المقالات

تحرير واردات العراق النفطية من قبضة الإدارة الأمريكية واجب وطني


حسين العسكري

هدفي من كتابة هذا الموضوع هو لتبيان حقيقة مهمة وهي، أنه بخلاف ما يشاع من قبل سياسيين واعلاميين عراقيين عن جهل او بتعمد لإخفاء الحقائق عن الشعب العراقي لأغراض غير معروفة، لا يوجد قرار من مجلس الأمن الدولي يجبر العراق على وضع وارداته من النفط في حساب "صندوق تنمية العراق" في البنك الفدرالي الأمريكي كما يتم ذلك منذ شهر آيار/ مايو 2003. كما أن هذا الفعل هو مخالفة أمريكية وعراقية لقرار مجلس الأمن المرقم 1956 والصادر في شهر كانون الأول / ديسمبر عام 2010 والذي ينص على اغلاق "صندوق تنمية العراق" وتحويل ما مودع فيه الى البنك المركزي العراقي.  إن قرار وضع أموال صادرات العراق من النفط في حساب في بنك الاحتياط الفدرالي جاء بقرار من بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق بعد الغزو عام 2003 وتم تدعيمه بمرسوم رئاسي وقعه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في يوم 22 آيار 2003. وكان ذلك قرارا امريكيا بحتا لا علاقة له بالقرارات الدولية ولا مسألة البند السابع التي يتم استخدامها كفزاعة لتخويف الشعب العراقي من عواقب مخالفة أوامر ورغبات المحتل الأمريكي.

قضية البند السابع

لنشرح اولا من أي جاءت مسألة وضع العراق تحت البند السابع (الذي يعني استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة لإجبار العراق على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة) وكيف أن العراق قد خرج من ربقة هذا البند في عام 2013.

عندما قام نظام صدام باجتياح واحتلال الكويت في يوم 2 آب / أغسطس 1990 اجتمع مجلس الأمن في ذات اليوم في نيويورك وأصدر القرار رقم 660 الذي طالب العراق بالانسحاب من الكويت ودعا الطرفين (أي العراق والكويت) الى تسوية خلافاتهما سلميا وعبر الحوار، أي لم يتضمن القرار البند السابع ولم يهدد باستخدام القوة.

ولكن بسبب عدم تنفيذ العراق للمادة الثانية من القرار 660 التي تنص على الانسحاب الفوري لكافة القوات العراقية من الكويت، أتبع مجلس الأمن ذلك بالقرار رقم 661 في يوم 6 آب / أغسطس 1990 الذي فرض على العراق تنفيذ ذلك تحت البند السابع. كما طالب القرار بوقف جميع الصادرات والواردات من والى العراق والكويت بشكل تام (أي حصار اقتصادي). هنا دخل العراق تحت طائلة البند السابع.

وقد أصدر مجلس الأمن حوالي احد عشر قرارا يخص العراق لغاية شهر نيسان / أبريل 1991 بعد تحرير الكويت وتم اصدار القرار المصيري 687 في يوم 8 نيسان / أبريل 1991 والذي ثبت الحصار الاقتصادي على العراق باستثناء بعض المواد الغذائية والادوية، وتأسيس لجان الامم المتحدة للتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل وتدميرها، وتأسيس لجنة ترسيم الحدود، وتأسيس صندوق التعويضات للكويت والمتضررين من دول اخرى من جراء الغزو العراقي، وتشكيل لجنة للبحث عن مصير الأسرى والمفقودين الكويتيين في العراق وكذلك مواطنين من دول اخرى، وتأسيس صندوق لدفع ديون العراق السابقة. هذا القرار أسس لحقبة الحصار الاقتصادي والذل والجوع والفقر في العراق ومهد الطريق لغزو العراق في عام 2003.

وقد صدرت قرارات اخرى لتثبيت موضوع صندوق التعويضات وتصدير النفط العراقي بشكل محدود لتمويل الصندوق، مثل القرار 692 في يوم 20 ايار/مايو ١٩٩١ 

هذه القرارات التي كانت تحت البند السابع سوف يتم الغاؤها من بعد (كما سيرد ادناه) بعد ان يوفي العراق بالتزاماته او يثبت انه ملتزم بالوفاء بالتزاماته. 

خروج العراق من أسر البند السابع عام 2013 قبل إكمال دفع التعويضات للكويت

ومن الجدير بالذكر ان اكمال دفع التعويضات لم يعد مرتبطا بالبند السابع منذ إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2107 الذي قد اخرج العراق من ربقة البند السابع في 27 حزيران 2013، أي قبل تسع سنين من اكمال دفع التعويضات للكويت. 

 السبب كما هو مذكور في نص القرار هو أن العراق قد أبدى تعاونا تاما في تسوية ملف ايجاد الأسرى والمفقودين الكويتيين ومن دول اخرى في العراق أو أيجاد واعادة رفاتهم، وكذلك بسبب أن العراق كان ملتزما بإكمال دفع التعويضات للكويت. أي ان التعويضات لم يتم سدادها بالكامل بعد، لكن يرفع البند السابع عن العراق لأنه أبدى حسن نية وتعاون في اكمال هذا الملف في السنين القادمة أيضا.

إذا العراق خرج من البند السابع وتم الغاء كل المقررات في القرارات السابقة وأهمها  661 و 687 و 692 وكلها كانت تندرج تحت البند السابع.

صدر القرار 2621 في 22 شباط / فبراير عام 2022 من مجلس الأمن الذي أكد فيه اكمال العراق لدفع جميع التعويضات للكويت وبقية المتضررين من غزو العراق للكويت، وتقرر اغلاق لجنة التعويضات وصندوق التعويضات.

السيطرة الأمريكية على واردات النفط العراقية بعد الغزو في عام 2003

بعد أن اصبحت قضية الغزو الامريكي البريطاني غير الشرعي للعراق والمخالف لميثاق الأمم المتحد الخاص بحماية سيادة واستقلال الأمم (المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة) أمرا واقعا وبعد انهيار نظام صدام كان على مجلس الأمن القبول بالوضعية الجديدة والتأسيس لمرحلة ما بعد الغزو، لأن الولايات المتحدة وبريطانيا اصبحا مسؤولين عن الوضع في العراق باعتبارهما قوة احتلال. لذلك صدر القرار 1483 عن مجلس الأمن الدولي في 22 أيار/ مايو، 2003 .

جاء التصويت على القرار وصياغته بطلب من ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا وايرلندا الشمالية كما هو مذكور في نص القرار.

كما ثبت مسؤولية دول الاحتلال تحت "سلطة الإئتلاف" عن جميع نواحي الحياة في العراق باعتبارها سلطة احتلال مسؤولة عن ادارة شؤون العراق البلد المحتل. هذا يعني أنها أيضا مخولة بالتصرف بموارد العراق.

كما ثبت القرار انه تم اتخاذه هو ايضا تحت البند السابع.

القرار تناول مسائل مختلفة ومنها خاص بنزع السلاح ، والنظام السابق، والدعوة إلى مساعدة العراق للانتقال إلى الوضع الاعتيادي، واستحداث الصندوق العراقي للتنمية (Development Fund of Iraq- DFI)  وأوجب  إستلام إيرادات النفط جميعها فيه ، ومساعدة العراق لحل مشكلة المديونية، وإستقطاع التعويضات بنسبة معينة من كل إيرادات النفط. كما نص القرار على الغاء العقوبات الاقتصادية على العراق وإنهاء "برنامج النفط مقابل الغذاء" وتحويل الأموال المرصودة فيه (حوالي 10 ملياردولار حسب بعض التقارير) وتحويل المسؤولية الى سلطة الائتلاف.   

الفقرات (12 و 13 و 14) التي أسست "لصندوق تنمية العراق" لم تذكر الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ولا أين يكون مقره ورقم حسابه، بل يؤكد أنه "يوضع في عهدة البنك المركزي للعراق. لكن موارده يتم التصرف بها من قبل سلطة الائتلاف الحاكمة بالتشاور مع الادارة العراقية المؤقتة.

نص المادة 12 من القرار 1483: - يشير إلـى إنشاء صندوق تنمية للعـراق، يوضـع في عهــدة المصـرف المركـزي للعراق، ويقوم بمراجعة حساباته محاسبون عموميون مستقلون يقرهم المجلس الـدولي للمشـورة والمراقبة لصندوق التنمية للعـراق. 

الرئيس الأمريكي يستولي على صندوق تنمية العراق مباشرة

في ذات اليوم الذي تم فيه إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483، أي في يوم 22 ايار / مايو 2003، وقع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على المرسوم الرئاسي أو الأمر التنفيذي رقم 13303 وهو بعنوان "حماية صندوق تنمية العراق وممتلكات أخرى للعراق مصلحة فيها"

(Protecting the Development Fund of Iraq and Certain Other Property in Which Iraq Has an Interest)

على هذا أصبح الرئيس الأمريكي وصيا بشكل رسمي على صندوق تنمية العراق واموال صادرات النفط. لكن حسب القانون الأمريكي وليس القانون الدولي. من الواضح ان الإدارة الأمريكية كانت متأهبة لصدور قرار مجلس الأمن الذي دعت اليه وساهمت في صياغته وانقضت على الصندوق بعد ساعات فقط من صدور قرار الأمم المتحدة، أي أن الصندوق لم يتأسس بعد فعليا لكنه حتى قبل ولادته أصبح تحت تصرف الرئيس الأمريكي. وقد قام جميع رؤساء الولايات المتحدة بعد ذلك سنويا بتجديد هذا المرسوم الرئاسي في شهر مايو من كل عام، وكان اخرها توقيع الرئيس جو بايدن على التجديد في يوم 16 آيار / مايو 2023.

سلطة الإتلاف المؤقتة بقيادة بول بريمر التي اقترحت تأسيس الصندوق على الأمم المتحدة هي التي قررت وضع رقم حساب صندوق تنمية العراق في الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي وليس الأمم المتحدة.

قد يمكن المجادلة قانونيا أنه بما ان الولايات المتحدة مسؤولة عن أموال العراق لأنها دولة احتلال فمن حقها التصرف بالصندوق واين يكون مقره. لكن لماذا استمر الوضع كما هو عليه بعد ان تم الاعلان عن نهاية وضعية الاحتلال ولو اسميا وتوقيع اتفاقية "إطار التعاون الاستراتيجي" بين العراق والولايات المتحدة في عام 2008 والذي ينص على ان القوات الأمريكية موجودة في العراق بطلب من الحكومة العراقية وليس احتلال مفروضا من قبل الولايات المتحدة؟

مجلس الأمن يلغي صندوق تنمية العراق في عام 2010

لم تقم أي من الحكومات العراقية المتعاقبة بالمطالبة بتغيير مقر صندوق تنمية العراق الى البنك المركزي العراقي في بغداد.

لكن في يوم 15 كانون الأول / ديسمبر 2010 أصدر مجلس الأمن الدولي بالاجماع (أي بموافقة الولايات المتحدة أيضا) القرار رقم 1956، وذلك بعد الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى مجلس الأمن "التي أكد فيها التزام الحكومة العراقية بعدم طلب مزيد من التمديدات لترتيبات صندوق تنمية العراق، وأن عائدات النفط ستستخدم بشكل عادل. وأشار إلى الدور الهام لصندوق التنمية والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة."

وينص القرار على ان الصندوق سوف يتم الغاؤه وانهاء اشراف الأمم المتحدة عليه في مدة اقصاها 30 حزيران / يونيو 2011.

نص قرار مجلس الأمن 1956:

المادة الخامسة: يـــشير بنقـــل جميـــع العائـــدات مـــن صـــندوق تنميـــة العـــراق إلى حـــساب أو حسابات الترتيبـات الخلـف الـتي تنـشئها حكومـة العـراق وإقفـال صـندوق تنميـة العـراق في موعـد لا يتجـاوز ٣٠ / حزيـران يونيـه ٢٠١١ ،ويطلـب موافـاة المجلس بإثبـات خطـي بمجـرد الانتهاء من نقل العائدات وإقفال الصندوق.

ويعني اصدار هذا القرار إلغاء القرار رقم 1483 الصادر في عام 2003.

من الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة اصبحت من تلك اللحظة غير مشرفة على الصندوق ولا تستطيع التدقيق في أموره، وأصبح فقط تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة. فهل كان ذلك هدف رئيس الوزراء العراقي من طلبه من مجلس الأمن ان لا يتم التجديد للصندوق؟

على هذا تكون الإدارة الأمريكية وأيضا حكومة العراق مخالفان لقرار الأمم المتحدة 1956 الصادر في عام 2010، مما يعني انه يمكن من ناحية تقديم شكوى ضد الحكومة العراقية من قبل مواطنين أو اعضاء برلمان عراقيين حول ذلك، وأيضا تقديم شكوى ضد حكومة الولايات المتحدة لاستيلائها على صندوق تنمية العراق وواردات صادرات العراق من النفط خلافا لقرارات الأمم المتحدة.

لكن باعتباري لست خبيرا قانونيا، أضع هذه المعلومات امام من هم أصحاب الاختصاص، وأيضا أصحاب المسؤولية أمام الشعب العراقي لصياغتها بالطريقة القانونية الصحيحة وتقديمها للجهات ذات العلاقة.    

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك