المقالات

أستراحة مقاتل، للتزوّد لا الهروب..!


كوثر العزاوي ||

 

لحكمة لأمير المؤمنين"عليه السلام"

في تقلّب الأحوال عِلمُ جواهر الرجال"

كأنّي بالامام عليه السلام يقول: إن هذه الحركة المترامية بين الصعود والهبوط، والتقدّم والنكوص، وفيها تتقلب أحوال الانسان إنما هي مقدمة من أجل وضوح الجوهر، وها نحن وفي مثل زماننا بات من السهل جدّا تبدّل أحوال الناس، فالغالب عليها تخبط الحركة، وعشوائية الأفعال، فلم نرَ قرارًا ولا استقرار، فقد تتصدر الازدواجية معالم الكثير منهم، وتلفّ الضبابية ملامح أغلبهم، فما رأيتهُ أمس لم تجدهُ اليوم! ورأيُ اليوم ليس كما الأمس! مما يجعل الانسان يطيلُ التأمل ويعيدُ النظر! وحقّ النفس أن تخاف عليها، ولعل  مايجرنا التفكير اليه، هو ما سيدفع أحدنا ثمن ثباته على المبادئ أضعافًا في عهدٍ يتخلّى فيه الناس عن بعض الثوابت والقيم، وسيتعب الكثير ممَن يريد الصمود والتمسك، ومجاهدة الإمساك على الجمر! وفي حال الحرص والثبات قد تبدو غريبًا، وبمرور الوقت تغدو مهمّشًا إن لم تكن منبوذا!! كل ذلك في عالَمِ نراه يضجُّ بالتزعزع، وربما التبدّل والانسحاب التكتيكي عن مركز الثبات، إنه زمن اختلال المفاهيم والفهم المغلوط، إلّا أنّ الله عزوجل وبلطفه الخفيّ ولحكمةٍ يراها، يرسلُ إليك تارةً تلو أخرى إشاراتٍ تُدلّك على الطريق الذي يؤمّنُ لكَ توجّسك ويوحي لك بالإطمئنان، ويجعلك في أمان، تعتزّ بثبات وِجهتِك كأن يجعل في طريقك وجهًا يشبهك، أو يدًا بيضاء تمتدّ لك، أو مِثلُ حَكايا تطرقُ سمعك، عن أناسٍ ثبتوا، وقصصٌ لمرابطين ما بدّلوا، ومآثرَ أنقياء رَفَدوا، وعارفين في بحر الهدى غَرِقوا، وآخرين عن الهوى أعرَضوا، ورجالٌ صَدقوا، ورفقاء ماخانوا، وأبطال ماضَعُفوا، وكِبارَ ماوَهنوا، وخلّان ماغدَروا، ولعلّ ماخَفي في هذا الدرب أعظم، وما لا نعلمه عن جنود الله أعجبُ، وما لا ندركُهُ مما انطوت عليه السرائرَ أشدّ خفاءًا وأغربُ! ومن هنا يحِقّ للمرءِ إحكام بوصلته، وحذاري أن يغلبه هواه، فالهوى عَرَض طارئ مُذِلّ يصيب القلب، وأثرهُ ماضٍ بحسب نسبة سلامته، ولَإن غلبَ أحدنا لأي علة او سبب، فلن يجد لدُنياه طعم، ولن تبقى هيبة ولامنفعة، ولا في القلب جذوة ولاشفقة، وقد تطول المسافة بينه وبين الله، وتقترب المسافة صوب الشيطان، فيجد نفسه غارق في سكرة الهوى، وإنّ هذه النفس إن لم تجهَد بالطاعات أُجهدَت بالأسى والحسرات، أيامٌ صعبة، وظروفٌ أصعب، رزايا وحروب والمشوار طويل، والزاد قليل، وطوق النجاة الوحيد في هذه المرحلة التي تمر بها البشرية، هو التمسك بالله، وحُسن الظن به"عزوجل" وحسن الظن، هو ذلك الذي يداريه الإنسان خلف يأسهِ في هذا الزمان، وهو مَن سيكون قارب نجاته حرفيًا، فلا شيء يضيع عند الله من حيث علمهِ ولطفه بعباده سبحانه، فالتعب والخيبة والإحباط والحرمان والفقد مع المجاهدة والمواجهة والصبر، كل ذلك يُقرّب العبد من ربّه كما يقرّب له مايأملُ وينتظر، فإن كان مايأمل خيرٌ هيأهُ له، وإن كان شر دفعه عنه وجنّبهُ أذاه، حتى يدرك الانسان بعد فترة من المعاناة بإنه لو علِمَ مقاصد الأقدار وحكمة الجبار لبكيَ خجَلًا من سوء ظنه بربّهِ الشفيق الرؤوف! فاليقين بالله في الحرب والسلم وعلى أيّ حال إنما هو سرّ الرضا بكل شيء، والزهد في الدنيا مفتاح كل خير كما أوضح معناه الإمام الصادق "عليه السلام" في قوله:

{الزهد مفتاح باب الآخرة، والبراءة من النار، وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله، من غير تأسّف على فوتها، ولاإعجاب في تركها، ولا انتظار فرج منها، ولاطلب مَحمَدة عليها، ولا عِوض منها، بل ترى فوتَها راحة وكَونها آفة، وتكون أبدًا هاربًا من الآفة، معتصمًا بالراحة}.

 

١٧-ربيع الثاني١٤٤٥هج

٢-١١-٢٠٢٣م

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك