الشيخ الدكتور حيدر الشمري ||
لعل واحدةً من أبرز المواقف التي نقلت عن النبي ص حينما جاء المشركون إلى أبي طالب ع يطلبون منه أن يثني رسول الله عن دعوته فمرة يقايضون أبي طالب ومرة يطلبون منه أن يكون وسيطا بينهم وبين الرسول عارضين عليه أموالاً كثيرة وجاهاً عظيماً ومنزلة قريبة في مقابل أن يترك هذا الدين، والدعوة إلى التوحيد وشريعة رب العالمين، أو على الأقل يكتفي بأن لا يتعرض لالهتهم بسوء.
ولكن هيهات وانا يكون ذلك أن يجتمع التوحيد والشرك في مكان واحد، أو أن تجتمع الفضيلة والرذيلة في قلب واحد، أو أن يجتمع الحق والباطل في قضية واحدة، هيهات هيهات ذلك.
فلما عرض عليه أبي طالب ع عرضهم له كان رده جواباً قاطعاً حاسماً لا رجعة فيه، ذلك الجواب على أفضل عرضٍ يسيل له لعاب الكثيرين، ولكن محمد بن عبد الله ص نظر إليه وعينه على الاخرة لا على الدنيا، فما تساوي الدنيا أمام الآخرة والله يقول له وللاخرة خير لك من الأولى.
كان جوابه يعبر عن الصمود والتحدي لكل هذه المغريات حتى يقطع الطريق عليهم لا على أبي طالب لانه كان اعلم برسول الله وهو الذي تربى على يديه قائلا يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته أو اهلك دونه..
ذلك الجواب والرد المفحم لكل رجالات قريش على أن هذا الدين هو مشروع السماء وهو رسالة الله بعث بها محمد بن عبد الله رسولا مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا...
ذلك الرد القاسي الذي جاء مبددا لكل احلام قريش، كاسرا لغرورها وكبريائها، وكاشفا لجهلها وجهالتها، وشعارا لك احرار الدنيا ومقاوميها، فلا المال يغريه، ولا الجاه والسلطان يستهويه، ولا القوة والنفوذ تثنيه..
ذلك الرد الذي صار مدرسة تتناقل جيلا بعد جيل وكأن الحسين ع كان أول مريدي هذه المدرسة وخريجيها حينما أعلن رفضه لبيعة يزيد قائلاً مثلي لا يبايع مثله، تلك الكلمة التي صارت شعارا لكل الأحرار والمقاومين على وجه الارض مثلي لا يبايع مثله.
ذلك الرد او الشعار الذي عبر عن الصمود والتحدي الذي ورثه الحسين ع من رسول الله ص وكأنه يعيد قول جده لمشركي قريش لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما ترتكه، مضيفا أن ذلك لا يكون ليس لشيء إلا لأن مثلي لا يبايع مثله.
مؤكدا أن معايير التفاضل بين بني البشر ليست هي ذات المعايير التي تؤمنون بها وتسيرون وفقها، إن معايير الحسين تنطلق من قوله تعالى أن أكرمكم عند الله اتقاكم، وان الدنيا لا تساوي عفطة عنز كما كان يقول ابوه الإمام علي بن ابي طالب ع.
فهذا هو الصمود والتحدي الذي أعلنه الرسول والحفيد صار مدرسة وشعارا وسلوكا لكل الاحرار من أصحاب الوعي والبصيرة المجاهدين في سبيله...
https://telegram.me/buratha