ماجد الحداد ||
في الليلة الماضية شهدتُ بعيني احتفالات و رقص العراقيين فرحًا بمناسبة اليوم الوطني العراقي في الثالث من أكتوبر ، هذا العام إزدادت الاحتفالات و كثرت الأفراح عما كانت عليه في العامين الماضيين ، فهل يعلم عامة الشعب العراقي حقيقة هذا اليوم ؟
إن هذا اليوم ليس استقلالًا فعليًا للعراق بخروجه من الوصاية أو الانتداب البريطاني ، إذ تعهّد الملك فيصل الأول و ساسته العملاء على تسليم العراق أرضًا و ماءًا و جوًا الى بريطانيا عبر توقيع معاهدة 1930 ، فقد نصت المعاهدة على إعتبار أن جميع أراضي العراق تابعة الى بريطانيا ، و من حق بريطانيا التدخل العسكري في العراق .
إذا كان العراق قد استقل فعليًا من بريطانيا بهذا اليوم ، فلماذا دخلت بريطانيا للعراق في عام 1941 ؟ عندما قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني للإطاحة بالملكية و إسقاط حكومة الوصي على العرش ( عبد الإله ) ، تدخلت بريطانيا بقوتها العسكرية لإعادة الملكية وفق معاهدة 1030 . !
هذه المعاهدة أبرمتها بريطانيا مع العراق بدون مفاوضات ، بل تم إملاؤها على الحكومة العراقية التي كانت تسيطر بريطانيا عليها .
قوبلت هذه المعاهدة بالمعارضة الشعبية الواسعة في العراق و وصفت أنها أبدلت الانتداب الوقتي بالاحتلال الدائم ، و أنها لا تتفق مع الاستقلال التام الذي يريده الشعب العراقي ، و منحت بريطانيا حقوقًا و امتيازات بدون مقابل .
كان المجلس النيابي العراقي رافض للمعاهدة ، فعمل (نوري السعيد) على حل المجلس النيابي و أجرى انتخابات نيابية جديدة للحصول على أغلبية مطلقة تصادق على المعاهدة .
و قد ورِدَ في كتاب (تاريخ العراق السياسي الحديث - عبد الرزاق الحسني - ج 2 - ص 230) :
" أما الجمهور العراقي فقد استنكر أحكام هذه المعاهدة ، و عدّها احتلالًا دائميًا للعراق بعد أن كانت البلاد خاضعة لنظام الانتداب المؤقت . و قد نشر زعماء المعارضة أراءهم في هذه المعاهدة في كلمات مقتضبة في يوم 16 تشرين الأول سنة 1930 . أما ناجي السويدي فقد نشر في جريدة (العالم العربي) الصادرة في اليومين 17 و 18 من هذا الشهر مقالين مطولين ، قامت لهما الحكومتان العراقية و البريطانية معًا و قعدتا ، إذ فنّد فيهما مواد المعاهدة تفنيدًا قانونيًا ، و طعن في الملاحق طعونًا منطقية ، فإضطرت الحكومة العراقية لإيضاح النقاط التي تناولها النقد في مذكرة وزعت على النواب في يوم إبرام المعاهدة . على أن الطعن في هذه المعاهدة لم يقتصر على العراقيين فحسب ، فإن بعضًا من أعضاء لجنة الانتدابات الدائمة في عصبة الأمم كان يرى أن قبول العراق هذه المعاهدة سيجعله بعد تحرره من الإنتداب ، تحت الحماية الريطانية ، كما أن مسيو رابار عضو اللجنة المذكورة قال : و أنا شخصيًا لا أحب أن أرى بلادي تدخل في مثل هذا التعهد الذي قبله العراق على نفسه " .
و الجدير بالذكر أن عصبة الأمم أُلغيت بعد فشلها في دعم السلام العالمي عام 1946 و كبح جماح الحرب العالمية الثانية .
فيا للعَجَب العُجَاب ، أن يوم انضمام المملكة العراقية (الزائلة) الى عصبة الأمم البريطانية (الملغاة) بعد توقيع معاهدة 1930 (الاستعمارية) يومًا وطنيًا (للجمهورية العراقية) !.
فأحسنتم جميعًا حكومتًا و شعبًا ، سياسيين و جماهير على تزييف التأريخ للأجيال فأصبح اليوم الذي يُسلّم فيه العراق على طبق لبريطانيا يومًا وطنيًا ، كما تم تزييف النشيد الوطني فأصبح (ناعمًا منعمًا) و (البهاء و الدناء) .
https://telegram.me/buratha