الكاتب كاظم الخطيب ||
لقد خلق الله سبحانه الماء، وجعله مصدراً وأساساً للحياة بشكل مطلق، لقوله سبحانه( وجعلنا من الماء كل شيء حي) والجعل هنا هو الإرادة الإلهية لكينونة المخلوق وسجيته وفطرته التي يجب أن يكون عليها في سلوكه مع سائر المخلوقات الأخرى، من حيث تطبيق الحكمة من إرادة الخالق ومشيئته سبحانه في تدبير شؤون مخلوقاته.
وكما إن للماء عذوبة رائعة، وإنسيابية وادعة، وتواضع فاق تواضع المتقين، وتخطى مراتب الصابرين، بحيث كان من سجيته أنه يجري في كل منخفض، ويتحاشى كل معترض، ويسير طواعية لكل نادب مستغيث ذي غرض؛ إلا إنه وبخلاف ذلك كله، فإن له قوة وشكيمة، وغضبة عظيمة، وطغياناً لا يرد، وعنفوناً لا يصد.
الإيمان كما الماء، له كل ما سالف من الصفات والسجايا، والهبات والعطايا، والدعة والسكينة، وله مثل ما للماء، من الثورة والطغيان، والغضب والعنفوان، فهما يشتركان في الصفة والضد معاً، ولا يمكن مطلقاً لأي أحد أن يستفز هدوئهما حتى يبلغ السيل الزبى، ولا يكون حينها من خيار، فإما الكرامة أو الردى.
وقد كان من شأن فلسطين ما كان، من المعانات والذلة والإمتهان، والتهجير بالإستيطان، على رغم وجودها في حاضنة عربية، وأغلبية إسلامية، لكنها لم تكُ تمتلك من الردع لذلك الظلم ألا لشكوى وصدور أبنائها، وفي أقصى حالات الجهوزية الرادعة للإحتلال؛ كانت الحجارة الراجمة، مقابل مدافع الرشاش، والدبابات والطائرات.. ولكم تفاخر العرب- تعبيراً عن عجزهم، وتأكيداً لعمالتهم- بثورة الحجارة، التي أدمت جباه بعض الجنود من يهود بني صهيون، كما حطمت الكثير من زجاج السيارات وزجاج نوافذ المستوطنين.
في ضفة أخرى كانت فلسطين قضية حاضرة، وهدف معلن، وسعي حثيث، وثورة ناقمة، مثلت تحدياً حقيقياً للوجود الغاصب في أرض فلسطين، وضمانة حقيقية للفلسطينيين، وأملاً ملموساً بالعودة للمبعدين، فكان نصر الله، وكان قاسم وجمال، وقد بذروا بذار الثورة، وحددوا ملامح النصر، وألهبوا همم الشرفاء والغيارى، وحددوا ليوم الفتح موعداً.
أذرع يهودية بهوية عربية وإسلامية، دأبت على تشويه ذلك الأمل، من خلال تأصيل نائرة الطائفية، وتوسيع هوة الشقاق، بين الداعين ليوم عالمي للقدس، وبذل المال والجود بالنفس، وبين من يحلمون بيوم الخلاص.. فاتهموا جمهورية إيران الإسلامية برعاية الإرهاب، واتهموا نصر الله بعمالته للفرس، ونعتوا أشرف من خطى على درب النضال قاسم وظهيره جمال، بشتى نعوت الخسة والإبتذال، لكن لم يك لكل ذلك الجهد الخبيث أثراً، سوى الإصرار على المضي قدماً في تقويض كيان الغاصبين.
اليوم وقد أثمرت الجهود، وتحقق المقصود، وتقاطرت صواريخ المجد، وقذائف العزة، على جماجم اليهود، بوثبة الأسود، بتحقيق مئات الأهداف، أهمها: بيان فشل مخابرات العدو، وضعف جاهزيته القتالية، وعجز قبته الحديدية عن حماية جحور جرذانها،والهدف الأسمى وهو قدرة أبطال فلسطين على تحرير كامل تراب الأرض الفلسطينية، منذ زمن بعيد لولا خذلان أخوتهم في العروبة والإسلام، وشركائهم في الأرض، إضافة إلى غيرها من الأهداف التي عصفت بخواطر الشرفاء، والتي غيرت إتجاه البوصلة من حلم بعيد، إلى نصر أكيد.
طوفان الأقصى هو نتاج إسلامي صرف، بتجربة وحدوية إسلامية صادقة، وضمائر حية، وتضحيات غالية، وهو طوفان أوله جامح نزر، وآخره سيل عرمرم، لا يبقي ولا يذر.
https://telegram.me/buratha