زمزم العمران ||
مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ
إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
أزمة السكن في العراق ، ليست جديدة بل إنها أزمة قديمة جديدة ، تتفاقم كلما تتقدم السنين ، إلا أنها برزت مؤخرا حتى أصبحت من أهم الأزمات في حياة العراقيين ومعيشتهم ، وأسباب هذه الأزمة كثيرة ولاتقتصر على سبب واحد ، ممايتطلب إيجاد أساليب متعددة لعلاجها .
يُمكن إيجاز اسباب هذه الأزمة ، إلى عدة أمور ، أولها التضخم السكاني ، حيث أزداد عدد سكان العراق بأضعاف ، خلال العقود الست الأخيرة ، بدءاً من سبعة ملايين ، حتى تجاوز الان الاربعين مليون ، وقبال هذا التزايد في السكان ، لم يقترن معه بشكل متوازي زيادة في البنى التحتية والسكنية ، والتي من الممكن أن تواكب تلك الحاجة والغرض ، ويرجع سببها الأوضاع السياسية ونتائجها التي أثرت على العراق منذ ذلك الحين وحتى اليوم .
أما ثانيها التغييرات التي طرأت في طبيعة المجتمع العراقي ، حيث أسهم تغير الزمن والمستجدات المدنية في تغيير طباع بعض طباع المجتمع ، ففي السابق كانت الأسر العراقية ، تجتمع في منزل واحد ، ويتزوج الأبناء في بيوت الآباء وتكتفي العائلة بغرفة واحدة تجمعهما في أغلب الأحيان ، لكن الصورة هذه تبدلت اليوم ، تسعى العائلة الواحدة لوحدة سكنية خاصة بها ، لايشاركها فيها أحد وكانت المنازل السكنية بسيطة وغير مكلفة ، بينما على العكس اليوم حيث تبقى المنازل على المواصفات الجديدة ، لكي تواكب المدنية والتقدم الحضاري في العالم ، وغالباً ماتكون مكلفة نسبياً ، كما لا يمكن أغفال النزوح السكاني الملحوظ من القرى والأرياف إلى مراكز المدن ، مما أسهم بشكل كبير في توسعها وازدحامها ، وقد ازدادت حالات الطلاق والانفصال بين الازواج في وقتنا الحالي ، بسبب عدم وجود وحدة سكنية مستقلة لكل عائلة .
ويبرز ثالثها غياب التخطيط والفساد الاداري ، أسهم غياب التخطيط السكني في العراق تفاقم هذه الأزمة ، على الرغم من وجود وزارة تحمل اسم وزارة الإسكان والإعمار ، إلا أنها لم تبني وحدة سكنية لموظفيها فضلا عن المواطن العادي ، فقد اكتفت بمنح قروض للمواطنين عن طريق صندوقها ، ولم تحذوا حذوا الدول الأوربية التي تقوم بإنشاء مجمعات سكنية ودور حكومية تكون عائديتها للدولة ، حيث يسكن فيها المواطن مقابل دفع مبلغ ايجار منخفض نسبياً ، مما يساعد الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود من الحصول على سكن لائق ، ويسهم في الحد من العشوائيات ، والتجاوز على الأراضي الزراعية أو الأراضي المملوكة للدولة ، حيث توزعت هذه العشوائيات الموجودة على عموم محافظات العراق ، وبلغ تعدادها 4000 الآلاف مجمع عشوائي ، كانت نسبتها في العاصمة بغداد 1,22 الف ، ثم تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي ، فضلاً عن بقية المحافظات بنسب مختلفة ، أما دور وزارة التخطيط فقد اكتفت بتحديد حاجة العراق ، من الوحدات السكنية والتي قدرتها 4 ملايين وحدة سكنية لو تزيد ، ولم تضع الخطط الخمسية أو العشرية ومواقع واقتراحات في كيفية إنشاء هذه الوحدات ، وفق نسق تخطيطي يلائم الحاجة الفعلية لكل محافظة ، مع إمكانية توفير البنى التحتية والحفاظ على التصميم الأساسي للمدن في المحافظات .
ويمكن رؤية سبباً رابعاً هو عدم الدقة والموضوعية في الاستثمار العقاري ، حيث لم تتصرف الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في هذا الحقل ، فلم تقوم هي بالاستثمار بنفسها ، وكذلك لم تحد من الجشع لدى المستثمرين في ملف العقارات ، فيمكنك أن ترى العديد من المجمعات التي هي تابعة للقطاع الخاص ، إلا أن سعر الشقة الواحدة في تلك المجمعات مبالغ فيه بشكل جنوني ، ولايمكن شراء تلك الشقق الا من فئة أو فئات محدودة في المجتمع ، فعندما تصل الشقة التي مساحتها 160 متر الى أكثر من 300 ألف دولار وغيرها ممايصل إلى 250 و 240 ألف دولار هل بإمكان الطبقة الفقيرة والدخل المحدود ، شراء وحدة سكنية في هذه المجمعات ؟
وهل من أجل تسويق هذه الشقق وبيعها تم ايقاف اكمال مشروع بسماية السكني ؟اذا ماقورنت اسعار الشقق في بسماية مع باقي المجمعات فأنها انسب لمواطني الدخل المحدود ، وعدم حسم ملف التفاوض مع الشركة الكورية هانوا ، لاسيما أن هذه المجمعات السكنية تعود استثمارياً ، إلى بعض التيارات والأحزاب السياسية المتنفذة في البلاد ، والتي صنفت من قبل مراقبين في الشأن السياسي ، على أنها باب من أبواب غسيل الأموال .
قامت الحكومات المتعاقبة ، بطرح عدة حلول للقضاء على أزمة السكن ، عن طريق توزيع قطع اراضي للموظفين وغيرهم ، إلا أننا لانرى من هذه المشاريع الا وجود اعلامي فقط كما حصل في مشروع داري وغيره ، لم تتحقق وعود الحكومات بتوفير سكن لائق خاصة للشرائح المتوسطة والفقيرة .
متى ستأتي حكومة تنفذ سكناً لائقاً ومناسباً لهذه الشريحة ؟
خاصة أن هناك عدة طرق لتوفير السكن ،ومنها بناء منازل واطئة الكلفة أو بناء مجمعات تابعة للدولة يسكن فيها المواطن مقابل بدل ايجار رمزي كما هو الحال في الدول الأوربية .
https://telegram.me/buratha