر بأنّ الخطوط العامة لبعض الأعمال كانت تأتيه في ورقةٍ مهمشٌ وموقعٌ عليها بالخط الأحمر من جهة عليا تطلب منه هو بإسمه الكتابة فيها!!
الدعوى المرفوعة من صباح عطوان لا علاقة لها بموضوع الإساءة، ولا تهمه الإساءة، ويجحد كونها إساءة، وهو من سنّها قبل 27 سنة..
صباح عطوان: "يجب أن أكون دقيق في إختيار الإسم"!
صباح عطوان: "الإسم لا يعني لي شي"!!
علماً بأن صباح عطوان هو نفسه صباح عطوان!!
إنّ ما بين صباح عطوان وبين جهة الإنتاج اشكالات فنيّة أو غيرها، ربّما يتم حلّها بالتراضي!
ولربّما عاد العرض مجدداً بعد.. صفقةٍ جديدة!!
بل عاد أو إستمر متحدياً القضاء!.
ولن تتحدى utv القضاء دون ضوء أخضر من ظهير.
إنّ هؤلاء قوم مردوا على الإعلام الملون وما هي إلّا لعبة للنتصل..
صباح عطوان: "لم يتَحسّبوا أنّهم بما فعلوا ربّما وضع أساساً ليفجروا أزمة طائفيّة في الشارع لا يعلم إلّا الله من سيكون ضحيتها، لقد عرّضوا الأمن الإجتماعي للخطر بتصرف غير محسوب وعرّضوا الجميع ممن في العمل للخطر، لقد صرت في الواجهة وأنا لم أعد للنص ميتاً ممن أعادوا الى الشاشة، صرت متهماً وأنا المتفرج الحزين.."
بهذه الكلمات يؤكد الكاتب أنّ المسلسل فيه إساءة بالغة وتجاوز كبير، لأنّه يعلم علم اليقين، إنّ إختيار الإسم كان مقصوداً، لأنّه أول من أسس أساس ذلك، وبنى من جاء بعد عليه بنيانه..
{يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ}..
"هنالك يخسر المبطلون ويعرف التّالون غبّ ما أسسه الاوَّلون"..
ربّما يعفي الشعب الطيّب عن إساءات الأيّام العصيبة، لكن لا بدّ من التحقيق فيما كتب صباح عطوان في الجزء الثاني من المسلسل، والحكم بعدم أستمرار تضمين الإساءة، فإن ثبتت؛ فلا بدّ للقضاء من كلمة حزمٍ، لا بدّ من إدانة وعقوبة، وكذا القناة، فلا مفرَّ ولا حلّ من دون سحب تراخيصها، لتجاوزها جميع الخطوط..
https://telegram.me/buratha