رياض سعد
في بلاد تسيطر فيها السياسة على كل شيء , وتكون فيها مقاليد الامور بيد قوى الاستعمار والمخابرات والسفارات الاجنبية والغريبة وعملائهم من الساسة والعسكر وحسب , لا نستغرب عندها من ظهور فقاعات ثقافية مشوهة او حركات دينية مخرفة او جماعات مرتزقة مؤدلجة , او احزاب شكلية خاوية وخالية من كل محتوى حقيقي ؛ فالحق مع السياسية يصير باطلا والحقيقة تتحول الى زيف .
وبناءا على ما تقدم افرزت المرحلة الانتقالية الانية وبسبب تراكمات المراحل السابقة السلبية والمنكوسة ظهور شلل ثقافية مرتزقة ومؤدلجة او تتدعي الثقافة من انصاف المتعلمين والمتشدقين – ان جاز التعبير - ؛ وتسمى هذه الظاهرة في الخليج : (( الشللية) : و هي التي تتشكل لأسباب عدة قد تكون مذهبية او عنصرية أو مناطقية أو نخبوية أو انحيازية بحتة ,و قد تنشئ ( الشللية او الشلة او الشلل ) لأسباب اجتماعية مثل ما تمليه علينا بعض العادات والتقاليد ... ، وقد لا يكون لها دخل فيما سبق ، بل قد تكون لصنع قوة منافسة لقوة أخرى ... .
وقد عملت هذه الشلل وبمساندة ادعياء الثقافة والفكر ودعم اصحاب النفوذ والجهات الخارجية المشبوهة على السيطرة التامة على الفضائيات و وسائل الاعلام الاخرى بل والتحرك على وسائل التواصل الاجتماعي – ( الفيس بوك , تويتر , يوتيوب ...الخ ) – مكونين جيوشا الكترونية تقلب الحقائق راسا على عقب , وتشوش الرؤية , وتزيف الوقائع ؛ وفقا لما تمليه عليهم الدوائر الاجنبية المنكوسة لزعزعة الاوضاع العراقية وتغيير قناعات المواطنين بما ينسجم ومصالح القوى الاجنبية والمنكوسة .
واينما يولي المثقف الحر والكاتب الوطني وجهه يجد امامه تلك الشلل المؤدلجة والمرتزقة والمرتبطة بالخارج او قوى الداخل المنكوسة ؛ فهم حاضرون في المؤتمرات والوزارات والمجالس والندوات ... الخ ؛ مما دفع بالمثقفين الاحرار والكتاب الموضوعيين الى الكتابة في مواقع الانترنت والفيس بوك ... – متنفسهم الوحيد - هروبا من هذه الاجواء الموبؤة بالحقارة والنرجسية المرضية والعمالة والنفعية والانتهازية والادعاءات الفارغة ... .
ولا يخفى على المتتبع اللبيب ان الموتورين من ابناء الفئة الهجينة وايتام البعث والصداميين وبقايا (القومجية ) وعملاء السفارات والانفصاليين يشكلون العمود الفقري لهذه التجمعات البائسة والسلبية والشلل المرتزقة والمنكوسة , وعلى الرغم من كون بعض هذه الشلل تعمل لتحقيق اهداف المنكوسين المشبوهة بشكل غير مباشر وخفي عن طريق ارتباط بعض اعضائها او اصدقائها المؤثرين بالجهات الخارجية ؛ فهؤلاء لهم القدرة على تحريك افواج من ادعياء الثقافة والاعلام والمطبلين والمروجين ؛ بل والمضللين المحترفيين وخبراء الاعلام ، عبر شراء الذمم بأموال الشعب المنهوبة من ثرواته الوطنية او بدولارات العمالة ... ؛ و هذا وباء رأيته متفشيا في مجتمعنا لاسيما في مجالي الثقافة والاعلام ،وأحزنني كثيرا أننا نغذيه دون أن نشعر بانحيازنا لهذا أو ذاك ، دون الوقوف في الوسط ،واتخاذ موقف الحياد، وموازنة الأمور بما يخدم الثقافة ويبقيها كتلة واحدة او بما يحقق المصلحة الوطنية الانية ... .
واحيانا يكون المحور الثقافي والاعلامي الذي تنطلق منه بعض هذه الشلل : المواضيع الشخصية لهذا الصديق المتماهي مع خطهم او ذاك المرتبط بنفس المصدر حتى وان كانت تلك المواضيع ضحلة و هشة وسطحية وهابطة ...!!
ناهيك عن شخصية الكاتب التافهة او( المغرد ) الرخيص , اذ ان بعضهم لا يكتب الا وهو سكران حد الثمالة بعدها يتكلم بشتى المواضيع ويتشدق بما بدا له , ويتقيأ القذارة الفكرية والانحطاط الاعلامي , ويصبح الناطق الرسمي ل شارع المتنبي او يصير نفسه الوجه الثقافي المشرق للثقافة العراقية الراهنة ...!!
و هؤلاء المنكوسون المشبوهون يمثلون شرا وتسلطا لا يقل خطرا عن الانظمة الدكتاتورية وتكميم الافواه من قبل اجهزتها القمعية ؛ بل لعل هؤلاء الوجه الجديد لمقارعة الفكر الحر وحرية التعبير ... ؛ وعليه اصبح من الواضح ان الحرية الفكرية والمشاركة الثقافية الحقيقية الفاعلة من قبل كل ابناء العراق وبلا استثناء مهددة من قبل هذه الشلل - المنكوسة والمتورمة - التي تغلغلت في كل الدوائر والمراكز الثقافية والاعلامية الرسمية و غيرها ... ؛ اذ ان لهذه الشلل دورا خطيرا يتمثل في محاربة الطاقات الشابة و اعاقة الاعمال الواعدة ,وعرقلة المشاريع الثقافية والمعرفية الوطنية , والاستحواذ على كل مقدرات وامتيازات العناوين الثقافية و الفكرية والاعلامية ... .
والامر الملفت للنظر في حراك اعضاء ورموز هذه الشلل : قدرتهم الباهرة على استخدام كم هائل من الالفاظ البذيئة والجرأة في تسليط الاضواء على المواضيع الحساسة والتي تتعارض مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع العراقي ... ؛ و ما اكثر الكلمات النابية والايحاءات الفاحشة والسوقية المستخدمة في كتاباتهم وبرامجهم , ناهيك عن قائمة طويلة عريضة من الاكاذيب والافتراءات التي يلصقوها بفلان تارة و ب علان تارة اخرى , ولهذه الظاهرة اهداف كثيرة ومنها : الاستغلال المادي - من خلال دفع الرشاوى والاتاوات لهم من قبل الفاسدين - والضغط على الكتل والشخصيات المستهدفة من هذا الاعلام المنكوس لتحقيق بعض المكاسب , وزعرعة ثقة المجتمع برموزه وابناءه و ارباك المشهد العام واشاعة ظاهرة التنمر والاستهزاء بين الناس , وتفكيك الروابط الاجتماعية واشاعة الانحلال الاخلاقي ... الخ .
ومن الامور التي تميز هذه الفقاعات الاعلامية والبالونات الثقافية عدم قدرتهم على طرح المواضيع الثقافية والمعرفية الهادفة وفشلهم بالتفوه بالكلمات الجميلة والعبارات المهذبة ؛ وحتى لو نطقوا بها لفقدت حلاوتها , لان السنتهم وسخة ( زفرة ) .
ومن الواضح انه عندما تتحول هذه الشلل الى كيانات شبه حزبيه او فئوية , تصبح غير معنيه بالصالح العام وبالأهداف الشعبية الوطنية او العمل على بلورة الهوية الوطنية الحقيقية المغيبة , نعم كل ما يهمها الدوران حول ذاتها وتحقيق مصالح افرادها .
ومن المعلوم ان ذهنية الفئة الهجينة مغلقة على العموم , فهي تدور في فلك الدوائر الثقافية والمعرفية والسياسية والدينية والعرفية المغلقة والعنصرية والطائفية والمنكوسة , والتي تستبطن الآراء المنفلتة والاحكام المتسرعة والاتهامات والادعاءات الجاهزة ؛ بالإضافة الى انها تعتبر ذهنية اتهامية ومتعصبة من الدرجة الاولى , فلا وجود للوسطية في مخيالهم المريض ؛ ولا التروي والاعتدال في ذهنيتهم المعقدة ؛ ف لسان حالهم : اما معي او ضدي ؛ اذ لا يترك للمقابل خيارا ثالثا ... !!
فهذه الفئة - من الناس المسوخ- لا تجد نفسها الا في التحالفات والشلل المشبوهة والتكتلات البرغماتية المرتبطة بالخارج – المقصود بها التكتلات ذات المصالح الشخصية والفئوية والطائفية وذات المصالح المتبادلة مع القوى الاجنبية المشبوهة والمنكوسة - ؛ مما انتج شلل ثقافية واعلامية واكاديمية ؛ هدفها التسلط على المشهد الثقافي العراقي برمته ...!!
ولا مثقفين هنا بعد إلا مثقفي الفئة الهجينة والبعثية والقومجية وعملاء ومرتزقة المخابرات والمنظمات الدولية .... ؛ فالخط المنكوس رب الشللية وخلاّقها ومروجها والآكل الوحيد على قصعتها ... ؛ وإن لم تكن من هذه الزمر المشبوهة والمرتزقة والمؤدلجة والمنكوسة فلا حظ لك من مال الدولة ولا من مؤسساتها ولا من معارضها وندواتها وإذاعاتها و وسائل اعلامها المختلفة . ولا حظ لك من دعم المؤسسات والمنظمات الدولية بل وحتى الفضائيات والصحف الاهلية – غير الحكومية - ؛ وعلى الرغم من كل هذه الامتيازات المادية والمعنوية ؛ تستجدي تلك الشلل والزمر من المخابرات والمنظمات الدولية المعادية السحت والمال الحرام – ثمن العمالة والخيانة - .
كنا يعرف ان انظمة الفئة الهجينة ولاسيما النظام الصدامي اقصى كل المثقفين والمبدعين الاحرار كالجواهري ومظفر النواب واحمد مطر وغيرهم من معارضيه وقرب انصاره والمروجين له ... ؛ ويبدو أن أمراض الفئة الهجينة والبعثية تستفحل في العراق حتى بعد سقوط النظام الدموي الصدامي ؛ اذ ازدهرت الشللية والشلل وتنفست الصعداء تلك الزمر واعادة هيكلتها وتنظيمها – بأشكال مغايرة - وتبين أنها مرض الفئة الهجينة المزمن بل ان هذا المرض نقل عدواه إلى ( غمان ومخانيث وثولان ) ومرتزقة وخونة الاغلبية العراقية وباقي مكونات الامة العراقية .
ولعل احكم يسأل : كيف تملك الفئة الهجينة والخط المنكوس شلة الثقافة؟
حوّلت الفئة الهجينة واتباعها وعبيدها من الاغلبية العراقية الثقافة العراقية إلى ضيعة خاصة مغلقة لا يمكن الدخول إليها إلا ببطاقة الانتماء الأيديولوجي وبشرط إثبات لا غبار عليه أن تكون ساهمت في معارك الفئة الهجينة والبعثية والخط المنكوس ضد الاغلبية العراقية والتجربة السياسية الديمقراطية الحالية ، كأن تنتج مسرحا يلعنهم أو سينما تفضحهم أو رواية تمجد قتلهم او مقالة تسلط الاضواء على سلبياتهم او تقريرا يكشف فساد بعضهم ... الخ ، أما غير ذلك فأنت ( شرقي – وباللهجة السوقية المبتذلة : اي جنوبي اصيل – , او صفوي : اي شيعي عراقي ) مقصي من كل المنابر والامتيازات والمال السحت .
والعجيب ان مقاليد المال العام بيد هؤلاء الشرذمة الحاقدة , ، فالمال العام الثقافي ميزاب يصب في حوض الفئة الهجينة واتباع الخط المنكوس فقط والويل لمن يقترب من الانشطة الثقافية وصناديق الدعم الثقافي وصناديق تمويل البعثات والملحقيات الثقافية والارتباطات الخارجية ... .
فبعد سقوط الصنم الطائفي عام 2003 عملت القوى الدولية وبعض الانظمة العربية على تمكين الفئة الهجينة من مقاليد الثقافة والاعلام و التي تستخدم ضد الاغلبية العراقية والتجربة السياسية الجديدة فيما بعد حسب الاتفاق المبرم بين الاطراف المنكوسة ... , وهذا لا بعني ان الفئة الهجينة غير مثقفة او ان كوادر البعث وانصار القومجية ليسوا مثقفين او لا يوجد انتاج ثقافي لديهم ... ؛ بقدر ما نحاول ان نشير الى مخطط تثمين ثقافة هذه الشلل والشراذم والمبالغة في اطراءها والترويج لها على حساب المشهد الثقافي العراقي برمته ؛ فالمراد ان تصير ثقافة الفئة الهجينة والبعثية والخط المنكوس هي ثقافة الدولة والشارع – تمويلا وترويجا – ؛ وان تقصى كافة الاصوات الحرة والانشطة الثقافية الوطنية الحقيقية الاخرى ... ؛ فكانت الصفقة المشبوهة ولا تزال آثارها قائمة بل غير قابلة للزوال مادامت الدول والمخابرات والمنظمات المنكوسة تمول الشلل والشراذم الثقافية والاعلامية وتمتلك قنوات فضائية و وسائل اعلام متعددة لترويج برامجها ومشاريعها المنكوسة .
من هذه الزاوية، نجد أن نعت الشلة الثقافية المنكوسة المسيطرة على الثقافة بأنها شلة مثقفة وتقدمية وعلمانية أمر مثير للضحك فهي شلة منكوسة بل رجعية لأنها ترفض كل تغيير يأتي من خارجها ... هي شلل طائفية وحزبية وعنصرية وفئوية ... ومنغلقة على نفسها ولا تمت لهموم وامال وتطلعات الامة العراقية الحقيقية بصلة ... لذلك لا يمكن تغيير وتثوير المشهد الثقافي العام وكل مشروع ثقافي في العراق لا يهدم البناء الحالي ليغير المؤسسات ومسارات إنتاج الثقافة لن يكتب له النجاة من هذه الفئة التي يمكن تشبيها بالعنكبوت الأرملة السوداء المرابطة في شبكتها تقتل كل من يقترب وتلتهمه.
ولعل سائل يسأل : من اعطى هؤلاء المنكوسون المرتزقة الحق في الحكم على العراقيين ومنحهم وسام الثقافة او تجريدهم منها ؟!
ومن الواضح ان قيمة هؤلاء واحكامهم لا تساوي شيئا – بنظر العراقيين الاصلاء - فما هم الا زمرة حاقدة معقدة مرتبطة بالأجنبي واجنداته المشبوهة , واحكامهم ابعد ما تكون عن الموضوعية والحيادية والعلمية فما هي الا انطباعات طائفية وعنصرية وفئوية يحكمها المزاج المريض والدوائر المغلقة المنكوسة ... .
وهنالك فرق بين المثقفين العراقيين الاصلاء الذي نهلوا من المعارف والعلوم والفنون والآداب وقطعوا شوطا كبيرا في المشوار الثقافي والمسيرة المعرفية والفكرية ؛ وبين من جاءوا يأكلون من موائدهم بل ومن فتات موائدهم ثم يزعمون انهم مثقفون ومن اهل الثقافة ... .
إن الثقافة فعلٌ ومعنى سامٍ، تتجاوز العمل الإبداعي إلى ما يعرف اصطلاحًا بأنها "جميع ما يكتسبه الإنسان من صنوف المعرفة النَظريّة والخبرة العمليّة طوال عمره، وتحدّد بالتّالي طريقة تفكيره ومواقفه من الحياة والمجتمع والدِّين والقِيم، بغض النَّظر عن الجهة التي حصل منها على تلك المعرفة أو الخبرة، سواءً كانت من البيئة أو المحيط أو القراءة والاطّلاع أو من التَّعليم المدرسيّ والأكاديميّ أو من أيّ طريقٍ آخر".(1)
و امال الامة العراقية معقودة بهمة الاحرار الاصلاء والمفكرين والمثقفين النبلاء الذين يسعون الى تحقيق طموحات واهداف الامة العراقية في الازدهار والتطور والعدالة والحرية والمساواة والوحدة واسترادا كافة الحقوق العراقية المسلوبة .
...............................................
1- (رشفة إبداع أدعياء الثقافة) / للكاتب طه عبدالرحمن / بتصرف .
https://telegram.me/buratha