كوثر العزاوي ||
في خضم ما يشهده العالم اليوم من حروب واعتداءات وحوادث مرورية وغيرها من حوادث الحرق والهدم، فضلًا عن الكوارث الطبيعة والمناخية، من قبيل الأعاصير والفياضانات والزلازل الكونية وغير ذلك، مايذهب ضحيتها الآلاف بل مئآت الالاف من الأرواح البشرية، فمثل هذه العوارض، إنما هي من الأقدار التي تأتي على الإنسان بغتة دون اختيار، لحكمة إلهية غيبية، وعند وقوع الحادث، سرعان ما ينتشر الخبر انتشار النار في الهشيم في الاوساط المحلية والعالمية، حيث إذاعة وتصوير الحدث وإعطاء إحصائية لأَعداد الوفيات والمصابين عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكلّ يدلو بدلوه، من حيث تفاوت احصائية الضحايا، أو الاشتباه في نوع الحادث، وغالبًا مايشكّل السبق الصحفي كثير من الإشتباه والتهويل أو المبالغة بل وحتى الخطأ، ثم شيئًا فشيئا تتضح معالم الحقيقة ويأخذ الحدث حجمهُ وموقعه، بغض النظر تفاوت عن أسبابه ودوافعه، ولكن مايهمنا هنا: هو تسليط الضوء على أمر غاية في الأهمية، حول تسمية أولئك الذين يذهبوا صرعى نتيجة الحدث الكذائي والخلط بين "مفهوم الشّهيد ومفهوم الضحيّة" ومما لاشك فيه، ثمة فرق كبير جدا بين من نطلق عليهم شهداء وبين من نسميهم ضحايا! ولعل من الصعب جدًا ان تُستَهلك"قيمة الشهيد" بإفراغ محتوى المفهوم من قدسيته، عندما يوظَّف لكلّ من مات ميتة مأساوية بسبب الحوادث الطبيعية او الكونية مهما بلغت الأعداد!! والحق أنّ كلمة الشهيد لما لها من قدسية لاشك أنها مقيدة بنمط المِيتة أو القتل في سبيل الله والعقيدة والوطن، إذ لافرق بين أن يقع الشهيد صريعا في سوح المواجهة أو يقتل وهو أسير في أيدي الأعداء شنقًا أو رميًا بالرصاص أو في أي وسيلة وحشية يستخدمها العدو ضد صاحب الهدف، فردًا كان أو جماعة، وماعدا ذلك فالموت على أثر الحوادث أو الكوارث الطبيعية لاتُدرج تحت عنوان الشهادة والشهيد مطلقًا، وإلّا فستُخلَط المفاهيم وتصبح المسمّيات قناعات واعتقاد ، لذا لزمنا التمييز بين مسمى الشهيد ومسمى الضحية بمقتضى الحكمة المستوحاة من الذكر الحكيم، ولكي لا تختلط المقامات ليصبح الوضيع والشريف والمظلوم والظالم، والضحية والمعتدي في ميزان واحد إذ لابد من معرفة انّ الشّهيد هو ذات الانسان الذي اختار أن يحيا مسيرة حياة هادفة لتوصله إلى الكمال على براق الشّهادة عاشقًا مختارًا، وبعد الأختيار يأتي القرار الّذي يجعل من مسيرة حياته مسيرة خاصّة جدًا تنسجم حرفيًا مع ما آمن به من معتقد، ومن وحي أختياره تبدأ مسيرته كشهيد، وتطال حياته وهو حيّ، لذلك لا نستطيع أن نطلق على كلّ الّذين يموتون في بلداننا والعالم لقب "شهداء" فهدف الشّهيد واضح، وهو يعي أنّ النهج الّذي اتّبعه يؤدّي به إلى بذل دمه ونفسه فتراه مستعدًا دائمًا للتضحية حتّى النّهاية في اي وقت شاء الله تعالى له الموت وبدون أيّ ضغط اجتماعيّ أودينيّ أو عائليّ، والثّمن يخصّه بذاته، ولا يمكن أن يحمّله لشخص آخر، ممّن يعرفونه أو حتّى ممن يحبّونه من أهله أو أصدقائه أو معارفه أمّا الأشخاص الذين يموتون دون أن يختاروا ذلك ولم يكن لهم هدف يجعلهم يستعذبون الموت فهؤلاء يسمّون "ضحايا"، والفرق شاسع بين "الشّهيد" و"الضّحيّة"! فالضّحيّة شخص يدفع ثمن أهداف غيره كما يقولون، وبالتّالي يعيش أبعد مايكون عن خيار هذه الأهداف، أو لم يكن يومًا مستعدّا للموت، فأولئك الّذين يلقون مصرعهم في انفجار أو في حادث إرهابيّ، او في حادث سير نتيجة طيش او غفلة، او في حوادث الحريق الناجم عن خلل فنيّ وغيره، إنما هم ضحايا، لأنّهم لم يختاروا طوعًا أن يموتوا، والضحية شخص مجرد من كل قرار وبالتالي تنتهي حياته بدون هدف مسبق إنما بعلم الله وقضائه، وخلاصة القول: إنّ الإنسان كائن مقدّس، فإن اختار الشّهادة فطوبى له وحسن مآب، فما من دافع أعظم وأنبل من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل إعلاء كلمة الحق ولأجل الدفاع عن اخيه الانسان، والشهيد يشهد أنَّ المبادئ أغلى من الحياة، وأن القيم أثمن من الأرواح، وأن الشريعة الغراء التي يعيش الإنسان لتطبيقها أغلى من الأجساد، وأممٌ لا تقدم الدماء لا تستحق الحياة والموت واحد وإن تعددت انماطه، وكلٌّ الى الله راجعون، وهو القائل "عزوجل"{وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى ٱللهِ تُحْشَرُونَ}آل عمران١٥٨
١٥-ربيع أول١٤٤٥هج
٣٠-٩-٢٠٢٣م
https://telegram.me/buratha