-كوثر العزاوي-
إنّ الكلام عن عصر الظهور غالبًا مايرتبط بالكلام عن عصرٍ يسبقهُ أو ما يسمى بآخر الزمان، حيث تمتاز سماؤه بسحب البلاءات والحوادث الكونية التي تحدث في أكثر جبهات العالم وتكون الأغرب على الاطلاق، فتجتاح الحياة أمواجًا كالبحر الهائج حين يضطرب، فتضج الناس ذرعًا بذلك العصر ، لكثرة مافيه من الفتن والأهواء وتردّي الاخلاق والشذوذ، وانتشار الفاحشة والتفكك الأسري، وتشتت الآراء واختلاف الأمم، وشدة الضغوط الاقتصادية، وتراجع الاعمال وشْحّ المال وزيادة البطالة وشيوع الفقر، وتفشي الجوع والمرض، وكثرة الموت، وتسلّط الجبابرة، وهيمنة الإستكبار على شعوب العالم الإسلامي وغير الاسلامي، والتحكّم بمصائر الخلق، وغير ذلك مما يقع جراء الغفلة والبعد عن الله سبحانه!! عندئذ يعمّ الضيق الآفاق، ويغمر اليأس النفوس لدرجة خوف الناس على دينهم من السقوط وهم لايشعرون، إذ صوّر لنا رسول الله"صلى الله عليه وآله هذه الحقبة من الزمن قبل آلاف السنين بقوله:"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، الصَّابِرُ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَىالْجَمْر" ويومئذٍ لا يرتجى للأمة خيرٌ، وقد ضاقت الأرض بما رحبت، فليس ثمة منقذٍ ومغيث للبشرية أجمع غير صاحب العصور والأزمان شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، فهو الوعد والأمل الذي نعتقد وننتظر، إنه بقية اللّٰه المدخّر من آل محمد"عليهم السلام" مهديّ هذه الأمم، القادم من وراء سحب الغيب، ومَن سيملأ الارض عدلًا وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورا، ولأجل ذلك الموعود يتوجب على المرء أحيانًا أن يتجرّع مرارة بعض مايسبب الأساءة والأسى، ويصبر في السراء والضراء، ويدوس على النفس ويتحمّل المحن والأذى، ويغضّ الطرف عن كثير مما تقتضي مصالحه وحاجاته،فقد يُعدّ مثل هذا الصبر تكليفًا محبوبًا، فالامتحانات في آخر الزمان تصبح أشدّ وأقسى، كما بيّن علماؤنا، لانها تُشير إلى مدى ترقّي الفرد وتكامله بحيث يصبح قادرًا على خوض أصعب الأغوار والأمتحانات على جميع الصعد بما فيها تلك التي تستفزّ الروح والفكر، فتستنهض الهِمم والغيرة والحرص على الانتصار والغلَبة، فكلما يكون التكليف أشقّ، تنمو وتعلو قيمة المرء، ويربو ثواب العاملين في ذلك العصر وكلما كان الامتحان صعبًا، تكون لاجتيازه لذة وقيمة أكبر، وعلى العكس من ذلك، فإنّ الذي يفشل فيه، يكون سقوطه أمرّ واشدّ على النفس وتلك معادلة تستدعي اليقين وتستحق المغامرة!! فلا تظنُّن إلّا خيرا، ولا ينظُرنَّ أحدٌ إلى مرارة الواقع مهما بلغ الطوفان وكأنَّها النتيجة التي لاخاتمة لها كلا،! بل سيأتي اليوم الذي تنقلب فيه الأمور وتتغيَّر الاحوال وتدور الدوائر بما تقتضيه مصلحة البشرية بإذن الله تعالى، وسيكون الظهور صاعقة على الكافرين ونقمة على الظالمين والمجرمين، ورحمة للمؤمنين ولطف بالمعذبين المستضعفين، وهذا هو الظنّ الذي يجب أن يلازمَ مَن كانَ يملك هدفًا مقدّسًا، مؤمنًا بأنه يستحق دفع الأثمان والتضحيات التي يقدّمها مِن أجله، فلن يتعب أو يضعف! بَلْ يجد كلّ الابتلاءات جميلة ولذيذة قبال الأمل، فاختيار الله لنا أن نكون في مثل هذا العصر والمشاركة في الإختبارات، إنما يُعدُّ بحدّ ذاته امتيازًا، بمعنى آخر أنّ الباري تعالى قد منحنا الأهلية على خوض غمار الامتحانات، فلا ينبغي أن نيأس مهما هُزِمنا، لأن المؤمن عليه أن يسلّمَ راضيًا مطمئنًّا، بأنّ مايجري على البشر من نصر وهزيمة وصبر وبلاء، إنما اساسه"التوحيد" إيمانًا بما جاء في بعض موارد القرآن الكريم مثال قوله تعالى:{..يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ} آل عمران ١٥٤- ويأتي الجواب على مَن ظنّ بالله مشكّكا: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ} أي كيف تستبعدون ذلك أو ترونهُ مُحالًا وكل الامور والشؤون بيد الله "عزوجل"وهو قادر أن ينزّل عليكم النصر متی وجدَكم أهلًا لذلك، فاستقيموا واثبتوا..
https://telegram.me/buratha